مختصر التحرير [8]


الحلقة مفرغة

ثم قال المؤلف: [ فصل: الدلالة: مصدر دل، وهي ما يلزم من فهم شيء فهم آخر ].

هذه هي الدلالة، وهي أن يلزم من فهم شيء فهم شيء آخر، مثلاً: أنا أقول: إن الوضوء لابد فيه من النية، من أين فهمت هذا؟ من قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما الأعمال بالنيات )، فإذا كان يلزم من فهمي لهذا الشيء فهم ما يترتب عليه فهذه هي الدلالة.

قال: [ وهي: وضعية وعقلية ولفظية، واللفظية: طبيعية وعقلية ووضعية، وهذه كون اللفظ إذا أطلق فهم ما وضع له ].

الدلالة تنقسم إلى:

دلالة وضعية: كدلالة اللفظ على معناه بحسب وضع اللغة العربية.

ودلالة عقلية: كالاستدلال بالأثر على المؤثر وبالحادث على المحدث.

ولفظية: وهي المستندة إلى اللفظ، مثل: قام زيد نفهم منها ثبوت القيام لزيد، ونفهم منها أيضاً أن هناك قياماً وهناك زيداً، ثلاثة أشياء، قيام، وزيد رجل قائم، وأن زيداً قام، يعني: نسبة القيام إليه هذه دلالة ثالثة.

يقول: الوضعية كدلالة المسبب على السبب، والمشروط على وجود الشرط، والعقلية كدلالة الأثر على المؤثر، واللفظية كالأنين على المرض، والسعال على وجع الصدر، وهذه الطبيعية اللفظية، والعقلية كدلالة الصوت على حياة صاحبه.

المهم الآن فهمنا الدلالة أن أنواعها ثلاثة: الوضعية والعقلية واللفظية، يعني: إما أن تكون دلالة بحسب الوضع كدلالة المسبب على السبب، يعني: إذا وجدنا المسبب عرفنا السبب، وجدنا مثلاً هذا القدر يغلي نعلم أن تحته ناراً؛ لأنه لا يغلي إلا من النار.

الثانية: عقلية كدلالة الأثر على المؤثر، فلو رأينا أثراً في هذه الأرض عرفنا أن له مؤثراً، ودلالة المخلوق على الخالق من هذا النوع.

الثالثة: اللفظية: ما كان مستنده اللفظ، كدلالة قام زيد على نسبة القيام إلى زيد، وعلى معنى القيام، وعلى معنى زيد.

اللفظية نقول: طبعية وعقلية ووضعية، يعني: أن اللفظ يدل على أمر طبعي وأمر عقلي وأمر وضعي، الطبعي يمكن أن نقول: إن كون الإنسان يكح أو يئن يدل على مرض فيه؛ لأن هذا مقتضى طبيعة المرض.

العقلية: كدلالة الصوت على حياة صاحبه، سمعت واحداً يتكلم فأشهد أنه حي، من أين استدللت؟ من الصوت؛ لأنه دل على حياة صاحبه.

ولو سمعت صوتاً في حجرة مغلقة تستدل به على وجود شخص فيها.

مسألة تتفرع على هذا: هل نقول إن صوت المسجل كصوت الآدمي، يغني عما يغني عنه صوت الآدمي؟

الجواب: لا، ولهذا لو أن أحداً وضع مسجلاً عند مكبر الصوت وركب الأذان على الوقت وقال: خلاص سأترك هذا المؤذن متى ما جاء الأذان فتح وأذن، فهل يجزئ أم لا يجزئ؟

الجواب: لا يجزئ؛ لأن الأذان عبادة مشروعة لابد أن يقوم الإنسان بها!

دلالة المطابقة والتضمن والالتزام

الدلالة: اللفظية أيضاً تكون دلالة وضعية، كدلالة الألفاظ على معناها بمقتضى وضع اللغة، مثل دلالة الأسد على الحيوان المفترس، ودلالة لفظ الحمار على الحيوان المعروف البليد وهكذا، يقول: الدلالة اللفظية الوضعية [كون اللفظ إذا أطلق فهم ما وضع له]، وهذه اللفظية هي الغالب في الكتاب والسنة، والغالب أن استدلالات العلماء رحمهم الله على الأحكام كلها بمقتضى الدلالة اللفظية الوضعية، ولهذا يقول -وقد مر علينا- أن الحقائق ثلاث: شرعية وعرفية ولغوية.

قال: [ وهذه كون اللفظ إذا أطلق فهم ما وضع له، وهي على مسماه مطابقة، وجزئه تضمن، ولازمه الخارج التزام، وهي عليه عقلية ].

الدلالة تكون دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام:

فالمطابقة: أن يدل اللفظ على المعنى الذي وضع له كله، يعني: على كل المعنى الذي وضع له، كدلالة الدار مثلاً على جميع ما فيها من الغرف والحجر والمنافع كلها.

ودلالة التضمن: أن يدل اللفظ على جزء معناه، مثل كلمة الدار تدل على كل حجرة أو كل غرفة أو كل حمام دلالة تضمن، والسيارة تدل على الهيكل العام دلالة مطابقة، وعلى العجلات تضمن، وعلى المكينة وحدها تضمن، وهكذا، الإنسان دلالته على المجموع الكلي للبدن دلالة مطابقة، دلالته على رأس ويد ورجل وعين دلالة تضمن.

وقوله: (وعلى لازمه الخارج التزام) دلالة هذا اللفظ على اللازم الخارج عن الهيئة تكون دلالة التزام، وأبرز مثال لها أن تقول: الدار تدل على جميع ما فيها دلالة مطابقة، وعلى كل جزء منها دلالة تضمن، وعلى أن لها بانياً دلالة التزام، فالباني خارج عنها؛ لكنه من لازم وجود البيت الدار القائمة أن يكون لها بان وإلا لما قامت، نقول: هذه دلالة التزام، مثل اسم الخالق من أسماء الله دلالته على الذات وعلى الخلق مطابقة، ودلالته على الذات وحدها أو الخلق وحده تضمن، ودلالته على العلم والقدرة دلالة التزام.

قال المؤلف: [ وهي عليه عقلية ] يعني: دلالة اللفظ على اللازم دلالة عقلية؛ لأنها خارجة عن الوضع.

قال: [ والمطابقة أعم، ويوجد معها تضمن بلا التزام وعكسه ] يعني: أن دلالة المطابقة أعم؛ لأنها تشمل ما لا جزء له وما له جزء، وما لا لازم له وما له لازم، يعني: أن المطابقة أعم أنواع الدلالة الثلاثة، إذ ما من لفظ إلا ويدل على معناه؛ لكن هذا المعنى هل هو مركب بحيث نقول: إن فيها دلالة التضمن أم لا؟

قد يكون مركباً وقد يكون غير مركب، فمثلاً كلمة المفتاح فيها دلالة مطابقة، وليس فيها تضمن، لأن المفتاح لا يشتمل على أجزاء.

فيقول: (يوجد معها تضمن بلا التزام) كأي: دلالة تضمن بلا التزام، ومعناه أنه قد يكون هذا الشيء له معنى عام مركب فيكون فيه مطابقة وتضمن ولكن ليس له التزام، يعني: لا يدل دلالة لازمة على شيء؛ لكن هذا فيما يظهر لي قد لا يوجد؛ لأنه ولنفرض أن هذا مخلوق، فكل مخلوق لابد له من خالق، الظاهر أن هذا من جنس ما سبق أنه يقول: (مركب مهمل)، وإذا به يمثله بكلام الرجل الذي يهذي، والذي يهذي إذا نظرنا إلى كلامه نقول هذا كلام مركب صحيح، لكنه بعدم القصد صار غير مراد، فنحن نقول: ذلك غير مراد ولكنه مستعمل.

فالخلاصة أن الدلالة عقلية ووضعية ولفظية، وأن اللفظية تنقسم إلى: دلالة تضمن، ودلالة مطابقة، ودلالة التزام.

وسبق أن المطابقة أعم؛ لأنها قد توجد بلا تضمن وبلا التزام، وتوجد بتضمن بدون التزام، وتوجد بالتزام دون تضمن، وكل هذه التقسيمات في الواقع لا يحتاج إليها الإنسان أبداً، بل هي عبارة عن تحسين شكل فقط، وإلا فإن الإنسان يستدل بالشيء على الشيء، ويعرف أنه شامل أحياناً وأنه بسيط ليس له أجزاء، وأنه ليس له لازم عقلي وما أشبه ذلك بدون هذه التفصيل، لكن على كل حال ما مشى عليه المؤلف نبينه إن شاء الله تعالى.

الدلالة باللفظ

يقول: [ والدلالة باللفظ استعماله في الحقيقة والمجاز ].

عندنا دلالة اللفظ غير الدلالة باللفظ، دلالة اللفظ يفهمها المخاطب، أي: ما يدل عليه اللفظ، أما الدلالة باللفظ فيستعملها المتكلم، ويعني: أن الدلالة بسبب اللفظ قد تكون بالحقيقة وقد تكون بالمجاز، فإذا استعمل اللفظ في حقيقته قيل إنها دلالة باللفظ في الحقيقة، وإذا استعمل في مجاز قيل إنها دلالة باللفظ في المجاز.

والحاصل أن دلالة اللفظ غير الدلالة باللفظ؛ لأن الدلالة باللفظ معناه استعمال اللفظ في الحقيقة أو المجاز، ودلالة اللفظ ما يدل عليه اللفظ، الدلالة في اللفظ في جانب المخاطب، هو الذي يستدل أو يأخذ بما دل عليه اللفظ، والدلالة باللفظ من استعمال المتكلم، يعني: تارة يأتي بالشيء دالاً على الحقيقة، وتارة يأتي بالشيء دالاً على المجاز.

دلالة الملازمة التي قلنا دلالة التزام: إما عقلية وإما شرعية وإما عادية.

الملازمة العقلية مثل أن نستدل بالموجود على الموجد.

الدلالة الشرعية مثل أن نستدل بصحة الصلاة على تمام شروطها وأركانها؛ لأنه لا يمكن أن تصح إلا بوجود الشروط والأركان، فإذا قلنا: إن هذا الرجل صلى صلاة صحيحة نقول: هذا الرجل قد توضأ واستقبل القبلة وكبر وركع وسجد؛ لأنه من لازم كون صلاته صحيحة أن يأتي بهذه الأمور.

فلو قال قائل: رجل صلى صلاة صحيحة هل تشهد عليه أنه توضأ أو تيمم؟

أشهد عليه، لماذا؟ لأن هذا لزوم شرعي، لا يمكن نحكم بصحة الصلاة إلا بعد الطهارة، هذه ملازمة نسميها ملازمة شرعية.

ملازمة عادية: مثل أن يكون من عادة الرجل إذا زار صديقه فلاناً أن يأتي السيارة المرسيدس، وإذا زار فلاناً الآخر يأتي بسيارة حور.

فلو وجدت سيارة فلان المرسيدس عند باب صديقه أستدل بهذه السيارة على أن صديقه موجود في بيته الآن، وهذه الملازمة عادية، ولهذا قد تتخلف، قد تأتي السيارة ولا يأتي الرجل، يأتي بها مثلاً خادمه أو ولده وهو لم يأت.

الملازمة العادية إذاً هي أضعف أنواع الملازمة، وأقواها الملازمة العقلية ثم الشرعية ثم العادية، مع أن الملازمة الشرعية في الواقع قد تكون مساوية للملازمة العقلية إذا كان الذي تكلم بها عارفاً بما تصح به العبادة مثلاً، صحيح أن الإنسان قد يقول إن هذا صلى صلاة صحيحة لأنه لا يعرف الشروط والأركان، ويكون لم يأت باللازم، يعني مثل واحد قال: هذا صلى صلاة صحيحة؛ لأنه رآه قام وكبر وقرأ وركع وسجد.. إلخ فقال: هذا صلاته صحيحة، مع أنه لا يدري فلعل هذا الرجل صلى بغير وضوء، لهذا كانت الملازمة الشرعية أضعف من الملازمة العقلية، وأضعف منها الملازمة العادية.

الدلالة: اللفظية أيضاً تكون دلالة وضعية، كدلالة الألفاظ على معناها بمقتضى وضع اللغة، مثل دلالة الأسد على الحيوان المفترس، ودلالة لفظ الحمار على الحيوان المعروف البليد وهكذا، يقول: الدلالة اللفظية الوضعية [كون اللفظ إذا أطلق فهم ما وضع له]، وهذه اللفظية هي الغالب في الكتاب والسنة، والغالب أن استدلالات العلماء رحمهم الله على الأحكام كلها بمقتضى الدلالة اللفظية الوضعية، ولهذا يقول -وقد مر علينا- أن الحقائق ثلاث: شرعية وعرفية ولغوية.

قال: [ وهذه كون اللفظ إذا أطلق فهم ما وضع له، وهي على مسماه مطابقة، وجزئه تضمن، ولازمه الخارج التزام، وهي عليه عقلية ].

الدلالة تكون دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام:

فالمطابقة: أن يدل اللفظ على المعنى الذي وضع له كله، يعني: على كل المعنى الذي وضع له، كدلالة الدار مثلاً على جميع ما فيها من الغرف والحجر والمنافع كلها.

ودلالة التضمن: أن يدل اللفظ على جزء معناه، مثل كلمة الدار تدل على كل حجرة أو كل غرفة أو كل حمام دلالة تضمن، والسيارة تدل على الهيكل العام دلالة مطابقة، وعلى العجلات تضمن، وعلى المكينة وحدها تضمن، وهكذا، الإنسان دلالته على المجموع الكلي للبدن دلالة مطابقة، دلالته على رأس ويد ورجل وعين دلالة تضمن.

وقوله: (وعلى لازمه الخارج التزام) دلالة هذا اللفظ على اللازم الخارج عن الهيئة تكون دلالة التزام، وأبرز مثال لها أن تقول: الدار تدل على جميع ما فيها دلالة مطابقة، وعلى كل جزء منها دلالة تضمن، وعلى أن لها بانياً دلالة التزام، فالباني خارج عنها؛ لكنه من لازم وجود البيت الدار القائمة أن يكون لها بان وإلا لما قامت، نقول: هذه دلالة التزام، مثل اسم الخالق من أسماء الله دلالته على الذات وعلى الخلق مطابقة، ودلالته على الذات وحدها أو الخلق وحده تضمن، ودلالته على العلم والقدرة دلالة التزام.

قال المؤلف: [ وهي عليه عقلية ] يعني: دلالة اللفظ على اللازم دلالة عقلية؛ لأنها خارجة عن الوضع.

قال: [ والمطابقة أعم، ويوجد معها تضمن بلا التزام وعكسه ] يعني: أن دلالة المطابقة أعم؛ لأنها تشمل ما لا جزء له وما له جزء، وما لا لازم له وما له لازم، يعني: أن المطابقة أعم أنواع الدلالة الثلاثة، إذ ما من لفظ إلا ويدل على معناه؛ لكن هذا المعنى هل هو مركب بحيث نقول: إن فيها دلالة التضمن أم لا؟

قد يكون مركباً وقد يكون غير مركب، فمثلاً كلمة المفتاح فيها دلالة مطابقة، وليس فيها تضمن، لأن المفتاح لا يشتمل على أجزاء.

فيقول: (يوجد معها تضمن بلا التزام) كأي: دلالة تضمن بلا التزام، ومعناه أنه قد يكون هذا الشيء له معنى عام مركب فيكون فيه مطابقة وتضمن ولكن ليس له التزام، يعني: لا يدل دلالة لازمة على شيء؛ لكن هذا فيما يظهر لي قد لا يوجد؛ لأنه ولنفرض أن هذا مخلوق، فكل مخلوق لابد له من خالق، الظاهر أن هذا من جنس ما سبق أنه يقول: (مركب مهمل)، وإذا به يمثله بكلام الرجل الذي يهذي، والذي يهذي إذا نظرنا إلى كلامه نقول هذا كلام مركب صحيح، لكنه بعدم القصد صار غير مراد، فنحن نقول: ذلك غير مراد ولكنه مستعمل.

فالخلاصة أن الدلالة عقلية ووضعية ولفظية، وأن اللفظية تنقسم إلى: دلالة تضمن، ودلالة مطابقة، ودلالة التزام.

وسبق أن المطابقة أعم؛ لأنها قد توجد بلا تضمن وبلا التزام، وتوجد بتضمن بدون التزام، وتوجد بالتزام دون تضمن، وكل هذه التقسيمات في الواقع لا يحتاج إليها الإنسان أبداً، بل هي عبارة عن تحسين شكل فقط، وإلا فإن الإنسان يستدل بالشيء على الشيء، ويعرف أنه شامل أحياناً وأنه بسيط ليس له أجزاء، وأنه ليس له لازم عقلي وما أشبه ذلك بدون هذه التفصيل، لكن على كل حال ما مشى عليه المؤلف نبينه إن شاء الله تعالى.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
مختصر التحرير [69] 3199 استماع
مختصر التحرير [54] 3180 استماع
مختصر التحرير [70] 3077 استماع
مختصر التحرير [33] 2821 استماع
مختصر التحرير [36] 2818 استماع
مختصر التحرير [47] 2751 استماع
مختصر التحرير [23] 2739 استماع
مختصر التحرير [45] 2738 استماع
مختصر التحرير [4] 2687 استماع
مختصر التحرير [34] 2620 استماع