شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع - باب الرهن-1


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندنا باب الرهن ضمن كتاب المعاملات في شرح عمدة الفقه.

الرهن في اللغة

الرهن: مأخوذ من الراء والهاء والنون، رَهَنَ، وكلمة (رهن) أو مادة (رهن) في لغة العرب تدور حول معان متقاربة، مثل معنى الثبوت، شيء راهن يعني: ثابت أو باق أو لازم، ومنه يقال: في الوقت الراهن يحصل كذا وكذا، أو أسألك: هل عندك شيء معين؟ فتقول: والله في الوقت الراهن لا يوجد. يعني: في الوقت الحاضر أو اللازم أو الموجود الآن.

ومنه أيضاً: أن يكون الشيء ثابتاً لا يتغير، ولهذا يسمى الحبس رهناً، وهذا تجده في القرآن الكريم, كما في قوله عز وجل: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] أي: مرهون، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: محبوسة أو مأسورة أو مأخوذة.

ومنه أيضاً: أن عصابة معينة تأخذ شخصاً وتراهن عليه، فهو يسمى رهينة عندهم، أي: مرهون أو محبوس؛ لأنه يبقى عندهم لفترة طويلة.

وكذلك في الحديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل غلام رهن بعقيقته )، يعني: مرهون بها، وإن كان في الحديث مقال.

فالمقصود: أنه مرهون بعقيقته أو بالتميمة حتى يعق ويذبح عنه، ومن هذا المعنى قول المتنبي لما أشيع أنه قد مات يقول:

كم قد قتلت وكم قد مت عندكمُ ثم انتفضت وزال القبر والكفنُ

المهم في آخر البيت يقول:

كلٌ بما زعم الناعون مرتهن

يعني: أشاعوا أنه مات، فهو يقول: الناس كلهم رهن للموت، فهذه معاني الرهن أنها تدور حول البقاء واللزوم والثبوت ونحو ذلك.

والناس عندنا يستخدمون أحياناً الرهن بمعنى آخر، فأذكر لما كنا صبياناً كان الصغار يتكلمون عن الرهن أو المراهنة، ويقصدون بها نوعاً من المنافسة أو السباق على شيء، إما على جري أو على أمر من الأمور، والذي يفوز يحصل على الجعل، فيكون فيها نوع من المخاطرة، ولذلك إذا أراد أحدهم أن يقول للآخر شيئاً، يعني: فلان نجح قال الثاني: لا، ما نجح. فيقول الأول: تراهن؟ يعني: أنه قد نجح فعلاً.

فهذا المعنى الذي هو الرهن بهذا المصطلح ليس له علاقة بالموضوع الذي نتحدث عنه، هو مادة أخرى، وإنما المقصود بالرهن عندنا المعنى الأول الذي هو الشيء الثابت اللازم الباقي المحبوس.

الرهن في الاصطلاح

الرهن عند الفقهاء والعلماء يقصد به كما يقول الحنابلة على سبيل المثال: توثقة الدين بالعين بما يمكن استيفاؤه منها.

وهذا المعنى واضح، يعني: لو أنك أتيت لي لتشتري مني سيارتي وأنا لا أعرفك، وأنت لا مال عندك، فتقول: أسدد لك على أقساط شهرية أو سنوية، فأقول: لا بأس، لكن أريد أن ترهنني شيئاً، فتقول: عندي أرض منحة لنفترض أنها في منطقة الضاحي، أو في أي مكان آخر بأربعين ألف ريال ترهنها مقابل تسديد قيمة السيارة، يعني: تأخذ صك الأرض مثلاً أو يكون لك الإمكانية أنه في حالة عدم دفعي لهذه المبالغ المستحقة علي فإنك تأخذ الأرض مقابل هذا المال، فهذا هو معنى الرهن؛ توثقة الدين الذي عليك بالعين -في المثال السابق- العين هي الأرض، بحيث يمكن استيفاء الدين من الأرض، يعني: لو لم تف أنت بالدين تباع عليك الأرض ويستوفى منها الحق، أو نقول: حبس العين بالدين، وكلها معان متقاربة.

الرهن عقد، وهو من عقود التوثيق، بمعنى: أن الإنسان يريد أن يتوثق لحقه وماله ويطمئن عليه لئلا يضيع أو ينكر أو ما أشبه ذلك، فهو من عقود التوثيق.

وهو أيضاً يصح أن يكون من عقود الإرفاق سواء للراهن أو للمرتهن.

الرهن: مأخوذ من الراء والهاء والنون، رَهَنَ، وكلمة (رهن) أو مادة (رهن) في لغة العرب تدور حول معان متقاربة، مثل معنى الثبوت، شيء راهن يعني: ثابت أو باق أو لازم، ومنه يقال: في الوقت الراهن يحصل كذا وكذا، أو أسألك: هل عندك شيء معين؟ فتقول: والله في الوقت الراهن لا يوجد. يعني: في الوقت الحاضر أو اللازم أو الموجود الآن.

ومنه أيضاً: أن يكون الشيء ثابتاً لا يتغير، ولهذا يسمى الحبس رهناً، وهذا تجده في القرآن الكريم, كما في قوله عز وجل: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21] أي: مرهون، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] يعني: محبوسة أو مأسورة أو مأخوذة.

ومنه أيضاً: أن عصابة معينة تأخذ شخصاً وتراهن عليه، فهو يسمى رهينة عندهم، أي: مرهون أو محبوس؛ لأنه يبقى عندهم لفترة طويلة.

وكذلك في الحديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كل غلام رهن بعقيقته )، يعني: مرهون بها، وإن كان في الحديث مقال.

فالمقصود: أنه مرهون بعقيقته أو بالتميمة حتى يعق ويذبح عنه، ومن هذا المعنى قول المتنبي لما أشيع أنه قد مات يقول:

كم قد قتلت وكم قد مت عندكمُ ثم انتفضت وزال القبر والكفنُ

المهم في آخر البيت يقول:

كلٌ بما زعم الناعون مرتهن

يعني: أشاعوا أنه مات، فهو يقول: الناس كلهم رهن للموت، فهذه معاني الرهن أنها تدور حول البقاء واللزوم والثبوت ونحو ذلك.

والناس عندنا يستخدمون أحياناً الرهن بمعنى آخر، فأذكر لما كنا صبياناً كان الصغار يتكلمون عن الرهن أو المراهنة، ويقصدون بها نوعاً من المنافسة أو السباق على شيء، إما على جري أو على أمر من الأمور، والذي يفوز يحصل على الجعل، فيكون فيها نوع من المخاطرة، ولذلك إذا أراد أحدهم أن يقول للآخر شيئاً، يعني: فلان نجح قال الثاني: لا، ما نجح. فيقول الأول: تراهن؟ يعني: أنه قد نجح فعلاً.

فهذا المعنى الذي هو الرهن بهذا المصطلح ليس له علاقة بالموضوع الذي نتحدث عنه، هو مادة أخرى، وإنما المقصود بالرهن عندنا المعنى الأول الذي هو الشيء الثابت اللازم الباقي المحبوس.

الرهن عند الفقهاء والعلماء يقصد به كما يقول الحنابلة على سبيل المثال: توثقة الدين بالعين بما يمكن استيفاؤه منها.

وهذا المعنى واضح، يعني: لو أنك أتيت لي لتشتري مني سيارتي وأنا لا أعرفك، وأنت لا مال عندك، فتقول: أسدد لك على أقساط شهرية أو سنوية، فأقول: لا بأس، لكن أريد أن ترهنني شيئاً، فتقول: عندي أرض منحة لنفترض أنها في منطقة الضاحي، أو في أي مكان آخر بأربعين ألف ريال ترهنها مقابل تسديد قيمة السيارة، يعني: تأخذ صك الأرض مثلاً أو يكون لك الإمكانية أنه في حالة عدم دفعي لهذه المبالغ المستحقة علي فإنك تأخذ الأرض مقابل هذا المال، فهذا هو معنى الرهن؛ توثقة الدين الذي عليك بالعين -في المثال السابق- العين هي الأرض، بحيث يمكن استيفاء الدين من الأرض، يعني: لو لم تف أنت بالدين تباع عليك الأرض ويستوفى منها الحق، أو نقول: حبس العين بالدين، وكلها معان متقاربة.

الرهن عقد، وهو من عقود التوثيق، بمعنى: أن الإنسان يريد أن يتوثق لحقه وماله ويطمئن عليه لئلا يضيع أو ينكر أو ما أشبه ذلك، فهو من عقود التوثيق.

وهو أيضاً يصح أن يكون من عقود الإرفاق سواء للراهن أو للمرتهن.

الرهن جائز بالكتاب والسنة والإجماع.

أما في القرآن الكريم فإن الله سبحانه وتعالى يقول: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فبين الله سبحانه وتعالى أنه يمكن إذا صار هناك بيع ودين بين اثنين؛ أن يأخذ أحدهما من الآخر رهناً مقابل الدين حتى يطمئن، وأن يقبض هذا الرهن، وسماه الله تعالى رهاناً، والرهان هنا جمع، ولذلك قال: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، ما قال: فرهن مقبوض، فهذا دليل من القرآن الكريم على الرهن، ولذلك أخذ العلماء من هذه الآية الإجماع على جواز الرهن في السفر؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر السفر: وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا [البقرة:283].

وهل يجوز الرهن في الحضر؟ يعني: هل هو مخصوص بالسفر؟ لا. يجوز الرهن في الحضر أيضاً، وإنما ذكر الله تعالى السفر في الآية لماذا؟ لأن الناس في السفر غالباً لا يكون عندهم استعداد، أما في الحضر تذهب إلى مكتب أو بقالة أو سوق فتجد عنده أجهزة وعنده ورق وقلم وكتابة وضبط، لكن الناس غالباً في السفر لا تكون عندهم هذه الأشياء فيحتاجون إلى الرهن، وقد لا يتوفر عندهم الكاتب أيضاً، فيكون الرهن حلاً عملياً سريعاً وسهلاً لتوثيق الدين، ولهذا ذكره الله سبحانه وتعالى لحكم الغالب؛ لأن هذا هو الغالب، وإلا فالرهن يجوز في الحضر ويجوز في السفر، ويجوز مع وجود الكاتب ويجوز مع عدم الكاتب أيضاً، وقد خالف في ذلك مجاهد وبعض الظاهرية كـداود الظاهري، فرأوا أنه لا يجوز الرهن إلا في السفر اعتماداً على ظاهر النص، وهذا القول ضعيف بل ترده النصوص الأخرى.

إذاً: الدليل الأول على جواز الرهن هو القرآن الكريم.

الدليل الثاني: السنة النبوية، والأحاديث في هذا كثيرة جداً، على سبيل المثال ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي.

إذاً نقول: من الأدلة على جواز الرهن ما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على شعير أو طعام اشتراه لأهله )، إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر أو في حضر؟ كان في حضر، والكاتب موجود أيضاً في المدينة المنورة، واليهود أهل كتاب وكتابة، ولذلك كان الشاعر يقول:

كما خُط الكتاب بكف يوماً يهوديٍ يقارب أو يزيلُ

ومع ذلك أجرى النبي صلى الله عليه وسلم الرهن فدل على جوازه.

وهكذا أيضاً جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً ).

وعلى كل حال الإجماع كما ذكرنا قائم على جواز الرهن جملة، ولكن الرهن ليس بواجب، يعني: هو جائز، فبإمكان الإنسان مثلاً أن يجري عقد بيع دون رهن، بل وبإمكانه أن يجري عقد بيع دون كتابة، مع أن الله تعالى يقول: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] فهذا يدل على الاستحباب، وهو مذهب الجمهور والأئمة الأربعة، إنما لو لم يكتب الإنسان فليس عليه في ذلك شيء؛ لأن المقصود حفظ ماله، فإذا كان هناك ثقة موجودة أو متبادلة أو ما أشبه ذلك، فليس على الإنسان في ذلك حرج.

الحقيقة أن هذا الرهن -بحكم علاقة الناس- فيه فوائد عظيمة وكبيرة جداً:

الفائدة الأولى: حفظ حقوق الناس في كل الظروف، ربما نحن الآن في عصر الكمبيوتر والكتابة والاتصال والضبط قد لا نتصور تنوع حاجات الناس، تخيل حاجة الناس في أمصار أخرى ومناطق أو في أزمنة أخرى لم يكن عندهم هذا الإمكان، فكان الرهن هو أكثر الطرق تيسراً لحفظ الحقوق وضبط الأموال. هذا أولاً.

من فوائده ثانياً: تسهيل التعامل بين الناس؛ قد تأتيني أنت تطلب مني قرضاً -لا نريد أن نقول ديناً بزيادة- قرضاً حسناً إلى أجل، في هذه الحالة ربما أعطيك القرض؛ لكن ما الذي يضمن لي حقي، قد يضيع علي إما بإفلاسك أو بمماطلة أو بتغير أحوالك أو بأي شيء آخر، فلابد أن يكون هناك شيء يشجعني على إقراضك أو على التعامل معك، حتى لو لم يكن قرض .. بيع، لكن أنت محتاج للبيع؛ تريد أن تضارب، تريد أن تبني نفسك مادياً واقتصادياً؛ ففي هذه الحالة عندما يكون هناك الرهن -أرهنك سيارة أو أرهنك أرضاً أو أرهنك عقاراً أو ما أشبه ذلك- فهذا يشجع ويسهل المعاملة بين الناس.

يقول المصنف رحمه الله: [ باب: الرهن ]، ثم قال: [ كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا ]، فهنا المصنف حدد الأشياء التي يجوز أن يقع عليها الرهن، ووضع ضابطاً لما يرهن، يعني: ضابط العين التي ترهن أو يمكن أن ترهن، وهو أن تكون مما يجوز بيعه.

نضرب لذلك بعض الأمثلة: هل يمكن لواحد أن يرهنك نفسه، يقول: أنا أرهن نفسي؟ لا. تقول: ماذا أصنع بك، لا يباع هذا الإنسان.

كذلك أم الولد كما يقولون، لما كان الناس عندهم عبيد أرقاء، إذا ولدت الجارية من سيدها أصبحت أم ولد لا تباع، فهي أيضاً لا ترهن، لا يجوز رهنها.

وكذلك الأشياء المحرمة: هل يجوز أن يرهنك خنزيراً -مثلاً- أو خمراً أو غيره من الأعيان المحرمة أو النجسة التي لا يجوز تعاطيها وبيعها؟

لا يجوز رهنها، لماذا؟ لأنها لا تباع ولا يستفاد منها.

إذاً: لابد أن تكون العين المرهونة مما يجوز بيعه؛ لأن المقصود من الرهن أصلاً هو استيفاء الثمن في حالة عدم السداد، في حالة أن تماطل -مثلاً- أو لا تسدد أبيع الرهن وأستوفي حقي، فإذا لم تكن قابلة للبيع فلا فائدة حينئذ من الرهن.

وهذا يقودنا إلى التعرف أكثر وأكثر على شروط العين المرهونة، أي: الشيء الذي سوف ترهنه لي: ترهن أرضاً أو سيارة.. أو أي شيء آخر مقابل ديني الذي في ذمتك، لابد أن يتوفر فيه شروط.

طبعاً المصنف ذكر ضابطاً معيناً، وهو أن يكون مما يجوز بيعه، وهذا ضابط جيد، لكن نحن نعطي بعض التفصيل.

الشرط الأول: أن يكون الرهن عيناً

فنقول: الشرط الأول: أن يكون عيناً، فلا يجوز رهن الدين، هذا عند جمهور العلماء أنه لا يجوز رهن الدين، يعني: لو كان عليك دين وطلبت مني شيئاً, عند الجمهور لا يجوز أن تقول: الدين الذي في ذمتك هو رهن، والذي نختاره ما ذهب إليه المالكية وغيرهم من أنه يجوز رهن الدين في هذه الحالة إذا كان يمكن بيعه، مثلما إذا كان لمن عليه الرهن، فتقول مثلاً: خذ هذه السلعة, ولكن إذا تأخرت بالسداد فسوف أستوفي من الدين الذي في ذمتي لك، فيكون الدين في هذه الحالة رهناً.

كذلك إذا قلنا: إنه لابد أن يكون الرهن عيناً، فهنا لا يجوز رهن المنفعة، مثل رهن الإجارة مثلاً أو غيرها؛ لأنه لا يمكن بيعها أو تحصيلها، والأصل في هذا قول الله سبحانه وتعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فإن قوله: مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] يدل على أنها شيء يقبض ويؤخذ.

إذاً: الأشياء التي لا يمكن قبضها أيضاً، أو الغير مقدور على تسليمها لا تصلح رهناً، فلا يمكن أن أرهنك مثلاً سيارتي المسروقة، أو أرهنك سمكاً في البحر أو طيراً في الهواء، أو مالاً قد تلف وضاع ولا أدري أين هو، هذه الأشياء كلها غير مقدور على تسليمها ولا على قبضها ولا على بيعها ولهذا لا يجوز رهنها.

الشرط الثاني: أن يكون الرهن قابلاً للبيع

الشرط الثاني في المادة التي ترهن أو العين التي ترهن: أن تكون قابلة للبيع -كما ذكرنا- بذاتها شرعاً.

يعني: فلا يرهن الحر مثلاً ولا أم الولد، ولا ترهن الأشياء المحرمة كالخمر والخنزير، ولا الأشياء النجسة التي لا يستفاد منها كالميتة مثلاً، ولا يرهن المعدوم، أرهنك مثلاً الحمل الذي سيوجد في بطن ناقتي، هذا شيء غير موجود، وبالتالي لا يمكن بيعه ولا رهنه.

الشرط الثالث: أن يكون الرهن معلوماً

الشرط الثالث: أن تكون معلومة.

فلا يجوز رهن المجهول، مثلاً: لما طلبت مني الرهن, قلت لك: أُرهنك أو أَرهنك ما في هذا الكيس وأنت لا تدري، قد يكون في هذا الكيس يواقيت، ذهب، فضة، دنانير، قد يكون فيه تراب، أو مثلاً: ما في هذه الغرفة وأنت لا تعرف ما في وسطها، فهذا غرر كبير يترتب عليه خصومات ومشاكل، فلا يقع الرهن إلا على أشياء معلومة.

طيب هنا سؤال ونحن نتكلم عن الأشياء المعلومة: هل يجوز رهن المشاع؟ مثلاً هذه القطعة من الأرض لي فيها مبلغ معين من الأمتار غير محدد -وغير المحدد لا يمكن قبضه- فهل يجوز رهنها أو لا يجوز؟ لا يجوز؛ لأنه لا يمكن قبضها، هذا القول الأول، والقول الثاني يجوز في هذه الحالة رهنها؛ لأنها مقدور على تحديدها وعلى ضبطها وعلى إزالة الشيوع فيها، كونها مشاعة وتحديدها وبيعها .. إلى غير ذلك من الأشياء.

فالفقهاء مختلفون في رهن المشاع، والذي نختاره أنه يجوز رهن المشاع كغيره.

الشرط الرابع: أن يكون الرهن مقدوراً على تسليمه

الشرط الرابع: أن يكون مقدوراً على تسليم المرهون.

مثلما ذكرنا: العبد الآبق -مثلاً- أو الطير في الهواء أو السمك أو المال الضائع لا يجوز رهنه؛ لأنه غير مقدور عليه.

إذاً قول المصنف رحمه الله: (أن ما جاز بيعه جاز رهنه وما لا فلا)، يعني: ما لا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه.

فنقول: الشرط الأول: أن يكون عيناً، فلا يجوز رهن الدين، هذا عند جمهور العلماء أنه لا يجوز رهن الدين، يعني: لو كان عليك دين وطلبت مني شيئاً, عند الجمهور لا يجوز أن تقول: الدين الذي في ذمتك هو رهن، والذي نختاره ما ذهب إليه المالكية وغيرهم من أنه يجوز رهن الدين في هذه الحالة إذا كان يمكن بيعه، مثلما إذا كان لمن عليه الرهن، فتقول مثلاً: خذ هذه السلعة, ولكن إذا تأخرت بالسداد فسوف أستوفي من الدين الذي في ذمتي لك، فيكون الدين في هذه الحالة رهناً.

كذلك إذا قلنا: إنه لابد أن يكون الرهن عيناً، فهنا لا يجوز رهن المنفعة، مثل رهن الإجارة مثلاً أو غيرها؛ لأنه لا يمكن بيعها أو تحصيلها، والأصل في هذا قول الله سبحانه وتعالى: فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283]، فإن قوله: مَقْبُوضَةٌ [البقرة:283] يدل على أنها شيء يقبض ويؤخذ.

إذاً: الأشياء التي لا يمكن قبضها أيضاً، أو الغير مقدور على تسليمها لا تصلح رهناً، فلا يمكن أن أرهنك مثلاً سيارتي المسروقة، أو أرهنك سمكاً في البحر أو طيراً في الهواء، أو مالاً قد تلف وضاع ولا أدري أين هو، هذه الأشياء كلها غير مقدور على تسليمها ولا على قبضها ولا على بيعها ولهذا لا يجوز رهنها.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب الفدية 3966 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – باب الخيار -2 3917 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - زكاة السائمة 3844 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الزكاة - باب زكاة العروض 3836 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الطهارة - باب المسح على الخفين 3659 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب محظورات الإحرام -1 3616 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب صلاة المريض 3605 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب البيوع – مراجعة ومسائل متفرقة في كتاب البيوع 3540 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الحج والعمرة - باب صفة الحج 3502 استماع
شرح العمدة (الأمالي) - كتاب الصلاة - باب أركان الصلاة وواجباتها 3419 استماع