شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [11]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الشروط في البيع: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق, في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم, وولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها, فقالت: لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد! فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق )].

الشرح:

قال المؤلف فيما نقله في كتابه: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي) تقدم تعريف الكتابة.

(على تسع أواق) تقدم أيضاً ذلك.

(في كل عام أوقية فأعينيني، فقالت: إن أحب أهلك، يعني أسيادك، الذين أنت ملك لهم، وكاتبوك وكاتبتيهم. (أن أعدها لهم) يعني: أن أدفع دين الكتابة.

(وولاؤك لي) الولاء هو المنافع المترتبة على إعتاق الرقيق، فإذا حصل إعتاق للرقيق فإنه يترتب على هذا الإعتاق شيء من المنافع من التوارث والتقارب والتناصر، وقد جاء في الحديث: ( الولاء لحمة كلحمة النسب )، فالمنافع المترتبة على العتق تكون للمعتق، ولا يجوز لأحد أن يشترطه، وهذا ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الولاء لحمة كلحمة النسب )، وقد سبق أن عددنا ما يتعلق بهذه المسائل المترتبة على العتق.

قال: ( فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت: لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا، إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق ) وهنا كيف النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اشترطي لهم الولاء مع أن هذا الشرط باطل؟ كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم يقر الباطل؟

والجواب عن هذا: أنه ليس من إقرار الباطل، وإنما هو من إنكار الباطل، ومن المبالغة في الإنكار، يعني: أن هذا شرط فاسد، ويدل على فساده ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم.

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اشترطي لهم الولاء )، هذا مبالغة في الإنكار والزجر، يعني: كونه يشترط لهم ثم بعد ذلك يرد عليهم هذا الشرط المقصود من ذلك هو المبالغة في الإنكار والزجر.

( فإنما الولاء لمن أعتق )، ففعلت عائشة، ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ( أما بعد: فما بال رجال )، يعني: ما حال رجال ( يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط )، يعني: ليست في شرع الله ولا في حكمه المنزل ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق )، يعني: ما قضاه الله عز وجل في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحق، (أحق) بمعنى هو الحق، أحق من غيره.

فأفعل التفضيل هنا من باب أن الجانب الآخر ليس فيه شيء، وليس المعنى أن الله سبحانه وتعالى إذا قضى قضاءً وقضى العبد قضاءً أن كلاً فيهما حق لكن قضاء الله أحق، لا، نقول: قضاء الله عز وجل هو الحق مطلقاً، فقوله: (أحق) يعني: هو الحق مطلقاً، وأما قضاء العبد في مقابلة قضاء الله سبحانه وتعالى فهذا باطل مردود.

فقوله: ( وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق )، هذه من صيغة أفضل أو ما جاء في معنى التفضيل التي ليست على بابهم، يعني: الجانب الآخر ليس فيه شيء، فالحق هو قضاء الله عز وجل.

وقوله: ( شرط الله أوثق )، الكلام في هذا يقال في قوله: (أحق)، أن هذا من باب التفضيل الذي ليس على بابه، فشرط العبد بمقابلة ما شرطه الله عز وجل هذا مردود، والذي يكون أحق ويكون أوثق هو شرط الله سبحانه وتعالى.

(وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)، فالذي يكون أحق هو شرط الله، ويكون أوثق، يعني: يتوثق به هو شرط الله عز وجل.

من فوائد الحديث

هذا الحديث اشتمل على فوائد، منها:

مشروعية الكتابة، والكتابة نوع من التحرير من الرق، والكتابة هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله: هل إذا طلب الرقيق من سيده أن يكاتبه هل يجب على السيد أن يكاتب أو لا يجب عليه أن يكاتبه؟

فهذا موضع خلاف، فبعض العلماء قال: يجب على السيد أن يكاتبه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]، فأمر الله عز وجل بمكاتبته إذا علم في كتابته خيراً.

والرأي الثاني: أن هذا ليس واجباً.

وفيه من الفوائد: أن الكتابة تكون مؤجلة على أقساط، وسبق أن ذكرنا أن العلماء يقولون: بنجمين فأكثر.

وفيه أيضاً: تعجيل دين الكتابة.

وفيه أيضاً: أن الولاء لمن أعتق.

وفيه أيضاً: أنه يجوز بيع المكاتب، لأن المكاتب كما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه رقيق ما بقي عليه درهم، والسيد يجوز له أن يبيع مكاتبه الذي كاتبه، ويبقى على كتابته عند من اشتراه.

وفيه أيضاً: طلب العون من المخلوق إذا كان يقدر عليه؛ لأن بريرة رضي الله تعالى عنها أتت عائشة رضي الله تعالى عنها وسألتها الإعانة.

أقسام الشروط الصحيحة

وفي حديث بريرة أيضاً: أن من الشروط في العقد ما يكون صحيحاً، ومنها ما يكون باطلاً، والعلماء رحمه الله يقسمون الشروط إلى قسمين:

القسم الأول: شروط صحيحة، والقسم الثاني: شروط فاسدة.

والشروط الصحيحة يقسمونها إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: شرط من مقتضيات العقد، مثل: حلول الثمن، فكون الثمن حالاً هذا شرط يقتضيه العقد، ولو لم يشترط البائع فإن الأصل أن الثمن يكون حالاً، ومثل: تسليم السلعة للمشتري ونحو ذلك.

القسم الثاني: شرط صفة، فاشتراط صفة في المبيع جائز باتفاق الأئمة، فلو أنه اشترى السيارة واشترط في السيارة أن تكون صفتها كذا، ولونها كذا، وسرعتها كذا ونحو ذلك، فهذه الشروط صحيحة، ولو اشترط مائة شرط باتفاق الأئمة.

القسم الثالث: شرط مصلحة تعود إلى العقد، أو إلى أحد العاقدين، هذا الشرط أيضاً صحيح باتفاق الأئمة، كأن يشترط ضميناً أو كفيلاً أو رهناً، أو يشترط المشتري أن يكون الثمن مؤجلاً أو البائع يشترط تأخر تسليم السلعة ونحو ذلك، فهذا الشرط صحيح باتفاق الأئمة.

الرابع: والذي وقع فيه الخلاف بين الأئمة ما يتعلق باشتراط منفعة: منفعة في المبيع أو في البائع إلى آخره، وهذا سيأتينا إن شاء الله في حديث جابر رضي الله تعالى عنه.

هذا الحديث اشتمل على فوائد، منها:

مشروعية الكتابة، والكتابة نوع من التحرير من الرق، والكتابة هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله: هل إذا طلب الرقيق من سيده أن يكاتبه هل يجب على السيد أن يكاتب أو لا يجب عليه أن يكاتبه؟

فهذا موضع خلاف، فبعض العلماء قال: يجب على السيد أن يكاتبه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33]، فأمر الله عز وجل بمكاتبته إذا علم في كتابته خيراً.

والرأي الثاني: أن هذا ليس واجباً.

وفيه من الفوائد: أن الكتابة تكون مؤجلة على أقساط، وسبق أن ذكرنا أن العلماء يقولون: بنجمين فأكثر.

وفيه أيضاً: تعجيل دين الكتابة.

وفيه أيضاً: أن الولاء لمن أعتق.

وفيه أيضاً: أنه يجوز بيع المكاتب، لأن المكاتب كما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه رقيق ما بقي عليه درهم، والسيد يجوز له أن يبيع مكاتبه الذي كاتبه، ويبقى على كتابته عند من اشتراه.

وفيه أيضاً: طلب العون من المخلوق إذا كان يقدر عليه؛ لأن بريرة رضي الله تعالى عنها أتت عائشة رضي الله تعالى عنها وسألتها الإعانة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [27] 2822 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [22] 2544 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [17] 2539 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [1] 2439 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الصيد [1] 2351 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [3] 2232 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [28] 2205 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب الحدود [2] 2174 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب اللعان [3] 2144 استماع
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيع [23] 2138 استماع