تفسير سورة الواقعة [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

فقد تقدم معنا في هذه السورة المباركة حديث عن بعض نعيم أهل الجنة، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم! قال الله عز وجل: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:80-12].

وصف الله عز وجل أهل الجنة بأنهم أصحاب الميمنة، وسيأتي ذكرهم بأنهم أصحاب اليمين، فهم أصحاب الميمنة وأصحاب اليمين، قال أهل العلم: وسموا بذلك لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم؛ ولأنهم يذهب بهم ذات اليمين؛ ولأنهم يكونون عن يمين عرش الرحمن جل جلاله؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآهم ليلة المعراج عن يمين نبيهم آدم عليه السلام، فقد ثبت في قصة المعراج: ( بأن النبي عليه الصلاة والسلام لقي آدم عليه السلام في السماء الأولى، وعن يمينه نسم، أي: أرواح، وعن شماله نسم، فإذا نظر عن يمينه سر وضحك، وإذا نظر عن شماله عبس وبكى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال له: هذا أبوك آدم وعن يمينه أرواح المؤمنين أهل الجنة، وعن شماله أرواح الفجار أهل النار )، وقيل: سموا أصحاب اليمين: من اليمن، وهو: البركة؛ لأنهم ميامين، فهم أهل يمن، أي: أهل بركة على أنفسهم وعلى الناس.

إذاً: سمي أصحاب اليمين أصحاب اليمين، أو أصحاب الميمنة؛ لأنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم؛ ولأنهم يذهب بهم ذات اليمين إلى الجنة؛ ولأنهم يكونون عن يمين عرش الرحمن جل جلاله؛ ولأنهم كانوا عن يمين آدم عليه السلام حين رآهم نبينا صلى الله عليه وسلم؛ ولأنهم ميامين.

سمي أهل النار بأصحاب الشمال، أو أصحاب المشأمة؛ لأنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم ويذهب بهم ذات الشمال، إلى النار؛ ولأنهم يكونون عن شمال العرش؛ ولأنهم كانوا عن شمال آدم عليه السلام؛ ولأنهم مشائيم: من الشؤم، والعياذ بالله، كانوا شؤماً على أنفسهم، وكانوا شؤماً على الناس، بل كانوا شؤماً على الخلق جميعاً، لا على الناس وحدهم، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العبد الفاجر إذا مات استراحت منه البلاد والعباد والشجر والدواب، حتى الشجر والدواب تتضرر من وجود هذا المحروم المشؤوم، فهم أصحاب مشأمة باعتبار أنهم مشائيم، ومنه قول القائل:

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها

مشائيم: جمع مشئوم، فسمي أصحاب الشمال بأصحاب المشأمة؛ لأنهم كانوا أهل شؤم في الدنيا وهم أهل شؤم في الآخرة، والعياذ بالله.

بعض السابقين يوم القيامة

قال الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، أي: السابقون إلى الخيرات في الدنيا سابقون إلى الجنات في الآخرة، ومن هؤلاء السابقين سابق أمة موسى، وهو: مؤمن آل فرعون رضي الله عنه، الذي قام في قومه ناصحاً، وأمرهم بأن يتبعوا نبي الله موسى عليه السلام، وختم موعظته بقوله: وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:41-44].

ومن السابقين كذلك سابق أمة عيسى، وهو: حبيب النجار الذي كان في أنطاكيا، وقد مضى خبره في سورة البروج.

ومن السابقين في هذه الأمة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي سبق إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذل ماله في نصرة دين الله عز وجل، وكذلك من بعده من المهاجرين والأنصار، كما قال ربنا الرحمن: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].

قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ [الواقعة:10-14]، ثلة أي: جماعة من الأولين وقليل من الآخرين، ودل ذلك على أن أول كل أمة أفضل من آخرها، ومصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ).

سرر أهل الجنة وتقابلهم عليها

قال الله عز وجل: عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ [الواقعة:15]، أي: مرمولة منسوجة بالذهب، مشبكة بالدر والياقوت، كما قال علي ، و ابن عباس رضي الله عن الجميع، مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ [الواقعة:16]، (متكئين) في موضع نصب على الحال، أي: هم جالسون جلوس راحة واطمئنان واستقرار، يقابل بعضهم بعضاً بوجهه دلالة على كمال أدبهم وحسن خلقهم - نسأل الله أن يجعلنا منهم -، فإن من تمام الأدب وحسن الخلق أن يقبل الإنسان على محدثه بوجهه، كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا حدثه إنسان يقبل عليه بوجهه عليه الصلاة والسلام، أما إذا ساء الأدب وفسد الخلق فإن الإنسان يعرض بوجهه عن محدثه ذات اليمين وذات الشمال.

طواف الولدان على أهل الجنة

قال الله عز وجل: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [الواقعة:17]، أي: غلمان حدثاء الأسنان، مخلدون: لا يطرأ عليهم سقم ولا هرم ولا فناء، بل هم مخلدون في الجنة، بِأَكْوَابٍ[الواقعة:18]، وهي: الآنية التي لا عرى لها، وَأَبَارِيقَ[الواقعة:18]، جمع إبريق، وهي: الآنية التي لها عروة، وسمي الإبريق إبريقاً لصفاء لونه؛ يبرق كالفضة، من البريق، بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ[الواقعة:18]، هذه الأكواب والأباريق فيها من شراب الجنة، فيها من الماء، وفيها من اللبن، وفيها من العسل.

خمر أهل الجنة

قال الله عز وجل: وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة:18]، أي: من خمر، يطاف عليهم بكئوس الخمر، وهذه الخمر ليس فيها شيء من خمر الدنيا؛ ولذلك قال الله عز وجل: لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ [الواقعة:19]، (لا يُصَدَّعُونَ) أي: لا تسبب صداع رءوسهم، (وَلا يُنزِفُونَ) أي: لا تستنزف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم، وإنما يشربونها وهم عقلاء نبلاء، وهم في طمأنينتهم وسكينتهم ووقارهم، لا يصيبهم شيء مما كان يصيب أهل خمر الدنيا من صداع الرأس أو مغص البطن أو نتن الريح أو قبح الفعل، فهذا كله لا يصيبهم.

فاكهة أهل الجنة ولحمهم

قال الله عز وجل: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:20]، أي: من كل نوع من أنواع الفاكهة يتخيرون، من الشيء الذي يحبونه ويشتهونه، سواء كان نخلاً أو تمراً أو رماناً أو غير ذلك.

ثم قال: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21]، أي: من كل أنواع الطيور التي يشتهونها على الصفة التي يريدونها مشوية كانت أو مطبوخة أو غير ذلك.

الحور العين وبعض صفاتهم

قال الله عز وجل: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22]، هذه هي قراءة الجمهور: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22]، بالرفع، وقرأ حمزة و الكسائي : وحور عين، بالجر، أما على قراءة الجر: وحور عين، فمعنى ذلك: أن الحور العين معطوفة على ما سبق، قال الله عز وجل: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ[الواقعة:17-18]، بأكواب مجرورة، وَأَبَارِيقَ[الواقعة:18]، مجرورة، لكن جرت بالفتحة؛ لأنها ممنوعة من الصرف؛ لأنها على وزن مفاعيل، وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:18-22].

ولكن السؤال هنا: هل الحور العين يطاف بها؟ يعني: هل يأتي الولدان بالحور العين؟ اللهم لا، وإنما الحور العين مقصورات في الخيام، كما أخبر ربنا جل جلاله: مَقْصُورَاتٌ[الرحمن:72] أي: محبوسات: من القصر، وهو: الحبس، فهن مقصورات، وهن قاصرات، مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] أي: محبوسات، قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ[الصافات:48]، أي: حابسات عيونهن عن غير أزواجهن؛ ولذلك قالوا: قراءة الجر على الإتباع لا على العطف، كقول القائل:

ورأيت زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحاً

والرمح لا يتقلد، لكن هاهنا عطف على الإتباع، ومثله قول القائل:

إذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا

والعيون لا تزجج، وإنما المعنى: وزججن الحواجب وكحلن العيون.

وأما على قراءة الجمهور: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة:22]، فلا إشكال.

والحور العين هؤلاء قد وصفهن الله عز وجل في القرآن بأنهن مطهرات من سائر أدناس الدنيا وأرجاسها، فلا يبصقن، ولا يمتخطن، ولا يبلن، ولا يتغوطن، ولا يمنين، ولا يحضن، ولا يلدن، وأنهن قاصرات الطرف عن غير أزواجهن، وأنهن أبكار؛ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]، وشبههن الله عز وجل بالياقوت والمرجان: كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:58]، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهن واسعات العيوان شديدات بياضها شديدات سوادها، وأنهن ناعمات لا يبأسن، خالدات لا يمتن، مقيمات لا يظعن، لسن مشغولات بغير أزواجهن، مقبلات على أزواجهن متحببات لهم.

قال الله عز وجل: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22-23]، (اللؤلؤ المكنون) أي: المستور، الذي ما تعرض لتراب ولا شمس ولا شيء مما يؤثر على بهائه وحسنه وصفائه.

تابع ذكر بعض نعيم السابقين من أهل الجنة

أسباب تحصيل السابقين لما هم فيه من نعيم في الجنة

قال الله عز وجل: جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:24]، هذا النعيم كله جزاء على عملهم الصالح الذي قدموه في الدنيا، كما قال الله لهم: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ[الحاقة:24]، أي: بما قدمتم، فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، وكما قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

ومن أسباب دخول الجنة أو من أعظم الأعمال التي تؤدي إلى الجنة: المحافظة على صلاة الفجر مع صلاة العصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين دخل الجنة )، والبردان: الصبح والعصر.

ومن العمل الذي يؤدي إلى الجنة كذلك: ما ذكره ربنا في صدر سورة المؤمنون من الإيمان بالله، والخشوع في الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحفظ الفرج، وكف اللسان عن اللغو، والمحافظة على الصلاة وعدم تضييعها، قال الله عز وجل عمن يفعل هذه الأشياء: أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11].

ومن أسباب دخول الجنة كذلك: الأسباب العشرة التي ذكرها ربنا جل جلاله في سورة الأحزاب من الإسلام، والإيمان، والخشوع، والقنوت أي: الطاعة، وذكر الله عز وجل، وحفظ الفرج، والصيام، وغير ذلك من الأعمال قال سبحانه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35].

وكذلك: الأسباب العشرة المذكورة في سورة التوبة، في قول ربنا جل جلاله: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ[التوبة:112]، وقبلها الإيمان في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ[التوبة:111]، فهذه كلها أسباب تؤدي بأصحابها إلى الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

سماع أهل الجنة

هذا الجو الحسي الذي فيه طعام وشراب ونكاح واستمتاع بالمناظر الخلابة والأحوال المرضية يضاف إليه كذلك راحة نفسية، من حيث إن الإنسان في الجنة لا يسمع إلا خيراً، ولا يرى إلا خيراً لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً [الواقعة:25] باطلاً وَلا تَأْثِيماً[الواقعة:25] أي: ما يؤثم صاحبه، كما قال الله عز وجل: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً [مريم:62]، فلا يسمعون في الجنة سباً ولا شتماً ولا لعناً ولا فحشاً ولا قبحاً ولا غيبة ولا نميمة، ولا ما يثير حسداً أو عداوة أو بغضاء أو غير ذلك من المنغصات التي تسبب للإنسان الضيق والكدر.

إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:26]، يسلم بعضهم على بعض، وتسلم عليهم الملائكة ويسلم عليهم رب العالمين جل جلاله؛ نسأل الله أن يجعلنا منهم.

قال الله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10]، أي: السابقون إلى الخيرات في الدنيا سابقون إلى الجنات في الآخرة، ومن هؤلاء السابقين سابق أمة موسى، وهو: مؤمن آل فرعون رضي الله عنه، الذي قام في قومه ناصحاً، وأمرهم بأن يتبعوا نبي الله موسى عليه السلام، وختم موعظته بقوله: وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:41-44].

ومن السابقين كذلك سابق أمة عيسى، وهو: حبيب النجار الذي كان في أنطاكيا، وقد مضى خبره في سورة البروج.

ومن السابقين في هذه الأمة: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي سبق إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذل ماله في نصرة دين الله عز وجل، وكذلك من بعده من المهاجرين والأنصار، كما قال ربنا الرحمن: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].

قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ [الواقعة:10-14]، ثلة أي: جماعة من الأولين وقليل من الآخرين، ودل ذلك على أن أول كل أمة أفضل من آخرها، ومصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الثالث 2764 استماع
تفسير سورة نوح [3] 2761 استماع
تفسير سورة النور - الآية [31] الرابع 2660 استماع
تفسير سورة النور - الآية [3] الأول 2647 استماع
تفسير سورة النور - قصة الإفك [5] 2527 استماع
تفسير سورة يس [8] 2518 استماع
تفسير سورة يس [4] 2470 استماع
تفسير سورة يس [6] 2461 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [23-26] 2228 استماع
تفسير سورة النور - الآيات [27-29] الرابع 2195 استماع