أسماء الله الحسنى - الاسم العلم الله


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

إن لله سبحانه تسعة وتسعين اسماً كلها تدل على معاني الجلال والكمال، ولكن أشهرها وأكثرها وروداً في القرآن هو اسم (الله)، كما تكرر أيضاً في الأدعية والأذكار الثابتة في السنة، ولعظم هذا الاسم ظن بعضهم مشروعية الاقتصار عليه في الذكر فخالفوا الهدي النبوي.

ربنا جل جلاله تعرف إلى عباده بهذا الاسم؛ ولذلك يقول لنبيه موسى عليه السلام حين كلمه عند الطور: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي[طه:13-14].

وفي سورة القصص يقول الله عز وجل: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[القصص:30].

وفي سورة الرعد يقول تعالى: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الرعد:2] .

وقال تعالى: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ[الروم:40].

وقال جل وعلا: وَهُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى[القصص:70].

وكذلك في أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد (علم الرسول صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب إذا أوى إلى فراشه أن يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك, ووجهت وجهي إليك, وفوضت أمري إليك, وألجأت ظهري إليك, رغبة ورهبة إليك ).

ومن دعائه عليه الصلاة والسلام: ( اللهم منزل الكتاب, مجري السحاب, سريع الحساب, اهزمهم وانصرنا عليهم ).

وكلمة (اللهم) قال فيها العلماء: الميم عوض عن ياء النداء؛ ولذلك فإن العرب لا تجمع بين ياء النداء وميم الجمع, فلا نقول: يا اللهم, فهي إما أن تقول: يا الله, وإما أن تقول: اللهم, إلا على سبيل الندرة ، كما في قول القائل:

إني إذا ما حدث ألماّ أقول: يا اللهم يا اللهم

هذه الكلمة: (الله) ما معناها؟

قال أهل العلم: أصل كلمة (الله) الإله, وكلمة الإله على وزن فعال بمعنى مفعول, ككتاب بمعنى مكتوب, ولباس بمعنى ملبوس, وإمام بمعنى مؤتم به, فكلمة (الله) أصلها الإله, لكن خففت، فهي مثل كلمة (الناس), أصلها الأناس, لكن حذفت الهمزة الثانية، وكلمة (الإله) كما قال أهل العلم: مشتقة من الوله, وهو التحير؛ لأن البشر يتحيرون في كونه هذا الإله جل جلاله فلا يدركون ذاته, ولا يدركون كيفية صفاته سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[الشورى:11]؛ ونحن نؤمن بربنا جل جلاله, ونؤمن بأسمائه, ونؤمن بصفاته دون أن نسأل عن الكيفية, ودون أن نشبه الله عز وجل بما خلق.

وكلمة (الإلهة) معناها العبادة؛ ولذلك يقول الله عز وجل على لسان قوم فرعون: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ[الأعراف:127], وفي قراءة شاذة: (ويذرك وإلاهتك)، أي ويذرك وعبادتك.

فالله عز وجل إله بمعنى مألوه: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ[الزخرف:84], أي في السماء مألوه معبود, وفي الأرض مألوه معبود جل جلاله.

وبعض العلماء ذهبوا إلى أن هذا الاسم جامد غير مشتق. فقالوا: الألف واللام من بنية الكلمة, وليست للتعريف؛ ولذلك قالوا: الألف واللام إذا دخلت معرفة فلا يجوز النداء بها؛ لذلك لا تقول: يا البصير, أو يا الرحيم, وإنما تقول: يا بصير, يا سميع, يا رحيم, يا كريم ونحو ذلك.

أما إذا نادينا ربنا جل جلاله باسمه العلم فنقول: يا الله! قالوا: فهذا دليل على أن الألف واللام من بنية الكلمة ولم يؤتَ بها للتعريف.

من أحكام هذا الاسم العظيم أنه لا يشرع ذكر الله عز وجل بهذا الاسم مفرداً, يعني: بعض الناس إذا أراد أن يجتهد في العبادة والذكر فإنه يقول: الله! الله! الله! ويرددها مراراً, لكن نقول: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يذكر الله بالاسم المفرد, وإنما يذكره مضافاً, فمثلاً يقول عليه الصلاة والسلام: ( من قال: سبحانه الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ).

وقال صلى الله عليه وسلم: ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ).

وقال عليه الصلاة والسلام: ( أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ).

فهذه الكلمة لم يتعبد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مفردة, وإنما تعبد بها مضافة صلوات ربي وسلامه عليه.

ومن أحكام هذا الاسم أن أحب الأسماء إلى الله عز وجل: عبد الله وعبد الرحمن, فهذان الاسمان لا يطلقان إلا على الله عز وجل: قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ[الإسراء:110]؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن ), فهذا اسمان مباركان.

إن للإيمان بهذا الاسم الحسن الجليل المبارك جملة آثار، منها:

أولاً: محبة الله عز وجل، محبة تتقدم على محبة النفس والأهل والمال والولد, وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف به في النار ).

ولك أن تتأمل أيها المسلم! وستجد أن كل نعمة عندك هي من الله, كما قال سبحانه: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ[النحل:53].

تأمل! لو أن أحداً من معارفك موصوف بالكرم والحلم, والشجاعة والرأفة والرحمة والبذل وغير ذلك من الصفات التي تحمد في الإنسان, ثم بعد ذلك هو ذو نعمة وصاحب يد عليك, كيف يكون حالك معه؟ كيف تكون محبتك له وهو مخلوق قاصر ضعيف؟ فما بالك بالله جل جلاله وهو موصوف بالكمال كله, ومنزه عن النقص كله, وموصوف بالجمال كله سبحانه وتعالى, ثم بعد ذلك نعمه عليك لا تعد ولا تحصى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا[إبراهيم:34].

إن من الواجب عليك أن تحب هذا الإله, وأن تجله وأن تعظمه, وأن تشعر بالطمأنينة حين تقول: يا الله! تشعر أن بيده مفاتيح كل شيء, ومقاليد كل شيء, وأنه جل جلاله إذا رحمك فلا يستطيع أحد أن يمنع هذه الرحمة: مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:2], جل جلاله.

ثانياً: تعظيمه, وإخلاص العبادة له, تعلم بأنه جل جلاله أعظم من كل عظيم, وأكبر من كل كبير؛ ولذلك إذا دعوت فادعه, وإذا سألت فاسأله, وإذا توكلت فعليه, وإذا استعنت فبه, وإذا صرفت شيئاً من العبادة فله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لـابن عباس : ( احفظ الله يحفظك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله, ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ).

ثالثاً: الشعور بالعزة به جل جلاله، فتشعر بأنك عزيز بالله, قوي بالله, غني بالله جل جلاله, وهو حي لا يموت, وهو سبحانه لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, موصوف بالجمال والجلال والكمال, تشعر بأنك عزيز بهذا الإله القوي القادر المدبر لكل شيء, الرازق لكل حي, القاهر فوق كل شيء، جل جلاله.

رابعاً: طمأنينة القلب وسعادته, وأنسه بالله عز وجل, تجد المؤمن إذا صلى اطمأن, وإذا صام اطمأن, وإذا تصدق اطمأن, وعلى كل أحواله مطمئن بالله, حتى إن بعض الصالحين وصل إلى حال يقول فيها: لو كان أهل الجنة فيما نحن فيه إنهم لفي عيش طيب. يعني: لو وجدوا هذه اللذة وهذه الحلاوة التي نشعر بها إنهم لفي عيش طيب.

خامساً: إفراد الله عز وجل بالمحبة والولاء, وإفراده جل جلاله بالحكم والتحاكم, وهذان المعنيان جمعهما ربنا جل جلاله في سورة الأنعام حين قال: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ[الأنعام:14], وفي الآية الأخرى: أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا[الأنعام:114].

أسأل الله عز وجل أن يزيدنا إيماناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسماء الله الحسنى - الفتاح 2426 استماع
أسماء الله الحسنى - القاهر والقهار 2138 استماع
أسماء الله الحسنى - الرحمن الرحيم 2117 استماع
أسماء الله الحسنى - العزيز 2018 استماع
أسماء الله الحسنى - الحكم والحاكم والحكيم 1986 استماع
أسماء الله الحسنى - السميع 1975 استماع
أسماء الله الحسنى - اللطيف 1953 استماع
أسماء الله الحسنى - القدوس 1932 استماع
أسماء الله الحسنى - الرازق والرزاق 1741 استماع
أسماء الله الحسنى - الكبير والمتكبر 1703 استماع