شروط صحة عقد الزواج وأنواع الزواج الباطل


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الذي جعل الزواج سبيلاً للعفة والحصانة، وأمر المسلمين بتيسير طرقه وأسبابه، ووعد الراغبين فيه بالتيسير وسعة الرزق فقال سبحانه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، تنزه عن الزوجة والولد: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، القائل: (أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

أما بعد:

فنظراً لانتشار أنواع من الزواج -لم يعرفها المسلمون قبل ذلك- في زمننا هذا، أردت أن أبين حكم الشرع فيها، حيث يحتج البعض بأنهم ما عرفوا الحكم، وما هي شروط صحة عقد الزواج عند العلماء؟ حتى نسقط هذه الشروط على أنواع الزواج الباطل في زمننا اليوم: كزواج الهبة، والزواج العرفي المسمى ظلماً بالزواج، وإن كان في الحقيقة هو زنا وإن شئت فقل: الزواج السري، ونكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، والنكاح الدموي، وزواج الفرند، وزواج المسيار، وأنواع تعددت في زماننا نسمعها بين الحين والحين.

فما هو حكم هذه الأنواع؟

وما هي شروط صحة عقد الزواج؟

اشترط العلماء لصحة عقد الزواج شروطاً أربعة وسأذكرها إجمالاً ثم أقوم بشرحها شرطاً شرطاً:

الشرط الأول: إذن الولي.

الشرط الثاني: رضا المرأة.

الشرط الثالث: الشهود.

الشرط الرابع: القبول والإيجاب بصيغة التزوج، كقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك. وقول الخاطب: قبلت.

إذن الولي

الشرط الأول: إذن الولي؛ لأن الزواج باطل إذا حصل بدون إذن الولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وأبو داود والحديث صحيح: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وقول الله عز وجل مؤكداً هذا المعنى: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ [النساء:25]، فلابد للولي أن يأذن في زواج ابنته، والولي هو الأب، فإن غاب الأب انتقلت الولاية إلى العصبات: كالابن، أو الأخ، أو العم، أو الجد.. إلى غير ذلك، لكن هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها؟ أبداً ما سمعنا بهذا إلا في زمننا هذا، فتجد المرأة تزوج نفسها وتسميه زواجاً، ثم تقول: أنا ثيب، يعني: هي مطلقة أو أرملة فلها أن تزوج نفسها! فمن الذي أفتاها بهذا؟ إن زواجها هذا باطل، وسأذكر في نهاية المحاضرة قصة لمؤمنة من واقعنا المعاصر أصبحت فريسة عندما جنت على نفسها، وهانت عندما خانت كما يقول العلماء، ولنتأمل في قصة زواج موسى عليه السلام، من الذي زوج موسى؟ الأب: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص:27]، فالذي زوج موسى هو الأب، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، وحديث: (أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، وإن كان فيه مقال عند بعض العلماء، إلا أن الأدلة الأخرى توضح وتؤكد أن إذن الولي شرط من شروط صحة الزواج، وهذا هو رأي جمهور العلماء.

ونجد العجب عندما نرى بنتاً في الجامعة قد أحبت صديقها فأخرجوا ورقة من دفتر المحاضرات وكتبوا في صدرها عقد زواج عرفي: أنه في يوم كذا الموافق كذا تزوج فلان من فلانة، ثم أشهدوا على هذه الورقة شاهدي فجور وفسق، ويشترطان على الشهود بعدم إذاعة الخبر؛ حتى لا يفضح السر، ويظل يعاشرها معاشرة الأزواج في مدة الدراسة الجامعية، وأبوها قد أرسلها من المنوفية أو الدقهلية أو الشرقية إلى القاهرة العاصمة الكبرى؛ لتتعلم فإذا بها تتزوج دون علم من الأب، ثم تنقضي السنوات الأربع وهو يعاشرها معاشرة الأزواج، وبعد السنة الرابعة يمزق الورقة التي بينه وبينها ويقول لها: هذا فراق بيني وبينك، وتكون هي الضحية، ثم تنقلب الأمور إن حملت منه فتقول: كيف أعود إلى أهلي وأنا حامل؟ الأمر يسير، طبيب ليس عنده ذمة يقوم بعملية الإجهاض، ثم آخر لا خلق له يقوم بعملية رتق غشاء البكارة، ورتق غشاء البكارة ما نسميه نحن: بعملية الترقيع المعروفة عند الكثير، مائتين وخمسين جنيه للطبيب الأول، ومائتين وخمسين جنيه للطبيب الثاني أو ألفاً لكل واحد منهما، وأنا أذكر أرقاماً متواضعة، وإلا فإن الآلاف ستدخل جيوبهم، فسحقاً وبعداً لمن ينشر الفاحشة!!

إن أمثال هؤلاء ييسرون لأمر الفاحشة، فتأتي بعد ذلك البنت إلى بلادها وقد حصلت على المؤهل العالي، ثم يتقدم لها من يخطبها، فيوافق أهلها على ذلك، ثم يشهر النكاح بين الناس، وهي في الحقيقة ليست بكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وكم رأيناه بأعيننا، فلنحذر منه؛ لأن هذا الكلام ينبغي أن يصل إلى كل امرأة عاقلة، وإلى كل شاب يتقي الله عز وجل، لكن قد يقول قائل: يا شيخ إن ذهبت إلى المأذون الآن فسيعقد دون أن يسأل عن الولي! سأقول لك: هذا عدم أخذ برأي جمهور العلماء، واستناداً إلى رأي الأحناف، وهو باطل؛ لأنه مخالف للنص النبوي: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

رضا المرأة

الشرط الثاني: رضا المرأة، فالإسلام قد كرمها ورفع من شأنها، ولذا فيا أيتها المرأة العاقلة لا تسمعي إلى الدعاوى الهابطة، كالدعوة إلى أن المرأة كالرجل سواء بسواء! فهل يريد هؤلاء للرجل أن يحيض، في زمن يحيض فيه بعض الرجال؟ نسأل الله العافية، ما هذا الهراء؟! فالمرأة ليست كالرجل؛ لأن ربنا يقول: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36].

وعليه، فالدليل على رضا المرأة لصحة عقد الزواج: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)، إذاً فالثيب تصرح برغبتها في الزواج من عدمه؛ لأنها قد دخلت حياة الزوجية قبل ذلك، فأصبح الحياء عندها أقل من البكر، بينما البكر تسكت، وإن طلب أبوها الإجابة منها تقول: الذي تراه يا أبت، وهذا دليل على الموافقة؛ وهذا عندما يكون عندها حياء، أما الآن فتأتي الفتاة من الجامعة فتقول لأبيها: أقدم لك زوجي! نسأل الله العافية، زوجك من أين؟! المهم أن يقر العقد والزواج.

وفي الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، قيل: يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم، قال: إذنها سكوتها)، ولذا يشبهون حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحياء المرأة البكر في خدرها، والمرأة البكر إذا سمعت كلمة تخدش الحياء يتغير وجهها، ولذلك جاء في حديث الحاكم عن أمنا عائشة قالت: لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرتي كنت أضع الخمار عن رأسي -لأن الذي في القبر هو زوجها- ولما دفن بجواره أبو بكر كنت أضع الخمار عن رأسي -لأنه أبوها- ولما دفن عمر كنت لا أضع الخمار حياء من عمر في قبره. شدة حياء يا عبد الله، (ولكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء)، أما اليوم فقد نجح الأعداء في نزع الحياء من كثير من نسائنا ومن شبابنا، سواء بالمواقع الفاسدة في الإنترنت أو بالقنوات الهابطة، حتى أنك لا تجد الآن إلا القليل القليل، وحينما تتحدث اليوم مع البنت المخطوبة فإنها تدخل معك مباشرة في التفاصيل دون مقدمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأين الحياء؟ لذلك جاء في البخاري : (مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء -كأنه يقول له: الحياء ضيعك، الحياء ضيع حقك- فقال: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، وقال عمر بن الخطاب : تضع يدها على وجهها تخاطب رجلاً أجنبياً لا يحل لها، فتخاطبه باقتضاب وبعبارة مركزة: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، أما في عصرنا فتبدأ بالتعارف، وأخذ رقم المحمول، وتسأل الفتاة: ماذا تتمنين؟ فتقول: والله الذي أريده شخصية فيها مواصفات كذا وكذا، لكن هو أمامها ويبدءان بالتعارف والتداخل. وآخر يأتي ويقول: يا أختي الفاضلة هل حضرت المحاضرة السابقة للأستاذ الدكتور فلان؟ فتقول له: نعم. فيقول: هل يمكن أن أنقل المحاضرة منك؟ فتكون ذريعة للقاءات والجلسات.

إن هذا الهراء الذي نراه قد تسبب في ضياع شبابنا، وأقسم لكم بالله أننا في كل أسبوع نسمع العجب العجاب؛ بسبب هذا الاختلاط وبسبب ضياع الحياء، فأقول للمرأة المسلمة: عرضك أمانة فلا تفرطي فيه، واحذري أن تقعي فريسة لذئب بشري بأي مدخل من مداخله، فقد جاء في الحديث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها: (دخلت عليها فتاة فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها)، أي خيرها بين فسخ العقد أو إمضائه؛ لأن العقد الآن باطل؛ إذ إنه تم بدون رضاها، (فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم: هل للنساء من الأمر شيء؟)، وفي رواية أخرى: (ولكني أردت أن تعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شيء)، يعني: ليس للأب أن يكره ابنته على الزواج، وإنما لابد أن ترضى.

ولذا فإن هذا الكلام ينتشر في أريافنا، فيزوج الأب ابنته لابن أخيه رغماً عنها، حتى لا يدخل في العائلة أحد ويبقى الميراث فيما بين العائلة، فتكره البنت على الزواج ممن لا تريد ولا ترضى، فتعيش مكرهة، وإذا عاشت المرأة مكرهة مع زوجها فإما أن تمتنع عنه، وإما أن تنظر إلى غيره، فيترتب على ذلك الفساد، ولذلك في حديث أبي داود : (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم).

الشهود

الشرط الثالث: الشهود، ويمكن أن يكونوا أكثر من اثنين، لكن لا يقل العدد عن اثنين، قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، فلابد أن يكون الشاهد عدلاً، أي: إنسان معروف بصلاته، بتقواه، بورعه، بدينه، أما أن تأتي بشاهد من الطريق العام وتعطيه مبلغاً وهو لا يعرف شيئاً إلا أن يشهد، كما في الأنكحة الباطلة، فهذا لا يجوز، ثم يُشترط ألا يشترط على الشاهدين أن يكتما خبر عقد النكاح، وهذا من أنواع الزواج التي انتشرت في زمننا اليوم، والتي أردنا أن نبين حكمها فيما بعد.

الإيجاب والقبول

الشرط الرابع: القبول والإيجاب بصيغة التزوج أو الإنكاح، كقول الولي: زوجتك، أو أنكحتك، وقول الخاطب: قبلت.

الشرط الأول: إذن الولي؛ لأن الزواج باطل إذا حصل بدون إذن الولي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وأبو داود والحديث صحيح: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، وقول الله عز وجل مؤكداً هذا المعنى: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ [النساء:25]، فلابد للولي أن يأذن في زواج ابنته، والولي هو الأب، فإن غاب الأب انتقلت الولاية إلى العصبات: كالابن، أو الأخ، أو العم، أو الجد.. إلى غير ذلك، لكن هل يجوز للمرأة أن تزوج نفسها؟ أبداً ما سمعنا بهذا إلا في زمننا هذا، فتجد المرأة تزوج نفسها وتسميه زواجاً، ثم تقول: أنا ثيب، يعني: هي مطلقة أو أرملة فلها أن تزوج نفسها! فمن الذي أفتاها بهذا؟ إن زواجها هذا باطل، وسأذكر في نهاية المحاضرة قصة لمؤمنة من واقعنا المعاصر أصبحت فريسة عندما جنت على نفسها، وهانت عندما خانت كما يقول العلماء، ولنتأمل في قصة زواج موسى عليه السلام، من الذي زوج موسى؟ الأب: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص:27]، فالذي زوج موسى هو الأب، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها بنفسها، وحديث: (أيما امرأة زوجت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، وإن كان فيه مقال عند بعض العلماء، إلا أن الأدلة الأخرى توضح وتؤكد أن إذن الولي شرط من شروط صحة الزواج، وهذا هو رأي جمهور العلماء.

ونجد العجب عندما نرى بنتاً في الجامعة قد أحبت صديقها فأخرجوا ورقة من دفتر المحاضرات وكتبوا في صدرها عقد زواج عرفي: أنه في يوم كذا الموافق كذا تزوج فلان من فلانة، ثم أشهدوا على هذه الورقة شاهدي فجور وفسق، ويشترطان على الشهود بعدم إذاعة الخبر؛ حتى لا يفضح السر، ويظل يعاشرها معاشرة الأزواج في مدة الدراسة الجامعية، وأبوها قد أرسلها من المنوفية أو الدقهلية أو الشرقية إلى القاهرة العاصمة الكبرى؛ لتتعلم فإذا بها تتزوج دون علم من الأب، ثم تنقضي السنوات الأربع وهو يعاشرها معاشرة الأزواج، وبعد السنة الرابعة يمزق الورقة التي بينه وبينها ويقول لها: هذا فراق بيني وبينك، وتكون هي الضحية، ثم تنقلب الأمور إن حملت منه فتقول: كيف أعود إلى أهلي وأنا حامل؟ الأمر يسير، طبيب ليس عنده ذمة يقوم بعملية الإجهاض، ثم آخر لا خلق له يقوم بعملية رتق غشاء البكارة، ورتق غشاء البكارة ما نسميه نحن: بعملية الترقيع المعروفة عند الكثير، مائتين وخمسين جنيه للطبيب الأول، ومائتين وخمسين جنيه للطبيب الثاني أو ألفاً لكل واحد منهما، وأنا أذكر أرقاماً متواضعة، وإلا فإن الآلاف ستدخل جيوبهم، فسحقاً وبعداً لمن ينشر الفاحشة!!

إن أمثال هؤلاء ييسرون لأمر الفاحشة، فتأتي بعد ذلك البنت إلى بلادها وقد حصلت على المؤهل العالي، ثم يتقدم لها من يخطبها، فيوافق أهلها على ذلك، ثم يشهر النكاح بين الناس، وهي في الحقيقة ليست بكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وكم رأيناه بأعيننا، فلنحذر منه؛ لأن هذا الكلام ينبغي أن يصل إلى كل امرأة عاقلة، وإلى كل شاب يتقي الله عز وجل، لكن قد يقول قائل: يا شيخ إن ذهبت إلى المأذون الآن فسيعقد دون أن يسأل عن الولي! سأقول لك: هذا عدم أخذ برأي جمهور العلماء، واستناداً إلى رأي الأحناف، وهو باطل؛ لأنه مخالف للنص النبوي: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

الشرط الثاني: رضا المرأة، فالإسلام قد كرمها ورفع من شأنها، ولذا فيا أيتها المرأة العاقلة لا تسمعي إلى الدعاوى الهابطة، كالدعوة إلى أن المرأة كالرجل سواء بسواء! فهل يريد هؤلاء للرجل أن يحيض، في زمن يحيض فيه بعض الرجال؟ نسأل الله العافية، ما هذا الهراء؟! فالمرأة ليست كالرجل؛ لأن ربنا يقول: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36].

وعليه، فالدليل على رضا المرأة لصحة عقد الزواج: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت)، إذاً فالثيب تصرح برغبتها في الزواج من عدمه؛ لأنها قد دخلت حياة الزوجية قبل ذلك، فأصبح الحياء عندها أقل من البكر، بينما البكر تسكت، وإن طلب أبوها الإجابة منها تقول: الذي تراه يا أبت، وهذا دليل على الموافقة؛ وهذا عندما يكون عندها حياء، أما الآن فتأتي الفتاة من الجامعة فتقول لأبيها: أقدم لك زوجي! نسأل الله العافية، زوجك من أين؟! المهم أن يقر العقد والزواج.

وفي الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، قيل: يا رسول الله إن البكر تستحي أن تتكلم، قال: إذنها سكوتها)، ولذا يشبهون حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم بحياء المرأة البكر في خدرها، والمرأة البكر إذا سمعت كلمة تخدش الحياء يتغير وجهها، ولذلك جاء في حديث الحاكم عن أمنا عائشة قالت: لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرتي كنت أضع الخمار عن رأسي -لأن الذي في القبر هو زوجها- ولما دفن بجواره أبو بكر كنت أضع الخمار عن رأسي -لأنه أبوها- ولما دفن عمر كنت لا أضع الخمار حياء من عمر في قبره. شدة حياء يا عبد الله، (ولكل دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء)، أما اليوم فقد نجح الأعداء في نزع الحياء من كثير من نسائنا ومن شبابنا، سواء بالمواقع الفاسدة في الإنترنت أو بالقنوات الهابطة، حتى أنك لا تجد الآن إلا القليل القليل، وحينما تتحدث اليوم مع البنت المخطوبة فإنها تدخل معك مباشرة في التفاصيل دون مقدمات، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأين الحياء؟ لذلك جاء في البخاري : (مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل يعظ أخاه في الحياء -كأنه يقول له: الحياء ضيعك، الحياء ضيع حقك- فقال: دعه فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، قال تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، وقال عمر بن الخطاب : تضع يدها على وجهها تخاطب رجلاً أجنبياً لا يحل لها، فتخاطبه باقتضاب وبعبارة مركزة: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا [القصص:25]، أما في عصرنا فتبدأ بالتعارف، وأخذ رقم المحمول، وتسأل الفتاة: ماذا تتمنين؟ فتقول: والله الذي أريده شخصية فيها مواصفات كذا وكذا، لكن هو أمامها ويبدءان بالتعارف والتداخل. وآخر يأتي ويقول: يا أختي الفاضلة هل حضرت المحاضرة السابقة للأستاذ الدكتور فلان؟ فتقول له: نعم. فيقول: هل يمكن أن أنقل المحاضرة منك؟ فتكون ذريعة للقاءات والجلسات.

إن هذا الهراء الذي نراه قد تسبب في ضياع شبابنا، وأقسم لكم بالله أننا في كل أسبوع نسمع العجب العجاب؛ بسبب هذا الاختلاط وبسبب ضياع الحياء، فأقول للمرأة المسلمة: عرضك أمانة فلا تفرطي فيه، واحذري أن تقعي فريسة لذئب بشري بأي مدخل من مداخله، فقد جاء في الحديث أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها: (دخلت عليها فتاة فقالت: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء النبي عليه الصلاة والسلام فأخبرته، فأرسل إلى أبيها فدعاه، فجعل الأمر إليها)، أي خيرها بين فسخ العقد أو إمضائه؛ لأن العقد الآن باطل؛ إذ إنه تم بدون رضاها، (فقالت: قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم: هل للنساء من الأمر شيء؟)، وفي رواية أخرى: (ولكني أردت أن تعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمور بناتهم شيء)، يعني: ليس للأب أن يكره ابنته على الزواج، وإنما لابد أن ترضى.

ولذا فإن هذا الكلام ينتشر في أريافنا، فيزوج الأب ابنته لابن أخيه رغماً عنها، حتى لا يدخل في العائلة أحد ويبقى الميراث فيما بين العائلة، فتكره البنت على الزواج ممن لا تريد ولا ترضى، فتعيش مكرهة، وإذا عاشت المرأة مكرهة مع زوجها فإما أن تمتنع عنه، وإما أن تنظر إلى غيره، فيترتب على ذلك الفساد، ولذلك في حديث أبي داود : (أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم).




استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
التاريخ الأسود لليهود 2407 استماع
الوقت وحرص الصالحين عليه 2392 استماع
اللحوم المسمومة 2344 استماع
الرحلة في طلب العلم 2335 استماع
فاصبر صبراً جميلاً 2272 استماع
وثيقة حرمات لا حدود 2250 استماع
استكمال تفسير سورة الحاقة 2 2222 استماع
وقفة مع سورة الإنسان 2214 استماع
إنا بلوناهم 2091 استماع
ذرني ومن يكذب بهذا الحديث 2057 استماع