فتور داعية


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه.

وبعــد:

أيها الإخوة: الموضوع كما سمعتم هو: فتور داعية، قصة رجل كان يوماً من الأيام يدعو في الناس، ويتكلم ويخطب، وكان يذكر في المجالس، ما كان يوماً من الأيام يدعو أهله وزوجته وأمه وأبناءه، بل كان في بداية التزامه لا يمر في الشارع أو في السوق ويرى منكراً إلا وتكلم وينصح ويذكر.

كان لا يرضى أن يجلس مجلساً وفيه منكر، بل يتمعر وجهه إلا إذا تكلم.

كان يوماً من الأيام يوزع الأشرطة على الناس التي فيها الخير والذكر، ويوزع الأوراق، وينصح، ويطرق الأبواب، ويدعو الناس إلى الصلاة، لسان حاله كان يقول: يا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر:41].

قصة هذا الرجل الذي بدأ يفتر ويضعف، بدأ لا يشعر بالمسئولية، بدأ لا يهتم، تذكره الساعة والساعتين، وكأن هموم الأمة وهموم الدعوة لا تعنيه، بل كأنك لا تكلم إنساناً يشعر أو فيه قلب، يقول الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

إن سألته عن هدفه في هذه الحياة تجده لا يدري لماذا يعيش ولا يعرف.

يجلس المجالس بالساعات الطوال، لا هم له إلا أن يشرب الشاي والقهوة، ويأكل الطعام، ويتحدث عن فلان وفلان، لا يبالي بأحوال الأمة، ولا بهموم الدعوة.

عباد بن بشر نموذج من أهل الهمم

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وعمار بن ياسر، حارسين للمسلمين، فجاء الليل فقال عباد لـعمار: تنام أول الليل أو آخره؟ قال عمار: بل أنام أول الليل، فنام عمار بن ياسر، وقام عباد بن بشر يحرس ثغراً من ثغور المسلمين، فقام يصلي، لم يقرأ الجريدة، أو يتحدث ويتسامر مع نفسه، أو ينظم الأشعار وغيرها، بل لا أحلى ولا أجمل عنده من أن يقوم الليل، فقام يصلي، فنظر إليه أحد المشركين في الليل فرماه بسهم فوقع فيه، فنزع السهم وأكمل صلاته، والدم ينزف منه، ثم رماه الثانية، فوقع فيه ونزعه وأكمل صلاته، ثم رماه الثالثة فانتبه عمار فقال: لِمَ لم توقظني من أول رمية؟! فقال له عباد بن بشر: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها، وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لما قطعت السورة حتى تنقطع روحي.

انظر كيف يشعرون بالمسئولية، بعض الناس إذا حدثته بهم الدعوة، قال: وما شأني؟ تخبره بأمور المسلمين، فيقول: ماذا أفعل؟ تقول له: تضيع أوقاتك الثمينة، يا من كنت تحفظ بعض آيات في القرآن، يا من كنت تقرأ السنة، يا من كنت تحضر الدروس، ما فعلك اليوم في أمة الإسلام؟ ما دورك؟ ما نصيبك في نصر المسلمين؟ هل أنت من الذين يتفرجون، وينتظرون الساعة تلو الأخرى، لا هم له إلا أن يقرأ الأخبار، انتصر المسلمون، أو لم ينتصروا؟

إن حدثته بمصيبة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، أما أن يقوم ويتحرك فهذا لا هم له، ولا يبالي بهذا، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة:38].

نعم. إنه يفتح محلاً تجارياً بعد أن كان داعية إلى الله، أصبح الآن مشغولاً بالتجارة، نهاره تجارة، ليله تجارة، كلامه تجارة، همه الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس) إذا سألته أن يضحي بشيء في سبيل الله قال: أبنائي وزوجتي، البيت يحتاج، أريد أن أشتري سيارة فلان، أريد أن ألبس كفلان، أريد أن أسكن كفلان.

صهيب يخرج من مكة وكان غنياً ثرياً، فلا يسمح له كفار قريش أن يهاجر إلى المدينة، فيقول لهم: ماذا تريدون؟ يقولون: لا نسمح لك أن تجمع المال منا ثم تهاجر بمالك إلى المدينة وتأخذ أموالنا، قال: ماذا تريدون؟ إذا كنتم تريدون أموالي فهي مدفونة في مكان كذا وكذا، خذوها واتركوني أهاجر إلى رسول الله، باع دنياه، وضحى واشترى نفسه في سبيل الله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111].

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وعمار بن ياسر، حارسين للمسلمين، فجاء الليل فقال عباد لـعمار: تنام أول الليل أو آخره؟ قال عمار: بل أنام أول الليل، فنام عمار بن ياسر، وقام عباد بن بشر يحرس ثغراً من ثغور المسلمين، فقام يصلي، لم يقرأ الجريدة، أو يتحدث ويتسامر مع نفسه، أو ينظم الأشعار وغيرها، بل لا أحلى ولا أجمل عنده من أن يقوم الليل، فقام يصلي، فنظر إليه أحد المشركين في الليل فرماه بسهم فوقع فيه، فنزع السهم وأكمل صلاته، والدم ينزف منه، ثم رماه الثانية، فوقع فيه ونزعه وأكمل صلاته، ثم رماه الثالثة فانتبه عمار فقال: لِمَ لم توقظني من أول رمية؟! فقال له عباد بن بشر: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها، وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لما قطعت السورة حتى تنقطع روحي.

انظر كيف يشعرون بالمسئولية، بعض الناس إذا حدثته بهم الدعوة، قال: وما شأني؟ تخبره بأمور المسلمين، فيقول: ماذا أفعل؟ تقول له: تضيع أوقاتك الثمينة، يا من كنت تحفظ بعض آيات في القرآن، يا من كنت تقرأ السنة، يا من كنت تحضر الدروس، ما فعلك اليوم في أمة الإسلام؟ ما دورك؟ ما نصيبك في نصر المسلمين؟ هل أنت من الذين يتفرجون، وينتظرون الساعة تلو الأخرى، لا هم له إلا أن يقرأ الأخبار، انتصر المسلمون، أو لم ينتصروا؟

إن حدثته بمصيبة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، أما أن يقوم ويتحرك فهذا لا هم له، ولا يبالي بهذا، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة:38].

نعم. إنه يفتح محلاً تجارياً بعد أن كان داعية إلى الله، أصبح الآن مشغولاً بالتجارة، نهاره تجارة، ليله تجارة، كلامه تجارة، همه الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس) إذا سألته أن يضحي بشيء في سبيل الله قال: أبنائي وزوجتي، البيت يحتاج، أريد أن أشتري سيارة فلان، أريد أن ألبس كفلان، أريد أن أسكن كفلان.

صهيب يخرج من مكة وكان غنياً ثرياً، فلا يسمح له كفار قريش أن يهاجر إلى المدينة، فيقول لهم: ماذا تريدون؟ يقولون: لا نسمح لك أن تجمع المال منا ثم تهاجر بمالك إلى المدينة وتأخذ أموالنا، قال: ماذا تريدون؟ إذا كنتم تريدون أموالي فهي مدفونة في مكان كذا وكذا، خذوها واتركوني أهاجر إلى رسول الله، باع دنياه، وضحى واشترى نفسه في سبيل الله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111].

صفته: إن جلست معه يحسن الكلام، يحسن الجدل، ويحسن الحديث، أما العمل فلا، أما التضحية فلا، إن جلس في مجلس فإنه يتكلم عن هموم المسلمين، ويتكلم عن أعمال الدعوة إلى الله، يحسن الحديث، أما أن يقوم هو ويعمل فلا، فهو في آخر الركب، ينتظر غيره، ويأمر سواه، أما أن يتحرك هو فلا؛ بل يجلس مجالس لا هم له إلا الجدل والكلام، قال عليه الصلاة والسلام كما في جامع الترمذي: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

انطفأت الغيرة من قلبه، كان يوماً من الأيام إذا رأى منكراً تغير وجهه وتمعر وتضايق، أما الآن فتمر المنكرات وهو يبتسم، يجلس في البيت ويفتح التلفاز، يستمع إلى الأغاني والمنكرات ولا يبالي، يزور أهله وأقرباءه، النساء مع الرجال، الحديث بينهم، لا يبالي ولا يهتم، بل لا يتأثر ولا يتمعر وجهه، تغير الوقت، تغيرت النفس، وتغيرت روحه، بدأ لا يتمعر من المنكرات، يقول الله عز وجل عن هذا الصنف يعنف عليه: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116].

نعم. الأمر شاق وصعب، لم يعد يتحمل إنكار المنكر ولا الأمر بالمعروف، ولم يعد يتحمل استهزاء الناس به، ولم يعد يتحمل تكاليف الدعوة إلى الله، لو سألته عن وقته فستجده مضيعاً لوقته، وقد كان يوماً من الأيام لا يجد دقيقة يضيعها في مباح، أو في دنيا، أما الآن فإن نهاره وليله قد ضاع، ضاع وقته في الأحاديث والمجالس، بل لعلها وصلت إلى الغيبة والنميمة، أما عن نومه فلا تسل، فلعله ينام أكثر من عشر ساعات في اليوم والليلة، نوم وسهر ومضيعة وقت، يا فلان! ألم تكن تأمرنا بالمعروف؟ ألم تكن تنهانا عن المنكر؟ ما بالك تغيرت؟! ما بالك -يا عبد الله- تجلس مجالس لا هم لك فيها إلا القيل والقال؟! وإن سألته حاجة قال: أنا مشغول، ليس عندي وقت، ليس عندي فراغ، يا من تخدع نفسك! إنك لا تخدع إلا هذه النفس التي بين جنبيك.

لو طلبت منه شيئاً فإنه غير مستعد: يا فلان! عندنا لجنة أو عمل خيري، عندنا سفر في سبيل الله، في الجهاد في سبيل الله، عندنا مشروع يخدم دين الله، فيقول: أنا غير مستعد لأن ألتزم بشيء، لا أستطيع أن أرجع إلى حياتي الأولى، لا أستطيع أن أرجع إلى التكاليف التي قد فككت نفسي منها، لا أستطيع هذا ولا ذاك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ... [الصف:14] كن نصيراً لله، هل الذي ينصر الله ينظر إلى المنكرات في الشوارع؟ المتبرجات في كل شارع، بل في كل سوق، بل في كل محل، بل في كل مكان.

الأغاني لا تستطيع أن تهرب منها؛ في المدارس والمستشفيات والمقاهي والمطاعم، بل حتى دخلت في بيتك يا من فترت عن الدعوة إلى الله، أين ستذهب بأبنائك يوماً من الأيام؟ مع من سوف يلعبون؟ أم في أي مكان سوف يدرسون؟ أم من سوف يخالطون؟ أنت المقصر، وأنت المذنب، وسوف تجني على نفسك.

يا من قصرت في الدعوة إلى الله، إن وكل إليه أمر في العمل للدعوة إلى الله ضيعه وما أتقنه، لا يؤديه على أكمل وجه، ولا يستطيع أن يستمر فيه، يبدأ في عمل ثم يتركه، يبدأ في أمر في الدعوة إلى الله، ثم لا يلبث أن يتركه ولا يستطيع أن يتحمله، لو سألتني عن الأسباب، قلت لك: لا أدري، لو سألتني عن الداء أقول لك: لا أعلم، لعلها بعض هذه الأسباب التي سوف أذكرها لك، لعلك بدأت الدعوة إلى الله، ودخل في قلبك شيء من الرياء: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].

الدنيا وفتنتها

لعلها الدنيا وفتنتها، لعل الدنيا قد دخلت قلبك: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء) لعلك قد التهيت بزوجك وأبنائك وولدك: (الولد مجبنة مبخلة، مجهلة محزنة).. إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14].

يقول أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: [كنا يوماً من الأيام نحن معشر الأنصار، قلنا بيننا وبين أنفسنا: إن أموالنا قد ضاعت -جاهدوا في سبيل الله، تركوا المزارع، تركوا الضياع، تركوا التجارة، ذهبوا يجاهدون في سبيل الله- قال: فقلنا بيننا وبين أنفسنا إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]] جاهدوا في سبيل الله، فلما التفتوا إلى الدنيا، قال الله لهم: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

أيها الأخ العزيز: لا إفراط ولا تفريط، لا أطلب منك أن تهمل أهلك وأبناءك وبيتك، وتهمل نفسك، إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، لكن إياك أن تمضي صباحك ومساءك للدنيا، ولا تفرغ ساعة واحدة لله، ما ضرك لو خرجت ساعة في اليوم والليلة، تخرج إلى الشارع، وتدعو الناس إلى الله، وتذكرهم بالله، وتقول لهم: يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] تذهب وتقول: يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:38]؟!

ما ضرك -يا عبد الله- لو أنفقت ألفاً للدنيا، وعشرة دنانير في طاعة الله وفي الدعوة إلى الله؟!

ما ضرك -يا عبد الله- لو مشيت في اليوم والليلة بالسيارة لقضاء حاجات أهلك، وتمشي عشر دقائق بسيارتك في سبيل الله؟! ألم تسمع المنافقين ماذا كانوا يتعذرون عند رسول الله؟ يدعون إلى الجهاد وهم يقولون: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا [الفتح:11] كانوا يتعذرون بالمال والأهل والولد والبيوت، ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب:13].

لا أدري ما السبب الذي أوصلك إلى هذه الحال! أتظن أن غاية الدين والدعوة أن تحضر مجلس ذكر ثم تذهب إلى بيتك فتنام؟!

أسألك عن جدولك في اليوم والليلة، فتقول: أحضر مجلساً واحداً في الذكر، أما أن أدعو إلى الله، أما أن يدعوني هذا العلم إلى العمل، أما أن يهتف هذا العلم بالعمل، فلا إلا من رحم الله.

مصاحبة ذوي الهمم الضعيفة

لا أدري ما السبب! لعلك تصحب أناساً ذوي إرادات وهمم ضعيفة، لا هم لهم إلا التجارة، إن جلست معهم سألوا عن أسعار العملة والمناخ والتجارة، وسألوا عن العمارات والتجارات والعقارات، وسألوا عن البيوت، لعلك تجلس معهم، لعلك إن جلست معهم لا يتكلمون إلا عن السفر إلى بلاد الغرب، ولا يتكلمون إلا عن الدنيا وملذاتها، لعله هذا السبب.

الذنوب والمعاصي

لا أدري ما السبب! لعل السبب هي الذنوب والمعاصي، كنت تدعو إلى الله ونسيت نفسك، أحرقت نفسك للناس، ثم ما إن لبثت إلا ووقعت في المعاصي، جلست بينك وبين نفسك في الغرف، فأغلقت الأضواء وأطفأتها، ثم جلست تنتهك المعاصي:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل      خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة      ولا أنما تخفي عليه يغيب

أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14]. يقول ابن القيم رحمه الله: ومن عقوباتها -يعني: المعاصي، واسمع إلى هذه الكلمات العظيمة، يا من كنت داعية إلى الله!- يقول: ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه، أو توقفه، وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطو خطوة إن لم ترده عن وجهته إلى الوراء. نسأل الله العافية.

الجهل بالهدف من الحياة

لعلك -يا عبد الله- لا تعرف ما هدفك من الحياة. لعلي لو سألتك: ماذا تريد من الدنيا؟ تقول: أن أتزوج، ثم أنجب الأبناء، ثم أبني لي بيتاً، وأسكنه مع زوجتي وأبنائي، ثم ماذا؟ تقول: لا أدري.

ما هدفك من الحياة؟ تقول: أن أحصل على شهادة، ثم يرتفع ذكري بين الناس.

يقول رجل -وهو ابن عم لـعمرو بن عتبة، واسمع إلى هذه القصة العظيمة- يقول: نزلنا في مرج حسن، في أرض خضراء، وإن سألتك لو نزلت في هذه الأرض، ما هدفك؟ وما همك؟ وما أمنيتك؟ يقول: فقال عمرو بن عتبة: ما أحسن هذا المرج الحسن! وما أجمله! لو نادى منادٍ: يا خيل الله! اركبي. ما أحسن أن ينادي منادي الجهاد في هذه اللحظات، فيكون رجل في أول الصف، فيكون أول من يصاب، ثم يدفن في هذه الأرض! ما أحسن هذا!

يقول صاحبه: ما هي إلا لحظات، حتى ينادي منادي الجهاد: يا خيل الله! اركبي. يقول: فيكون في الصف، فينادي أبوه - أبو عمرو بن عتبة - عليَّ بـعمرو هاتوه، فهو يعرف ابنه، ويعرف أنه إذا تمنى أمنية يحققها الله له، يقول: فما هي إلا لحظات، فيؤتى به مصاباً، يقول: فتزهق روحه وتفيض إلى باريها، فيدفن في مركز رمحه، في تلك الأرض، هذا هو الهدف، وهذه هي الأمنية.

العقبات.. وعدم معرفة مصاعب الدعوة

لعلها العقبات يا عبد الله، لا أدري.. لعلها عقبات كانت في طريقك، خسرت بعض المال، أصبت بمصائب، استهزأ بك بعض الناس.

لعلك -يا عبد الله- ظننت يوماً من الأيام أن طريق الدعوة إلى الله مفروشة بالورود، وأن طريق الله والجهاد في سبيله سوف يأتيك بالمال، ولن تخسر فيه درهماً واحداً، فإذا بك تخسر الأموال، وتخسر السمعة، ويتكلم الناس عنك، ويستهزئون بك، فما تلبث إلا قليلاً فتترك الدعوة إلى الله وتركن إلى الدنيا.

أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يسحبون في الرمضاء، وعليهم الأحجار، ويجرون على الأشواك، ويلف على ظهورهم الحديد، بل تكوى ظهورهم وتشوى، والواحد منهم يقول: أحد أحد، أحد أحد.

يؤتى إلى أم أحدهم فتطعن في فرجها بالرمح، وينظر إلى أمه تزهق روحها، ويقول له عليه الصلاة والسلام: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) يقول ابن عباس: [ما يستطيع أحدهم أن يستوي جالساً من التعذيب والضرب في سبيل الله] لا يستطيع أن يجلس، حتى يمر الجُعْلُ عليه فيقال له: هذا إلهك من دون الله، فيقول مكرهاً: هذا إلهي من دون الله، وقد اطمأن قلبه بالإيمان.

يؤتى بأحدهم يراد به أن يقتل، فيقال له: أترضى أن يكون مكانك رسول الله وأنت آمن في أهلك وولدك؟ يقول: لا أرضى أن أكون في أهلي وولدي ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاك بشوكة.

أبو ذر يقوم في الناس ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فيضرب حتى يكون كتمثال من الدم، حتى يفكه بعضهم، فيقوم في اليوم الثاني، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فيضرب حتى يكون كتمثال الدم، فيقوم في اليوم الثالث، ويقول هكذا، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فيضرب حتى يكون كتمثال الدم، هكذا كان أصحاب رسول الله.

هل سمعت بماشطة بنت فرعون؟! هذه امرأة كانت خادمة لابنة فرعون، تمشط شعرها، وفي يوم من الأيام سقطت المشط من يدها، فأرادت أن تحمل المشط، فقالت: باسم الله، قالت ابنة فرعون: تقصدين أبي؟ قالت: بل ربي ورب أبيك الله رب العالمين. الله أكبر! خادمةتنطق بهذه الكلمات، ماذا ينتظرها؟

قالت: سوف أخبر عنك أبي، قالت: أخبريه، فأخبرت أباها، فناداها فرعون؛ الذي كان يقتل الرجال ويستحيي النساء، وكان من المفسدين، نادى تلك المرأة الضعيفة، فقال لها: ماذا تقولين؟ ألك رب غيري؟ قالت: نعم. ربي وربك الله رب العالمين، فأتى بأولادها، فأحرق أولادها واحداً تلو الآخر، فقالت وهي تنظر إلى أولادها، تغلي دماؤهم في الزيت الساخن، وتقطع اللحم عن العظم، فنظرت إليهم وقالت لفرعون: لي إليك حاجة، فظن أنها تقاعست، قال: وما هي تلك الحاجة؟ قالت: أسألك أن تجمع عظامي مع عظام أبنائي في ثوب وتدفنني معهم جميعاً، فقال فرعون: ذلك لك من الحق علينا، فسحبت حتى أراد فرعون أن يرميها في الزيت، وكانت تحمل رضيعها فكأنها تقاعست، فأنطق الله ذلك الغلام، وقال: يا أماه! يا أماه! اصبري فإنك على الحق! فرمت بنفسها ورضيعها في الزيت! فزهقت روحها، فشم رسول الله رائحتها ورائحة أبنائها في الإسراء والمعراج.

العوائق والمصائب وعدم الشعور بالتحدي

أيها الإخوة: لا أدري ما السبب الذي أوصلنا إلى هذه الحال! أصبح الواحد منا لا هم له في الدنيا إلا أن يجلس مجالس، وينام ثم يستيقظ إلى الدوام، ثم يرجع من دوامه، فيزور فلاناً، ويجلس مع فلان، ثم تمر أيامه هكذا، لا أدري هل هي العوائق؟ هل هي المصائب؟ هل هي الفتن؟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. لا أدري ما السبب! لعلك لا تشعر بالتحدي، لعلك لا تدري -يا عبد الله- أن اليهود والنصارى يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم.

لعلك نسيت أن اليهود والنصارى لن يرضوا حتى تتبع ملتهم.

لعلك لا تدري أو كأنك تناسيت أن أهل الكفر كلهم قد تجمعوا لحربنا، وتداعت الأمم علينا.

لعلك لا تدري -يا عبد الله- أو كأنك تتناسى أن أهل الباطل قد اجتمعوا على إخوانك، ويريدون سفك دمائهم، ويريدون قتلهم وإيقاف دعوتهم، وكأنك لا تشعر بهذا ولا ذاك.

كأنك لم تسمع بالدعاة يسجنون، ولا كيف يقتلون! ولا أن نساءهم تهتك أعراضهن وأنت جالس في البيت آمن؛ لا تريد أن تخرج من جيبك ديناراً، ولا تريد أن تقضي من وقتك ساعة في سبيل الله، ولا تريد أن تعرض وجهك للدعوة إلى الله، ولا تريد أن تقوم المقام الذي أمرك الله به فتأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر.

التقصير في العبادة وقراءة القرآن

لعل السبب أنك كنت تدعو إلى الله، وقصرت في عبادة الله، لعلك يوماً من الأيام، كنت تدعو إلى الله، ونسيت نفسك، فلم تكن تقرأ القرآن، ولا تذكر الله، ولا تقوم الليل، ولا تصوم النهار، ولا تخشع في الصلاة، نسيت نفسك يا عبد الله.

عبد الله: يقول عليه الصلاة والسلام: (الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب) رواه الترمذي، كالبيت الخرب، يدعو إلى الله ولا يقرأ القرآن، قال بعضهم عن سفيان الثوري: كان إذا أصبح يرفع رجله على الحائط -تخيل هذا الرجل، يرفع رجله على الحائط، أتعرف لماذا؟- حتى يرجع الدم إلى رأسه من قيام الليل، كان إذا قام الليل ينزل الدم إلى قدميه حتى إذا أصبح رفع رجليه على الحائط حتى يعود الدم إلى رأسه من شدة قيام الليل، يقول عنه شجاع بن الوليد: كنت أخرج مع سفيان الثوري، فما كان لسانه يفتر عن ذكر الله، أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، ذاهباً وراجعاً.

خلا في الليل، فقال لصاحبه: ائتنا بماء الوضوء، يقول: فصببت له ماء الوضوء، يقول: فقربته إليه ونمت، يقول: ففي الصباح نظرت إليه واضعاً يده اليمنى على خده الأيمن، فسألته ما بالك رحمك الله؟

قال: منذ أن قربت إليَّ الماء، وأنا على حالي هذه، من أول الليل إلى الفجر.

قال: ما شأنك؟

قال: أتفكر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

من أول الليل، إلى طلوع الفجر!

وكان رحمه الله يصارع الطغاة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يخبئ كراريسه في الأرض ويدفنها خشية أن تسرق، ويدرس تلاميذه في الخفاء، ويجاهد في سبيل الله، ويدعو إلى الله، لكنه إذا خلا في الليل قام لله مصلياً.

اليأس من نصر الله

لعلك -يا عبد الله- قد أيست من نصر الله، ولعل النصر قد تأخر عنك، ولعلك قد استبطأت النصر: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15] قال بعضهم: أي يربط حبلاً في السقف، ثم ليعلق رقبته فيه، ثم ليشنق نفسه، فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ، فلينظر هل يذهب هذا الغيظ الذي في قلبه: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

ألم تسمع بالحديث الذي رواه مسلم، وفيه: (أنه يأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد) يدعو إلى الله، ويُذكِّر بالله، وينصح الناس، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر إلى أن يموت، ويأتي يوم القيامة ولم يستجب له أحد: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

الخلاف مع الدعاة في بعض المسائل

لا أدري ما السبب! لعله الخلاف الذي حصل بينك وبين إخوانك، اختلفت معهم في وجهة نظر، اختلفت معهم في أمر ما، ثم تركتهم وشأنهم، قلت: هؤلاء لا يصلحون في الدعوة إلى الله، إذاً ما بالك أنت لا تدعو إلى الله لوحدك؟ لماذا لا تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ يقول يونس الثقفي رحمه الله: ما أعقل الشافعي! ناظرته يوماً من الأيام، فلم نتفق يقول: فافترقنا، فلقيني يوماً من الأيام، فأمسك بيدي، فقال لي: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً ولو لم نتفق في مسألة، لماذا لا نكون إخواناً ولو اختلفنا في كل مسألة، ولو اختلفنا في وجهات النظر، بما أن الأمر لم يرد فيه نص، ولم يحكم فيه شرع، ما بالنا لا نختلف؟! ألم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! هل وجدت اثنين يتفقان في كل مسألة من مسائل الدين؟!

لعلك لا تجدهما، لنختلف لكن ليعذر بعضنا بعضاً إن لم يرد هناك نص، ولم يحكم بهذا شرع، ينصح بعضنا بعضاً، وينكر بعضنا على بعض، لكن نجلس مع بعضنا، وتصفى القلوب، وتصفى الأفئدة، ويستقيم بعضنا مع بعض، ويذكر بعضنا بعضاً، لكن إن اختلفنا في كل مسألة، وكل منا ترك أخاه، وكل منا افترق مع أخيه، لن تجد أخوين يجلسان مع بعضهما البعض.

النظر إلى الأقل بذلاً

لعلك -يا عبد الله- تنظر إلى من هو دونك، ولعلك تنظر إلى فلان لا هم له في الدعوة إلى الله؛ إلا أن يجلس في مكتب من المكاتب، فيوقع ورقة، ثم يذهب إلى البيت، ويظن أن هذه هي غاية الدعوة إلى الله، لا بأس، لقد عملت شيئاً لله، ولقد فعلت في سبيل الله، لكنها ليست غاية الدعوة إلى الله، غاية الدعوة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].

اسمع إلى قصة حبيب رضي الله عنه، أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالة إلى مسيلمة، فذهب إلى مسيلمة وأعطاه الرسالة، فغضب مسيلمة، وزمجر وأرعد، فقال له: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم. أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أتشهد أني رسول الله؟ -وخسئ- فقال مستهزئاً به: إن في أذني صمماً، فربطه وأتى بالجلاد، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: إن في أذني صمماً، فقال للجلاد: اقطع منه طرفاً، فقطع جزءاً من جسده، فتدحرج، والدم يسيل منه.

قال: تشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إن في أذني صمماً، فقطع منه قطعة أخرى، فلا زال يكرر إن في أذني صمماً، أشهد أن محمداً رسول الله، حتى أصبح قطعاً متناثرة على الأرض، وزهقت روحه وهو يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله..

هكذا تكون غاية الدعوة إلى الله، أن تضحي بنفسك وبمالك في سبيل الله، وأن تضحي بوقتك في سبيل الله.

ثم إن أمه تسمع بالخبر، فما تظنونها تقول؟ وما تظنونها تفعل؟ قالت: لهذا أعددته وعند الله احتسبته، بايع رسول الله صغيراً ووفى له كبيراً.

وأمه لم تكتفِ بهذا، بل تكون مع المسلمين في تلك المعركة التي يقتل فيها مسيلمة، فبعد أن تنقضي المعركة، ويهزم أعداء الله، تأتي أم حبيب وتبحث في القتلى، فإذا بها تنظر إلى مسيلمة، مثخناً بالجراح، قد أزهقه المسلمون بالضرب، وزهقت روحه إلى الله.

حبيب في جنة الله، أما مسيلمة فهو في لعنة الله، أم حبيب تنظر إليه، فماذا تفعل؛ تفرح وتستبشر، هذا هو المصير: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42].

لعلها الدنيا وفتنتها، لعل الدنيا قد دخلت قلبك: (اتقوا الدنيا واتقوا النساء) لعلك قد التهيت بزوجك وأبنائك وولدك: (الولد مجبنة مبخلة، مجهلة محزنة).. إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14].

يقول أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: [كنا يوماً من الأيام نحن معشر الأنصار، قلنا بيننا وبين أنفسنا: إن أموالنا قد ضاعت -جاهدوا في سبيل الله، تركوا المزارع، تركوا الضياع، تركوا التجارة، ذهبوا يجاهدون في سبيل الله- قال: فقلنا بيننا وبين أنفسنا إن أموالنا قد ضاعت، فلو أنَّا أقمنا فيها، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عز وجل: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]] جاهدوا في سبيل الله، فلما التفتوا إلى الدنيا، قال الله لهم: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195].

أيها الأخ العزيز: لا إفراط ولا تفريط، لا أطلب منك أن تهمل أهلك وأبناءك وبيتك، وتهمل نفسك، إن لنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، لكن إياك أن تمضي صباحك ومساءك للدنيا، ولا تفرغ ساعة واحدة لله، ما ضرك لو خرجت ساعة في اليوم والليلة، تخرج إلى الشارع، وتدعو الناس إلى الله، وتذكرهم بالله، وتقول لهم: يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] تذهب وتقول: يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:38]؟!

ما ضرك -يا عبد الله- لو أنفقت ألفاً للدنيا، وعشرة دنانير في طاعة الله وفي الدعوة إلى الله؟!

ما ضرك -يا عبد الله- لو مشيت في اليوم والليلة بالسيارة لقضاء حاجات أهلك، وتمشي عشر دقائق بسيارتك في سبيل الله؟! ألم تسمع المنافقين ماذا كانوا يتعذرون عند رسول الله؟ يدعون إلى الجهاد وهم يقولون: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا [الفتح:11] كانوا يتعذرون بالمال والأهل والولد والبيوت، ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ [الأحزاب:13].

لا أدري ما السبب الذي أوصلك إلى هذه الحال! أتظن أن غاية الدين والدعوة أن تحضر مجلس ذكر ثم تذهب إلى بيتك فتنام؟!

أسألك عن جدولك في اليوم والليلة، فتقول: أحضر مجلساً واحداً في الذكر، أما أن أدعو إلى الله، أما أن يدعوني هذا العلم إلى العمل، أما أن يهتف هذا العلم بالعمل، فلا إلا من رحم الله.




استمع المزيد من الشيخ نبيل العوضي - عنوان الحلقة اسٌتمع
رسالة إلى كل من ابتلي بمس أو سحر أو عين 2678 استماع
فرصة للتوبة 2624 استماع
فصة برصيصا 2592 استماع
التوحيد 2586 استماع
قصة الفاروق الحلقة السادسة 2524 استماع
العبادة في رمضان 2477 استماع
الوقت وأهميته 2458 استماع
لنخرج العباد من عبادة العباد 2450 استماع
دعاة الفساد 2448 استماع
لقاء مع الشيخ المغامسي 2429 استماع