أغلى الدموع


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

عيون حمراء تختلف عن العيون الحمراء التي تسهر على الذنوب والمحرمات، فهناك عيونٌ حمراء تتعاطى المخدرات .. عيون حمراء تسهر في المعاكسات .. عيونٌ حمراء بكت لفراق عشيقها أو محبوبها، أو فراق صديقها .. عيونٌ حمراء لكنها لم تبك لله عز وجل، فلن نتكلم عن هذا كله في هذه الليلة، لكن سوف نتكلم هذه الليلة عن عيونٍ حمراء بكت لكنها بكت لله عز وجل، بكت لكن ليس لأجل الدنيا، سوف نتكلم عن أغلى بكاء على وجه هذه الأرض، وأغلى من دمعت عينه، فهي أغلى الدموع، وأغلى البكاء، إنه بكاء النبي عليه الصلاة والسلام.

بكى المصطفى عليه الصلاة والسلام، لكن لمَ بكى؟ وكيف بكى؟ وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أعظم الناس خلقاً، وأكثرهم رحمة، حتى قال أثناء بكائه لما سأله سعد بن عبادة : (أتبكي يا رسول الله؟! قال: نعم. هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وكان الصحابة والتابعون يبكون، ولكن لا يظهرون بكاءهم، أحدهم عشرون سنة يبكي على وسادته عند زوجته لا تعلم عنه زوجته.

أيوب السختياني رحمه الله كان إذا جلس في المجلس، وغلبته عيناه تظاهر أنه مصاب بالزكام، فإذا غلبته عيناه قام وخرج، حتى لا يعلم عنه أحد.

وكان الشخص منهم يقوم في الصف فتسيل دموعه ولا يعلم الذي بجنبه أنه يبكي، بكاءٌ لله لا لغيره، ولهذا يتفاجئون إذا رأوا غيرهم يبكي، البكاء عندهم بالسر، البكاء بالخلوات.

وفي الحديث الصحيح: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسلت له ابنة من بناته أن ابناً لي يحتضر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرسول: اذهب إليها وقل لها: لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بقدر، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه أن يأتي، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حضر، رفع إليه الصبي الرضيع ونفسه تقعقع -يسمع صوت احتضاره، احتضار من؟ ابن ابنته رضي الله عنها- فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام، فدمعت عيناه، فقال له سعد بن عبادة وكان جالساً: ما هذا يا رسول الله؟! قال: هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).

قال ابن القيم رحمه الله وهو يجمع بين فعل بعض الناس لما يأتيه خبر موت ابنه، أو حبيبه، أو صاحبه فيبتسم، فيقال له: لم تبتسم؟ قال: رضا بقدر الله عز وجل، يقول ابن القيم : إن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم، لِمَ؟ لأنه جمع بين صفتين، صفة الرضا وصفة الرحمة: (وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فوصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة.

يوماً من الأيام سمع أن ابنة من بناته ماتت، فغسلت، وكفنت، وذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ليصلي عليها، يقول الصحابي: فرأيته بعد الصلاة جالساً عند قبرها يبكي عليه الصلاة والسلام، فقال للصحابة: (أيكم لم يقارف الليلة؟ -أي: أيكم لم يجامع زوجته الليلة؟- فقام أبو طلحة فقال: أنا يا رسول الله! قال: انزل فادفنها) يقول: فنـزل في قبرها والنبي جالسٌ عند القبر يبكي عليه الصلاة والسلام.

يقول أنس : (ذهبنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنه إبراهيم -وكان يحبه حباً جماً- يقول: دخل عليه فضمه، وقبله، وشمه عليه الصلاة والسلام، ثم خرج، وبعد فترة من الزمن رجع النبي صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى إلى ابنه، فإذا هو يحتضر، فإذا النبي عليه الصلاة والسلام يرفعه فتدمع عيناه ويبكي، فقال عبد الرحمن بن عوف : ما هذا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:156].

انظروا إلى قلبه الرحيم عليه الصلاة والسلام، يدخل عليه يوماً من الأيام الأقرع بن حابس ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن والحسين ابني علي ، وكان يحبهما حباً جما، بل كان أحياناً يداعبهما عليه الصلاة والسلام، ويوماً من الأيام كان ساجداً، فرقى الحسن على ظهره عليه الصلاة والسلام، فلم يرفع رأسه من سجوده؛ لأجل أن الحسن قد رقى على ظهره.

فرآه الأقرع يقبل الحسن ، فقال الأقرع بن حابس : (والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك) ما فيك رحمة، ماذا أصنع لك؟! وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

ليس فقط لأولاده؛ بل يوماً من الأيام سمع أن سعد بن عبادة يحتضر رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يزوره، فلما دخل وجد عند سعد بن عبادة أهله، ووجد خدمه، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أقضى -يعني مات- قالوا: لا يا رسول الله!) إلى الآن ما مات، يقول الصحابي: فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يبكي، يبكي على من؟ يبكي على صاحبه الذي يحتضر .. يبكي على أخيه .. يبكي على من يحبه، قال: (فإذا النبي يبكي، فنظر الصحابة إليه، فبكى الصحابة جميعاً حوله -كل الصحابة بكوا وهم ينظرون إلى هذا المنظر- ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله عز وجل لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا، وأشار إلى لسانه) من يجزع .. من يصرخ .. من ينوح .. من يلطم .. هذا الذي يعذب الله عليه، قال: (يعذب بهذا -وأشار بلسانه- أو يرحم، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) .. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].

بكاؤه صلى الله عليه وسلم خوفاً على أمته

يوماً من الأيام قرأ عليه الصلاة والسلام آيات، انظر! ماذا قرأ وانظر ماذا صنع بأبي هو وأمي، والمصيبة أن بعض الناس اليوم يستحي إذا أظهر سنته عليه الصلاة والسلام، وربما يخجل أن يتظاهر بسنته، وبعضهم لا يعرف شيئاً عن حياته عليه الصلاة والسلام، انظر! ماذا كان يفعل لأمته.

يوماً من الأيام قرأ آيتين من القرآن، ثم بكى، قرأ قول الله عز وجل على لسان إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36] وقرأ قول الله عز وجل: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فرفع يديه إلى السماء وأخذ يبكي، وقال: (اللهم أمتي أمتي، اللهم أمتي أمتي، فقال الله لجبريل: يا جبريل! -والله أعلم جل وعلا- اذهب إلى محمد فسله: ما الذي يبكيك؟ فذهب جبريل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: أمتي -يبكي على أمته- فرجع جبريل إلى الله عز وجل فأخبره الخبر، فقال الله عز وجل لجبريل: يا جبريل! اذهب إلى محمد فأخبره أنا سنرضيك في أمتك).

أسمعتم بحديث الشفاعة؟

حديث الشفاعة الطويل الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الناس بعد أن ذهبوا إلى آدم، ونوح، وإلى إبراهيم، وموسى، وعيسى كلٌ منهم يقول: (نفسي نفسي، فيأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيقول: أنا لها، أنا لها، فيذهب إلى الله عز وجل فيخر ساجداً، فيلهمه الله تسابيح وتحاميد لم يعرفها في الدنيا، ثم يقول الله عز وجل له: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيرفع رأسه إلى الله جل وعلا، فيقول: اللهم أمتي أمتي) ينتظرهم عند الحوض فيأتي أصحابه فيشربون من الحوض، ويستقبلهم محمد عليه الصلاة والسلام، فتأتي الملائكة تذود بعض الناس -تبعد بعضهم- فيقول لهم: ( أصحابي أصحابي -تمنعون أمتي؟- فيقولون له: يا محمد! لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) بدلوا سنتك، وتجاهلوا شرعك، لم يحكموا بهديك، هجروا سنتك وهديك يا محمد!

لو عاش بيننا اليوم النبي عليه الصلاة والسلام ماذا سيقول؟ وماذا سيفعل؟

هل تعلمون أن بعض الناس من رمضان إلى اليوم ما قرأ القرآن مرةً واحدة، وما ختم القرآن مرةً واحدة؟ والنبي عليه الصلاة والسلام يشتكي إلى الله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] يشتكي إلى الله أن أمته هجرت القرآن.

ماذا يصنع النبي عليه الصلاة والسلام لو كان الآن بيننا؟ ماذا يفعل وهو يرى الألف مليون مسلم يحكمون بغير هديه ويستنون بغير سنته، إلا من رحم ربي في هذه الأمة؟

ماذا يصنع اليوم لو يرى في بعض بلاد المسلمين توزع وتباع كتب، ينال فيها من المصطفى عليه الصلاة والسلام؟

يوماً من الأيام قرأ عليه الصلاة والسلام آيات، انظر! ماذا قرأ وانظر ماذا صنع بأبي هو وأمي، والمصيبة أن بعض الناس اليوم يستحي إذا أظهر سنته عليه الصلاة والسلام، وربما يخجل أن يتظاهر بسنته، وبعضهم لا يعرف شيئاً عن حياته عليه الصلاة والسلام، انظر! ماذا كان يفعل لأمته.

يوماً من الأيام قرأ آيتين من القرآن، ثم بكى، قرأ قول الله عز وجل على لسان إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [إبراهيم:36] وقرأ قول الله عز وجل: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] فرفع يديه إلى السماء وأخذ يبكي، وقال: (اللهم أمتي أمتي، اللهم أمتي أمتي، فقال الله لجبريل: يا جبريل! -والله أعلم جل وعلا- اذهب إلى محمد فسله: ما الذي يبكيك؟ فذهب جبريل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: أمتي -يبكي على أمته- فرجع جبريل إلى الله عز وجل فأخبره الخبر، فقال الله عز وجل لجبريل: يا جبريل! اذهب إلى محمد فأخبره أنا سنرضيك في أمتك).

أسمعتم بحديث الشفاعة؟

حديث الشفاعة الطويل الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الناس بعد أن ذهبوا إلى آدم، ونوح، وإلى إبراهيم، وموسى، وعيسى كلٌ منهم يقول: (نفسي نفسي، فيأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيقول: أنا لها، أنا لها، فيذهب إلى الله عز وجل فيخر ساجداً، فيلهمه الله تسابيح وتحاميد لم يعرفها في الدنيا، ثم يقول الله عز وجل له: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيرفع رأسه إلى الله جل وعلا، فيقول: اللهم أمتي أمتي) ينتظرهم عند الحوض فيأتي أصحابه فيشربون من الحوض، ويستقبلهم محمد عليه الصلاة والسلام، فتأتي الملائكة تذود بعض الناس -تبعد بعضهم- فيقول لهم: ( أصحابي أصحابي -تمنعون أمتي؟- فيقولون له: يا محمد! لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) بدلوا سنتك، وتجاهلوا شرعك، لم يحكموا بهديك، هجروا سنتك وهديك يا محمد!

لو عاش بيننا اليوم النبي عليه الصلاة والسلام ماذا سيقول؟ وماذا سيفعل؟

هل تعلمون أن بعض الناس من رمضان إلى اليوم ما قرأ القرآن مرةً واحدة، وما ختم القرآن مرةً واحدة؟ والنبي عليه الصلاة والسلام يشتكي إلى الله: وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان:30] يشتكي إلى الله أن أمته هجرت القرآن.

ماذا يصنع النبي عليه الصلاة والسلام لو كان الآن بيننا؟ ماذا يفعل وهو يرى الألف مليون مسلم يحكمون بغير هديه ويستنون بغير سنته، إلا من رحم ربي في هذه الأمة؟

ماذا يصنع اليوم لو يرى في بعض بلاد المسلمين توزع وتباع كتب، ينال فيها من المصطفى عليه الصلاة والسلام؟

يقول عبد الرحمن بن عوف في معركة بدر ، وهي معركة حاسمة، ومعركة فاصلة، وقد كان جيش المشركين فيها ألفاً أو يزيدون، أما الصحابة فثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، أي: كل واحد أمام ثلاثة، والصحابة لم يستعدوا لهذه المعركة.

يقول عبد الرحمن بن عوف قبل المعركة: غمزني عن يميني شاب صغير فالتفت، فقال لي: يا عم! أين أبو جهل ؟ يسأل عن زعيم الكفر وفرعون هذه الأمة، عن رئيس المعركة والقائد، والقائد لا بد أن يكون بطلاً، لا بد أن يكون في حماية، لا بد أن يتترس بالتروس، وهذا الشاب الصغير، وهذا الغلام يسأل عن زعيم الكفر وفرعون هذه الأمة.

قال: وما شأنك وشأنه يا بني! فقال: يا عم! سمعت أنه -قيل لي- كان يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام -يقول: سمعت أنه سب النبي عليه الصلاة والسلام- قال: فوالله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا.

إما أموت أو يموت، لا نبقى نحن الاثنان على ظهر هذه البسيطة، يموت واحدٌ منا، فأنا لا أعيش، ولا أحيا ولا أبقى في هذه الدنيا، وعلى الأرض يمشي رجلٌ سب النبي عليه الصلاة والسلام، انظر الحب للنبي صلى الله عليه وسلم.

يقول عبد الرحمن: فتعجبت! يقول: فغمزني شابٌ آخر عن يساري، فقال لي الكلام نفسه. يبحثان عمن؟ عن أبي جهل، يقول: فلما اشتدت المعركة، وكان الشابان خلف عبد الرحمن بن عوف، لا غرض لهما في المعركة إلا أبا جهل، يقول: فلما رأيته في المعركة قلت لهما: هذا صاحبكما، يقول: فانقضا عليه كما ينقض الصقر على الفريسة، هذا يضربه من أمامه، وهذا من خلفه، وهذا على رأسه، وهذا على ظهره، وهذا على كتفه، كل واحد يضربه من جهة، حتى سقط أبو جهل على الأرض وخر صريعاً، فجاءه عبد الله بن مسعود فحز رأسه.

فذهب الغلامان إلى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحدٌ منهما يقول: يا رسول الله! قتلت أبا جهل، ويقول الآخر: بل أنا يا رسول الله! فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسيفيهما ونظر الدم على السيفين، فقال: (كلاكما قتله) .. لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

يوماً من الأيام انكسفت الشمس في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ففزع وكبر للصلاة، وأخذ يصلي، قال الصحابة: فقام قياماً كأنه لن يركع بعده، ثم ركع ركوعاً كأنه لن يقوم بعده، ثم قام قياماً بعد الركوع كأنه لم يسجد بعده، فسجد سجوداً كأنه لا يرفع رأسه بعده، ثم جلس جلوساً كأنه لن يسجد بعده، ثم سجد. يقول الصحابي: فأخذ يبكي في السجود، فهل تعرف ماذا قال وهو في السجود؟ يقول الراوي: كان يبكي ويقول: (ربِّ ألم تعدني ألا تعذبهم وأنا فيهم؟ ربِّ ألم تعدني ألا تعذبهم وهم يستغفرون؟ ها نحن نستغفرك يا ربنا) .. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33] يقول الراوي: فصلى ركعتين ثم انجلت الشمس، فأثناء الركعتين انجلت الشمس، فقام في الناس خطيباً، بعد أن بكى في الصلاة، وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك -يعني كسوف الشمس وخسوف القمر- فافزعوا إلى الصلاة).

تخيل لو كان النبي عليه الصلاة والسلام بيننا الآن، ويرى ماذا يصنع الناس أوقات الكسوف؟

فاليوم بعض الناس يجعل كسوف الشمس وخسوف القمر مظهراً من مظاهر الترفيه والسياحة، فيجلسون يصورون، ويتمتعون وهم يشاهدون الشمس تنكسف، والقمر ينخسف، كأن الأمر متعة، وكأن الأمر ترفيه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبكي في الصلاة.

يوماً من الأيام كان يمشي مع الصحابة فإذا به ينحاز -يبتعد عن الصحابة- فذهب إلى قبر وجلس عنده وأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام، فلما انتهى جاء إلى الصحابة فاستفسروا: لم بكيت يا رسول الله! عند القبر؟ هل تعرفون قبر من هذا؟

إنه قبر أمه عليه الصلاة والسلام، جلس عند قبر أمه وأخذ يبكي، ثم قال: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) ما أذن الله لي، فهذا دين يا إخوان! الحق حق، والولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، أمه ما ماتت على الإيمان والتوحيد، قال: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، إن هذه القبور تذكركم الآخرة ألا فزوروها) وهو يبكي عليه الصلاة والسلام. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].

يوماً من الأيام كان في الجعرانة ، وكان يوزع اللحم عليه الصلاة والسلام، فجاءت امرأة عجوز تمشي، فلما اقتربت المرأة العجوز نزع النبي صلى الله عليه وسلم لها رداءه، وألقاه على الأرض، فجاءت المرأة العجوز وجلست على الرداء، وجاء لها باللبن والماء والطعام، فقال الصحابة: سبحان الله! من هذه المرأة التي ينـزع النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لأجلها؟ تعرفون من هي؟ إنها مرضعته عليه الصلاة والسلام، حليمة السعدية التي أرضعته.

تخيل! لو كانت أمه حية ماذا كان سيصنع لها؟

إذا كانت مرضعته ينزع رداءه لتجلس عليه ويقرب إليها الطعام والشراب، ويخدمها عليه الصلاة والسلام، فكيف لو كانت أمه حية، ماذا كان سيصنع لها؟

أمه لم تمت على التوحيد، فيجلس عند قبرها يبكي عليه الصلاة والسلام، فتخيل! لو ماتت أمه على التوحيد ماذا كان سيصنع عليه الصلاة والسلام؟ فهو صاحب قلب رحيم، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

فكانت أخلاقه عظيمة حتى إنه تأثر به المشركون من أخلاقه، يقول عبد الله بن سلام : [لما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة -وكان عبد الله يهودياً قبل الإسلام- نظرت في وجهه، فعلمت أن هذا الوجه ليس بوجه كذاب] .. وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

النبي عليه الصلاة والسلام في يوم من الأيام يقول لـعبد الله بن مسعود : (يا عبد الله! اقرأ عليَّ القرآن، فقال له عبد الله بن مسعود -وقد استحى-: يا رسول الله! أقرأ عليك وعليك أنزل؟ -سمعته من جبريل من الله مباشرة، انظروا إلى السند عن جبريل عن الله- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، يقول عبد الله: فقرأت -تخيل الآن الجلسة، عبد الله يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يسمع- يقول: فقرأت في سورة النساء حتى وصلت -آية يُخاطب الله بها النبي صلى الله عليه وسلم- فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً [النساء:41] يقول: فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام: حسبك -أي قف- يقول عبد الله- عبد الله الآن ما شعر، وما أحس بشيء، لا كصراخ الصارخين، ولا كنحيب المنتحبين، لا يا أخي العزيز، انظر لبكائه- يقول: فرفعت رأسي فإذا عينه تذرف الدموع) فاضت عيناه عليه الصلاة والسلام، يبكي؛ لأنه يسمع القرآن، انظروا إلى قلبه، أما اليوم أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ [الحديد:16].

يوماً من الأيام بعد معركة بدر ، بعد أن قتل من قتل من المشركين، وأسر من أسر، جاء النبي عليه الصلاة والسلام فسأل أبا بكر : ماذا نصنع بالأسرى؟ لأنه لم ينـزل فيهم حكم، أو وحي، فالمسألة اجتهاد، قال: يا أبا بكر ! ماذا نصنع بالأسرى؟ قال: نطلب -يا رسول الله!- فداء، هذه أول معركة، وربما نتألف قلوبهم. ثم جاء عمر فقال: يا عمر! ما رأيك؟ قال: نقتلهم يا رسول الله! حتى يعرف الناس هذا الدين، ويضعوا له هيبته، فمال النبي لرأي أبي بكر ، فإذا به يفدي الأسارى، مأسور يأتي أقرباؤه ويدفعن أموالاً فيطلق النبي عليه الصلاة والسلام أسيرهم، حتى جاء الصحابة بامرأة وقالوا: يا رسول الله! هذه المرأة ليس عندها شيء، وتريد أن تخرج زوجها من الأسرى، فقالوا: ما عندها إلا قلادة، فنـزعت المرأة قلادتها، قالت: هذه القلادة أفدي بها زوجي، فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام أخذ يبكي، سكت الصحابة، لَمِ يبكي؟ فلما اقتربوا منه يسألونه: يا رسول الله! لم بكيت؟ قال: (والله لقد ذكرتني هذه المرأة بـخديجة ) التي ضحت بنفسها ومالها وحياتها لأجل النبي عليه الصلاة والسلام، انظروا سنوات مضت، أعوامٌ انقضت إلى الآن حب خديجة في قلبه عليه الصلاة والسلام، لما رأى المرأة تفدي زوجها بقلادتها، قال: (ذكرتني بـخديجة ).

نعم. إنها رحمةٌ في قلب النبي عليه الصلاة والسلام، لقد ذكرته هذه بـخديجة التي طالما دمعت عينه من أجلها، التي كان يبشرها ببيتٍ في الجنة، من قصب لا نصب فيه ولا وصب، لما ماتت ما فرج عن النبي صلى الله عليه وسلم وما سري عنه إلا بالإسراء والمعراج، حتى ينسى ألمه ومصيبته بـخديجة رضي الله عنها، (خيركم خيركم لأهله) أي قلبٍ هذا؟ أي نفسٍ هذه؟ أي رحمةٍ في قلبه؟ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

يوماً من الأيام لما أرسل صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم إلى معركة مؤتة، عين ثلاثة في قيادة الجيش: زيد ، فإن قتل فـجعفر ، فإن قتل فـعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم أجمعين، وكان يحب الثلاثة حباً جماً، أما زيد فحبيبه، وأما جعفر فالذي جاء من الحبشة بعد الهجرة، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر من فرحه به نسي فتح خيبر، وقال: (لا أدري بأيهما أسر -ما أدري- بفتح خيبر أم بقدوم جعفر) وهذا من حبه لـجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن رواحة ، هذا الصحابي الجليل الذي قيل له وهو يبكي عند ذهابه إلى مؤتة : لم تبكي؟ قال: لأني قرأت قول الله عز وجل: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً [مريم:71] فالورود لا بد منه، لا أدري أنصدر بعد الورود أو لا نصدر، هذا عبد الله بن رواحة .

أرسل الثلاثة إلى المعركة، والرسول عليه الصلاة والسلام كان في المدينة ، وفجأة والنبي عليه الصلاة والسلام عند الصحابة في المدينة، والمسافة بينهم وبين الشام بيعدة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة فإذا هو يبكي، نزل عليه الوحي، علم ما الذي جرى بالمعركة، الصحابة الآن ينتظرون خبراً، ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يبكي: (أخذ الراية زيد فأصيب -يعني قتل- ثم أخذ الراية جعفر ، فأصيب - جعفر الطيار الذي قطعت يداه، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم يطير بالجنة- ثم أخذ الراية ابن رواحة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأصيب -يعني قتل- ثم أخذ الراية سيفٌ من سيوف الله - خالد - ففتح الله عليهم، يقول الصحابة: فأخذ النبي عليه الصلاة والسلام يبكي) يبكي على أصحابه، يبكي على الذين قتلوا، تقول: هم شهداء، فنقول: نعم. النبي يفرح لهم بهذه الشهادة، ولكنها الرحمة التي في قلبه. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، ليس الهدف عنده قتل الناس، ولا سفك دمائهم.

يوماً من الأيام كان حبيبه أسامة في معركةٍ من المعارك، فإذا بمشركٍ من المشركين يثخن بالمسلمين الجراح، يقتل المسلمين، ولأنه قوي، قتل فلاناً وفلاناً وفلاناً وجرح المسلمين، فقام له أسامة ، وتصدى له رضي الله عنه، فاقترب أسامة منه، فلما وصل إليه ورفع السيف لقطع رأسه، قال الرجل: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ، فـأسامة الأمر واضح والأمر ظاهر عنده، أن الرجل ما قالها إلا ليتخلص من السيف، قتَّل المسلمين، وسفك الدماء، والآن عندما أُريد قتله قال: لا إله إلا الله، فرجع أسامة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ذي القلب الرحيم، فقال له الخبر، فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! ما قالها إلا ليتخلص من السيف، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله! ما قالها إلا ليتخلص من السيف، قال: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ -الآن أسامة خاف- قال: استغفر لي يا رسول الله، قال: وما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: استغفر لي، قال: وما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله! استغفر لي، قال: وما تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ يقول أسامة: فتمنيت أني لم أسلم إلا في ذلك اليوم) تمنيت أني ما دخلت الإسلام إلا في ذلك اليوم؛ لأن الإسلام يجب ما قبله.

أرأيت -يا عبد الله!- حبه للناس، ورحمته بالبشر، إذا قال: لا إله إلا الله اتركه ودعه، لا تقل: قالها لأجل السيف، أو تخلصاً من هذا، نقول: نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

سمع أن يهودياً مرض، فزاره ودعاه إلى الإسلام، فلما أسلم الشاب ومات خرج النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه متهلل، يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).

يوماً من الأيام بعد معركة بدر ، وقد بكى لأجل تذكره لـخديجة ، وفي اليوم الثاني، يقول عمر بن الخطاب : (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فرأيتهما يبكيان، فقلت: ما الذي يبكيكما يا رسول الله؟! إن كان في الأمر بكاء بكيت معكما، وإلا تباكيت، قال: يا عمر ! أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من الفداء، والله -اسمع للحديث- لقد عرض عليَّ عذاب هذه الأمة، أدنى من هذه الشجرة) وكانت هناك شجرة قريبة، قال: رأيت الشجرة، وصل العذاب إلى أقرب من هذه الشجرة, وكاد العذاب أن يهلك هذه الأمة، لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال:68]. يبكي عليه الصلاة والسلام، ولم لا يبكي وهو الرحيم؟!

يأتيه بلال رضي الله عنه بالليل فيراه يبكي، فيقول: (لم تبكي يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ -تورمت رجلاه وهو يصلي- قال: يا بلال ! قد أنزلت عليَّ آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:190-191]).

عائشة تتأخر عن البيت ليلة من الليالي بعد صلاة العشاء، فلم تأت كعادتها، فإذا به يسألها: يا عائشة ! أين كنتِ؟ قالت: كنت في المسجد يا رسول الله! قال: ماذا تصنعين؟ قالت: كنت أستمع لقراءة أحد أصحابك -أحد الصحابة في المسجد يقرأ القرآن بصوت خاشع، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها وذهب إلى المسجد يستمع القرآن، تقول عائشة : فجلس وأخذ يستمع ويبكي، ويقول: (الحمد لله الذي جعل في أمة محمد أمثال هؤلاء) جلس يبكي وهو يسمع القرآن.

وكان صوت بكائه في الصلاة كالصوت الذي يصدره القدر إذا كان فيه ماء، وأخذ يغلي الماء، فهكذا صوت بكاء النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة، له صوتٌ كأزيز المرجل من البكاء، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].




استمع المزيد من الشيخ نبيل العوضي - عنوان الحلقة اسٌتمع
رسالة إلى كل من ابتلي بمس أو سحر أو عين 2678 استماع
فرصة للتوبة 2624 استماع
فصة برصيصا 2593 استماع
التوحيد 2587 استماع
قصة الفاروق الحلقة السادسة 2524 استماع
العبادة في رمضان 2477 استماع
الوقت وأهميته 2458 استماع
لنخرج العباد من عبادة العباد 2451 استماع
دعاة الفساد 2449 استماع
لقاء مع الشيخ المغامسي 2431 استماع