تفسير سورة المائدة [67-81]


الحلقة مفرغة

يقول تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة:67]. قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي: جميع ما أنزل إليك من ربك، ولا تكتم شيئاً منه خوفاً أن تنال بمكروه، يعني: لا تكتم بقصد أن تنجو من المكروه الذي ينالك به خصومك، (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) إن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك (فما بلغت رسالته) بالإفراد والجمع، يعني: فما بلغت رسالته، أو فما بلغت رسالاته؛ لأن كتمان بعضها ككتمان كلها. (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) أن يقتلوك. وكان صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية، فقال عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس! انصرفوا، فقد عصمني الله)، رواه الحاكم والترمذي والبيهقي في الدلائل وغيرهم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. يقول القاسمي رحمه الله تعالى في الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) نودي صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة تشريفاً له، وهذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء والمرسلين. فإن الأنبياء عامتهم قد ناداهم الله تعالى بأسمائهم، فقال (يا نوح) (يا آدم) (يا عيسى ابن مريم) (يا موسى) (يا داود). وأما محمد صلى الله عليه وسلم فلم يناد باسمه قط في القرآن الكريم، وإنما نودي بصفاته، كما في قوله تعالى هنا: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ))، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب:45]، وهكذا يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]، يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر:1]، ولم يأت في القرآن قط (يا محمد) فهذا نداء له عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة تشريفاً له وإيذاناً بأنها من موجبات الإتيان بما أمر به من التبليغ. يعني: ما دمت رسولاً فيجب عليك أن تبلغ الرسالة التي كلفت بأن تبلغها. وقوله تعالى: (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني: مما يفصل مساوئ الكفار، ومن قتالهم، والدعوة إلى الإسلام، غير مراقب في التبليغ أحداً، ولا خائف أن ينالك مكروه (وإن لم تفعل) أي: ما تؤمر به من تبليغ الجميع والبيان لبعض مساوئهم (فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) يعني: كأنك ما بلغت شيئاً مما أرسلت به؛ لأن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض، فإن لم تبلغ أو لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعها، وكما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها فكذلك إن كتم الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً يسيراً من الرسالة فكأنه كتمها كلها. (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) هذا وعد من الله سبحانه وتعالى بحفظه من لحوق ضرر بروحه الشريفة، وهذا باعث له على الجد فيما أمر به من التبليغ، وعدم الاكتراث بعداوتهم وكيدهم. (إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) هذا التذييل في الآية مسوق مساق التعليل لعصمته، يعني: إن الله سبحانه وتعالى يعصمك من الناس أن ينالوك بمكروه؛ لأن الله لا يهدي القوم الكافرين. أي أن الله سبحانه وتعالى لا يهديهم إلى طريق الإساءة إليك، فلن يهديهم إلى الطريق التي يسوءونك بها، فما عذرك في مراقبتهم والله سبحانه وتعالى سوف يضلهم ويثنيهم ويبعدهم عن أن ينالوك بسوء، فلن يهديهم إلى ما يسوؤك؟! فلا تراقبهم في تبليغ الرسالة.

الأدلة الواردة في بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ التام

هنا بعض التنبيهات: أولها: أنه لا خفاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ التام، وقام به أتم القيام، وثبت في الشدائد وهو مطلوب، وصبر على البأساء والضراء وهو مكروب محروب، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهز الصياصي، وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي، ثم انتصب لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته، وأحدقوا بجنباته، وصار بإتقانه في الأعداء محذوراً، وبالرعب منه منصوراً، حتى أصبح سراج الدين وهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لـمسروق : (من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب، والله يقول: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )). وفي الصحيحين عنها -أيضاً- أنها قالت: (لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37]). وروى البخاري وغيره عن أبي جحيفة قال: قلت لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحب وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) يعني أن هذه كانت مدونة ومكتوبة، وقال البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد شهدت له صلى الله عليه وسلم أمته بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحواً من أربعين ألفاً، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله قال في خطبته يومئذ في حجة الوداع: (يا أيها الناس! إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟، وذلك كما قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] فهذه الأمة سوف تسأل: هل أبلغكم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع يده إلى السماء وينكسها إليهم، ويقول: اللهم! هل بلغت؟). وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (يا أيها الناس! أي يوم هذا؟! قالوا: يوم حرام. قال: أي بلد هذا؟! قالوا: بلد حرام. قال: فأي شهر هذا؟! قالوا: شهر حرام. قال: فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ثم أعادها مراراً، ثم رفع إصبعيه إلى السماء، فقال: اللهم! هل بلغت؟ مراراً) قال ابن عباس : والله إنها لوصية إلى ربه عز وجل. ثم قال: (ألا فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وهذا رواه البخاري . وقد تضمن قوله تعالى: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) معجزة كبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه الآية الشريفة هي من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال الإمام الماوردي في كتابه (أعلام النبوة) في الباب الثامن في معجزة عصمته صلى الله عليه وسلم، قال: أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته بعد ثبوتها بمعجز القرآن، واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار، يحتج بها من قلت فطنته، ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركاً بالخواطر الثاقبة تفكراً واستدلالاً، وإعجاز العيان معلوماً ببداية الحواس احتياطاً واستظهاراً. يعني أن القرآن الكريم نَوَّع طرق الدلالة على إعجازه، وذلك لاختلاف فهوم الناس ومستوياتهم العلمية والفكرية، وقدراتهم العقلية، فبعض الناس عندهم من القدرات العقلية والثقافة العقلية ما يمكنهم من التدبر في آيات القرآن والتفهم، بحيث يدركون أنه لا يمكن أن يكون له مصدر إلا الله سبحانه وتعالى، وبعض الناس يخاطبون بأمور أخرى هي -أيضاً- تدل على الإعجاز، لكن بطريقة يدركها الذي تضعف فطنته وقدرته، كهذا الوعد بأن الله سبحانه وتعالى يحفظ نبيه عليه الصلاة والسلام من أن يقتله أحد بقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)، فهذه الآية يستوي الجميع في فهمها، بخلاف ما تحتوي عليه من الدلالات على إعجاز القرآن مما يستعصي على عوام الناس أو صفار العقول، ولا يدركه إلا ذوو الفطنة والذكاء العالي. فيقول هنا: فيكون البليد مقهوراً بوهمه وعيه، واللبيب محجوزاً بفهمه وبيانه؛ لأن لكل فريق من الناس طريقاً هي عليهم أقرب ولهم أجذب، فكان ما جمع مقياد الفرق أوضح سبيلاً وأعم دليلاً، فمن معجزاته عصمته من أعدائه، مع أن هؤلاء الأعداء كانوا جماً غفيراً وعدداً كثيراً، وهم على أتم حنق عليه، وأشد طلباً لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالط ومكاثر، ترمقه أبصارهم شذراً، وترتد عنه أيديهم ذعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً. يعني أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان في حالة خطيرة، وأعداء كثيرون جداً محيطون به من كل جانب، والعداوة أشد ما تكون في قلوبهم، ونار الغيظ والحقد والحرص على إيذائه على أشد ما تكون، وهو مع ذلك بينهم مسترسل متحرك يروح ويجيء ويبلغهم، وأصحابه من شدة الاضطهاد الذي تعرضوا له هاجروا، وبقي هو فيهم عليه الصلاة والسلام مع نفر من أصحابه حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً لم يكلم في نفس ولا جسد صلى الله عليه وسلم، وما كان ذلك إلا بعصمة إلهية وعده الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) فعصمه منهم.

هنا بعض التنبيهات: أولها: أنه لا خفاء في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ التام، وقام به أتم القيام، وثبت في الشدائد وهو مطلوب، وصبر على البأساء والضراء وهو مكروب محروب، وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهز الصياصي، وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي، ويثبت ثبات المستولي، ثم انتصب لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته، وأحدقوا بجنباته، وصار بإتقانه في الأعداء محذوراً، وبالرعب منه منصوراً، حتى أصبح سراج الدين وهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً. روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت لـمسروق : (من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب، والله يقول: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )). وفي الصحيحين عنها -أيضاً- أنها قالت: (لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37]). وروى البخاري وغيره عن أبي جحيفة قال: قلت لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحب وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر) يعني أن هذه كانت مدونة ومكتوبة، وقال البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد شهدت له صلى الله عليه وسلم أمته بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحواً من أربعين ألفاً، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله قال في خطبته يومئذ في حجة الوداع: (يا أيها الناس! إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟، وذلك كما قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6] فهذه الأمة سوف تسأل: هل أبلغكم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع يده إلى السماء وينكسها إليهم، ويقول: اللهم! هل بلغت؟). وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (يا أيها الناس! أي يوم هذا؟! قالوا: يوم حرام. قال: أي بلد هذا؟! قالوا: بلد حرام. قال: فأي شهر هذا؟! قالوا: شهر حرام. قال: فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ثم أعادها مراراً، ثم رفع إصبعيه إلى السماء، فقال: اللهم! هل بلغت؟ مراراً) قال ابن عباس : والله إنها لوصية إلى ربه عز وجل. ثم قال: (ألا فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وهذا رواه البخاري . وقد تضمن قوله تعالى: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) معجزة كبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذه الآية الشريفة هي من معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال الإمام الماوردي في كتابه (أعلام النبوة) في الباب الثامن في معجزة عصمته صلى الله عليه وسلم، قال: أظهر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من أعلام نبوته بعد ثبوتها بمعجز القرآن، واستغنائه عما سواه من البرهان، ما جعله زيادة استبصار، يحتج بها من قلت فطنته، ويذعن لها من ضعفت بصيرته، ليكون إعجاز القرآن مدركاً بالخواطر الثاقبة تفكراً واستدلالاً، وإعجاز العيان معلوماً ببداية الحواس احتياطاً واستظهاراً. يعني أن القرآن الكريم نَوَّع طرق الدلالة على إعجازه، وذلك لاختلاف فهوم الناس ومستوياتهم العلمية والفكرية، وقدراتهم العقلية، فبعض الناس عندهم من القدرات العقلية والثقافة العقلية ما يمكنهم من التدبر في آيات القرآن والتفهم، بحيث يدركون أنه لا يمكن أن يكون له مصدر إلا الله سبحانه وتعالى، وبعض الناس يخاطبون بأمور أخرى هي -أيضاً- تدل على الإعجاز، لكن بطريقة يدركها الذي تضعف فطنته وقدرته، كهذا الوعد بأن الله سبحانه وتعالى يحفظ نبيه عليه الصلاة والسلام من أن يقتله أحد بقوله تعالى: (والله يعصمك من الناس)، فهذه الآية يستوي الجميع في فهمها، بخلاف ما تحتوي عليه من الدلالات على إعجاز القرآن مما يستعصي على عوام الناس أو صفار العقول، ولا يدركه إلا ذوو الفطنة والذكاء العالي. فيقول هنا: فيكون البليد مقهوراً بوهمه وعيه، واللبيب محجوزاً بفهمه وبيانه؛ لأن لكل فريق من الناس طريقاً هي عليهم أقرب ولهم أجذب، فكان ما جمع مقياد الفرق أوضح سبيلاً وأعم دليلاً، فمن معجزاته عصمته من أعدائه، مع أن هؤلاء الأعداء كانوا جماً غفيراً وعدداً كثيراً، وهم على أتم حنق عليه، وأشد طلباً لنفيه، وهو بينهم مسترسل قاهر، ولهم مخالط ومكاثر، ترمقه أبصارهم شذراً، وترتد عنه أيديهم ذعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً. يعني أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام كان في حالة خطيرة، وأعداء كثيرون جداً محيطون به من كل جانب، والعداوة أشد ما تكون في قلوبهم، ونار الغيظ والحقد والحرص على إيذائه على أشد ما تكون، وهو مع ذلك بينهم مسترسل متحرك يروح ويجيء ويبلغهم، وأصحابه من شدة الاضطهاد الذي تعرضوا له هاجروا، وبقي هو فيهم عليه الصلاة والسلام مع نفر من أصحابه حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً لم يكلم في نفس ولا جسد صلى الله عليه وسلم، وما كان ذلك إلا بعصمة إلهية وعده الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )) فعصمه منهم.

والمفسرون في هذا الموضع يذكرون قصصاً كثيرة جداً، كلها تؤكد هذا المعنى، ونقتصر على بعض منها:

محاولة أبي جهل قتل النبي صلى الله عليه وسلم

قال الماوردي : إن قريشاً اجتمعت في دار الندوة، وكان فيهم النضر بن الحارث بن كنانة وكان زعيم القوم، وساعده عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعر القوم، فحضهم على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: الموت خير لكم من الحياة. فقال بعضهم: كيف نصنع؟ فقال أبو جهل : هل محمد إلا رجل واحد؟! وهل بنو هاشم إلا قبيلة من قبائل قريش؟! فليس فيكم من يزهد في الحياة فيقتل محمداً ويريح قومه. وأطرق ملياً، فقالوا: من فعل هذا ساد. فقال أبو جهل : ما محمد بأقوى من رجل منا، وإني أقوم إليه فأشدخ رأسه بحجر، فإن قتلت أرحت قومي، وإن بقيت فذاك الذي أوثر. فخرجوا على ذلك، فلما اجتمعوا في الحطيم -والحطيم هو المثلث المتصل بين الركن اليماني- الذي فيه الحجر الأسود -وبئر زمزم ومقام إبراهيم عليه السلام، وسمي الحطيم لأن من حلف فيه كاذباً فإن الله يحطمه ويهلكه -فلما اجتمعوا في الحطيم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد جاء. فتقدم من الركن، فقام يصلي عليه الصلاة والسلام، فنظروا إليه يطيل الركوع والسجود، فقال أبو جهل : فإني أقوم فأريحكم منه. فأخذ مهراساً عظيماً، ودنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، لا يلتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يهابه وهو يراه، فاقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول يراه، ومع ذلك لم يلتفت إليه، وظل في صلاته، فلما دنا منه ارتعد وأرسل الحجر على رجله، أي: لما اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام ارتعش الكافر وسقط الحجر من بين يديه على رجله، فرجع وقد شدخت أصابعه وهو يرتعد، وقد انتفخت أوداجه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، فقال أبو جهل لأصحابه: خذوني إليكم. فالتزموه، وقد غشي عليه ساعة، فلما أفاق قال له أصحابه: ما الذي أصابك؟ قال: لما دنوت منه أقبل عليّ من رأسه فحل فاغر فاه، فحمل عليّ أسنانه فلم أتمالك، وإني أرى محمداً محجوباً. فقال له بعض أصحابه: يا أبا الحكم! رغبت وأحببت الحياة ورجعت. يعني: أنت تحتج وتقول: إنه ظهر لك هذا الفحل فاغراً فاه، وحمل عليك بأسنانه، وإنما أحببت الحياة ورجعت خوفاً من أن تموت. فقال: ما تغروني عن نفسي. قال النضر بن الحارث : فإن رجع غداً فأنا له. قالوا له: يا أبا سهل ! لئن فعلت هذا لتفوزن. فلما كان من الغد اجتمعوا في الحطيم منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أشرف عليهم قاموا بأجمعهم فواثبوه، فأخذ حفنة من تراب وقال: (شاهت الوجوه. وقال: حم لا ينصرون) فتفرقوا عنه، يقول: وهذا دفع إلهي وثق به من الله تعالى، فصبر عليه حتى وفاه الله، وكان من أقوى الشهادات على صدقه. وحصل نفس الموقف مع معمر بن يزيد وكلدة بن أسد ، كما ذكر المفسرون.

محاولة كلدة بن أسد قتل النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر أن كلدة بن أسد -وكان من القوة بمكان- خاطر قريشاً يوماً في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعظموا له الخطر إن هو كفاهم، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق يريد المسجد ما بين دار عقيل وعقال، فجاء كلدة ومعه المزراق، فرجع المزراق في صدره، فرجع فزعاً، فقالت له قريش: مالك يا أبا الأشد ؟ فقال: ويحكم! ما ترون الفحل خلفي؟! قالوا: ما نرى شيئاً. قال: ويحكم! فإني أراه. فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف، والطائف بينها وبين مكة خمسون كيلو متر تقريباً. ومعروف أن الطائف على هضبة مرتفعة، فصعد الجبل أيضاً، فاستهزأت به ثقيف، فقال: أنا أعذركم، فلو رأيتم ما رأيت لهلكتم.

محاولة أبي لهب قتل النبي صلى الله عليه وسلم

وذكر أن أبا لهب خرج يوماً وقد اجتمعت قريش، فقالوا له: يا أبا عتبة ! إنك سيدنا، وأنت أولى بمحمد منا، وإن أبا طالب هو الحائل بيننا وبينه، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ولا حمزة منك شيئاً، وأنت بريء من دمه، سنؤدي نحن الدية وتسود قومك، فقال: فإني أكفيكم. ففرحوا بذلك ومدحته خطباؤهم، فلما كان في تلك الليلة وكان مشرفاً عليه نزل أبو لهب وهو يصلي، وتسلقت امرأته أم جميل الحائط حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه، وبقيا مكانهما لا ينقلان قدماً ولا يقدران على فعل شيء حتى طلع الصبح، فتسمرا في مكانهما هو وامرأته، ولم يستطيعا حراكاً إلى أن طلع الصبح وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو لهب : يا محمد! أطلق عنا. فقال: ما كنت لأطلق عنكما أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني؟ قالا: قد فعلنا. فدعا ربه فرجعا.

مساومة عتبة بن ربيعة للنبي صلى الله عليه وسلم على ترك دينه

وذكر أن قريشاً اجتمعوا في الحطيم، فخطبهم عتبة بن ربيعة فقال: إن هذا ابن عبد المطلب قد نغص علينا عيشنا، وفرق جماعتنا، وبدد شملنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا. وكان في القوم وليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأمية ، وأبي ابنا خلف ، في جماعة من صناديد قريش، فقالوا له: قل ما شئت فإنا نطيعك. قال: سأقوم فأكلمه، فإن هو رجع عن كلامه وعما يدعو إليه وإلا رأينا فيه رأينا. فقالوا له: شأنك يا أبا عبد شمس ! فقام وتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده، فقال: أنعم صباحاً يا محمد. فقال: يا أبا عبد شمس ! إن الله قد أبدلنا بهذا السلام تحية أهل الجنة. قال: يا ابن أخي! إني قد جئتك من عند صناديد قريش لأعرض عليك أمورهم إن أنت قبلتها فلك الحظ فيها، ولنا فيها الفسحة، ثم قال: يا ابن عبد المطلب ! أنا زعيم قريش فيما قالت. قال: قل. قال: يا ابن عبد المطلب ! إنك دعوت العرب إلى أمر لا يعرفونه، فاقبل مني ما أقول لك، قال: قل. قال: إن كان ما تدعو إليه تطلب به ملكاً فإننا نملكك علينا من غير تعب ونتوجك، فارض عن ذلك. فسكت، ثم قال: وإن كان ما تدعو إليه أمراً تريد به امرأة حسناء فنحن نزوجك. فقال: (لا قوة إلا بالله)، ثم قال له: وإن كان ما تتكلم به تريد مالاً أعطيناك من الأموال حتى تكون أغنى رجل في قريش، فإن ذلك أهون علينا من تشتت كلمتنا وتفريق جماعتنا، وإن كان ما تدعو إليه جنوناً داويناك كما داوت قيس بني ثعلبة مجنونهم. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! ما تقول؟ وبم أرجع إلى قريش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [فصلت:1-4] حتى بلغ إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13])، قال عتبة : فلما تكلم بهذا الكلام فكأن الكعبة مالت حتى خفت أن تمس رأسي من ارتعادها. وقام فزعاً يجر رداءه، فرجع إلى قريش وهو ينتفض انتفاض العصفور، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقالت قريش: لقد ذهبت من عندنا نشيطاً ورجعت فزعاً مرعوباً، فما وراءك؟! قال: ويحكم! دعوني، إنه كلمني بكلام لا أدري منه شيئاً، ولقد رعدت عليّ الرعدة حتى خفت على نفسي، وقلت: الصاعقة قد أخذتني. فندموا على ذلك.

قصة سراقة في طريق الهجرة

كذلك من عصمته صلى الله عليه وسلم ما حصل في طريق الهجرة حين دخل هو وأبو بكر رضي الله تعالى عنه غار ثور. وكذلك ما حصل حينما لقيهما سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو من جملة من توجه لطلبه، فقال له أبو بكر : هذا سراقة قد قرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم! اكفنا سراقة)، فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها، فقال سراقة : يا محمد! ادع الله أن يطلقني ولك عليّ أن أرد من جاء يطلبك، ولا أعين عليك أبداً. فقال: (اللهم إن كان صادقاً فأطلق عن فرسه) فأطلق الله عنه، ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه. ومعلوم أنه -كما في بعض الروايات- حينما حصل ذلك لـسراقة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا سراقة ! كيف لك بسواري كسرى؟!). فاستغرب سراقة جداً، فكيف وهو يطارده الآن ويريد أن يقبل عليه حتى ينال الجائزة يعده الرسول عليه الصلاة والسلام بسواري كسرى؟! وعندما أسلم سراقة بعد ذلك خرج في الفتوحات الإسلامية في فارس، وكان في الجيش الذي استولى على قصور كسرى، وأتي عمر رضي الله تعالى عنه بسواري كسرى، ثم ألبسها سراقة في يده، وحينئذ تذكر سراقة هذا الوعد الذي وعده النبي صلى الله عليه وسلم.

المشرك يخترط سيف رسول الله فيمنعه الله منه

يقول الحافظ ابن كثير : ومن عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضاء، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب ؛ إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار، فبايعوه على الإسلام وعلى أن يحتمل إلى دارهم، وهي المدينة، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود، كل ما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منهم، ولهذا قصص كثيرة يطول ذكرها. منها: ما رواه ابن جرير بسنده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: الله عز وجل. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماؤه، فأنزل الله عز وجل: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )). وفي قصة أخرى: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس على رأس بئر قد دلى رجليه قال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمداً. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟! قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. قال: فأتاه فقال: يا محمد! أعطني سيفك أشيمه. فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حال الله بينك وبين ما تريد). ومن ذلك ما رواه الشيخان من حديث جابر : (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركتهم القائلة في واد كثير العضاه -أي: الأشواك- فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلق بها سيفه ونمنا معه نوماً، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً -يعني: شاهراً السيف- فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله -ثلاثاً- ولم يعاقبه، وجلس) والروايات في ذلك كثيرة جداً.

قال الماوردي : إن قريشاً اجتمعت في دار الندوة، وكان فيهم النضر بن الحارث بن كنانة وكان زعيم القوم، وساعده عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعر القوم، فحضهم على قتل محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: الموت خير لكم من الحياة. فقال بعضهم: كيف نصنع؟ فقال أبو جهل : هل محمد إلا رجل واحد؟! وهل بنو هاشم إلا قبيلة من قبائل قريش؟! فليس فيكم من يزهد في الحياة فيقتل محمداً ويريح قومه. وأطرق ملياً، فقالوا: من فعل هذا ساد. فقال أبو جهل : ما محمد بأقوى من رجل منا، وإني أقوم إليه فأشدخ رأسه بحجر، فإن قتلت أرحت قومي، وإن بقيت فذاك الذي أوثر. فخرجوا على ذلك، فلما اجتمعوا في الحطيم -والحطيم هو المثلث المتصل بين الركن اليماني- الذي فيه الحجر الأسود -وبئر زمزم ومقام إبراهيم عليه السلام، وسمي الحطيم لأن من حلف فيه كاذباً فإن الله يحطمه ويهلكه -فلما اجتمعوا في الحطيم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد جاء. فتقدم من الركن، فقام يصلي عليه الصلاة والسلام، فنظروا إليه يطيل الركوع والسجود، فقال أبو جهل : فإني أقوم فأريحكم منه. فأخذ مهراساً عظيماً، ودنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، لا يلتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يهابه وهو يراه، فاقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسول يراه، ومع ذلك لم يلتفت إليه، وظل في صلاته، فلما دنا منه ارتعد وأرسل الحجر على رجله، أي: لما اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام ارتعش الكافر وسقط الحجر من بين يديه على رجله، فرجع وقد شدخت أصابعه وهو يرتعد، وقد انتفخت أوداجه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، فقال أبو جهل لأصحابه: خذوني إليكم. فالتزموه، وقد غشي عليه ساعة، فلما أفاق قال له أصحابه: ما الذي أصابك؟ قال: لما دنوت منه أقبل عليّ من رأسه فحل فاغر فاه، فحمل عليّ أسنانه فلم أتمالك، وإني أرى محمداً محجوباً. فقال له بعض أصحابه: يا أبا الحكم! رغبت وأحببت الحياة ورجعت. يعني: أنت تحتج وتقول: إنه ظهر لك هذا الفحل فاغراً فاه، وحمل عليك بأسنانه، وإنما أحببت الحياة ورجعت خوفاً من أن تموت. فقال: ما تغروني عن نفسي. قال النضر بن الحارث : فإن رجع غداً فأنا له. قالوا له: يا أبا سهل ! لئن فعلت هذا لتفوزن. فلما كان من الغد اجتمعوا في الحطيم منتظرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أشرف عليهم قاموا بأجمعهم فواثبوه، فأخذ حفنة من تراب وقال: (شاهت الوجوه. وقال: حم لا ينصرون) فتفرقوا عنه، يقول: وهذا دفع إلهي وثق به من الله تعالى، فصبر عليه حتى وفاه الله، وكان من أقوى الشهادات على صدقه. وحصل نفس الموقف مع معمر بن يزيد وكلدة بن أسد ، كما ذكر المفسرون.

ذكر أن كلدة بن أسد -وكان من القوة بمكان- خاطر قريشاً يوماً في قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعظموا له الخطر إن هو كفاهم، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق يريد المسجد ما بين دار عقيل وعقال، فجاء كلدة ومعه المزراق، فرجع المزراق في صدره، فرجع فزعاً، فقالت له قريش: مالك يا أبا الأشد ؟ فقال: ويحكم! ما ترون الفحل خلفي؟! قالوا: ما نرى شيئاً. قال: ويحكم! فإني أراه. فلم يزل يعدو حتى بلغ الطائف، والطائف بينها وبين مكة خمسون كيلو متر تقريباً. ومعروف أن الطائف على هضبة مرتفعة، فصعد الجبل أيضاً، فاستهزأت به ثقيف، فقال: أنا أعذركم، فلو رأيتم ما رأيت لهلكتم.

وذكر أن أبا لهب خرج يوماً وقد اجتمعت قريش، فقالوا له: يا أبا عتبة ! إنك سيدنا، وأنت أولى بمحمد منا، وإن أبا طالب هو الحائل بيننا وبينه، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ولا حمزة منك شيئاً، وأنت بريء من دمه، سنؤدي نحن الدية وتسود قومك، فقال: فإني أكفيكم. ففرحوا بذلك ومدحته خطباؤهم، فلما كان في تلك الليلة وكان مشرفاً عليه نزل أبو لهب وهو يصلي، وتسلقت امرأته أم جميل الحائط حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فصاح به أبو لهب فلم يلتفت إليه، وبقيا مكانهما لا ينقلان قدماً ولا يقدران على فعل شيء حتى طلع الصبح، فتسمرا في مكانهما هو وامرأته، ولم يستطيعا حراكاً إلى أن طلع الصبح وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو لهب : يا محمد! أطلق عنا. فقال: ما كنت لأطلق عنكما أو تضمنا لي أنكما لا تؤذياني؟ قالا: قد فعلنا. فدعا ربه فرجعا.

وذكر أن قريشاً اجتمعوا في الحطيم، فخطبهم عتبة بن ربيعة فقال: إن هذا ابن عبد المطلب قد نغص علينا عيشنا، وفرق جماعتنا، وبدد شملنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا. وكان في القوم وليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام ، وشيبة بن ربيعة ، والنضر بن الحارث ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأمية ، وأبي ابنا خلف ، في جماعة من صناديد قريش، فقالوا له: قل ما شئت فإنا نطيعك. قال: سأقوم فأكلمه، فإن هو رجع عن كلامه وعما يدعو إليه وإلا رأينا فيه رأينا. فقالوا له: شأنك يا أبا عبد شمس ! فقام وتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده، فقال: أنعم صباحاً يا محمد. فقال: يا أبا عبد شمس ! إن الله قد أبدلنا بهذا السلام تحية أهل الجنة. قال: يا ابن أخي! إني قد جئتك من عند صناديد قريش لأعرض عليك أمورهم إن أنت قبلتها فلك الحظ فيها، ولنا فيها الفسحة، ثم قال: يا ابن عبد المطلب ! أنا زعيم قريش فيما قالت. قال: قل. قال: يا ابن عبد المطلب ! إنك دعوت العرب إلى أمر لا يعرفونه، فاقبل مني ما أقول لك، قال: قل. قال: إن كان ما تدعو إليه تطلب به ملكاً فإننا نملكك علينا من غير تعب ونتوجك، فارض عن ذلك. فسكت، ثم قال: وإن كان ما تدعو إليه أمراً تريد به امرأة حسناء فنحن نزوجك. فقال: (لا قوة إلا بالله)، ثم قال له: وإن كان ما تتكلم به تريد مالاً أعطيناك من الأموال حتى تكون أغنى رجل في قريش، فإن ذلك أهون علينا من تشتت كلمتنا وتفريق جماعتنا، وإن كان ما تدعو إليه جنوناً داويناك كما داوت قيس بني ثعلبة مجنونهم. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! ما تقول؟ وبم أرجع إلى قريش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [فصلت:1-4] حتى بلغ إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [فصلت:13])، قال عتبة : فلما تكلم بهذا الكلام فكأن الكعبة مالت حتى خفت أن تمس رأسي من ارتعادها. وقام فزعاً يجر رداءه، فرجع إلى قريش وهو ينتفض انتفاض العصفور، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقالت قريش: لقد ذهبت من عندنا نشيطاً ورجعت فزعاً مرعوباً، فما وراءك؟! قال: ويحكم! دعوني، إنه كلمني بكلام لا أدري منه شيئاً، ولقد رعدت عليّ الرعدة حتى خفت على نفسي، وقلت: الصاعقة قد أخذتني. فندموا على ذلك.

كذلك من عصمته صلى الله عليه وسلم ما حصل في طريق الهجرة حين دخل هو وأبو بكر رضي الله تعالى عنه غار ثور. وكذلك ما حصل حينما لقيهما سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو من جملة من توجه لطلبه، فقال له أبو بكر : هذا سراقة قد قرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم! اكفنا سراقة)، فأخذت الأرض قوائم فرسه إلى إبطها، فقال سراقة : يا محمد! ادع الله أن يطلقني ولك عليّ أن أرد من جاء يطلبك، ولا أعين عليك أبداً. فقال: (اللهم إن كان صادقاً فأطلق عن فرسه) فأطلق الله عنه، ثم أسلم سراقة وحسن إسلامه. ومعلوم أنه -كما في بعض الروايات- حينما حصل ذلك لـسراقة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا سراقة ! كيف لك بسواري كسرى؟!). فاستغرب سراقة جداً، فكيف وهو يطارده الآن ويريد أن يقبل عليه حتى ينال الجائزة يعده الرسول عليه الصلاة والسلام بسواري كسرى؟! وعندما أسلم سراقة بعد ذلك خرج في الفتوحات الإسلامية في فارس، وكان في الجيش الذي استولى على قصور كسرى، وأتي عمر رضي الله تعالى عنه بسواري كسرى، ثم ألبسها سراقة في يده، وحينئذ تذكر سراقة هذا الوعد الذي وعده النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول الحافظ ابن كثير : ومن عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضاء، ونصب المحاربة له ليلاً ونهاراً، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب ؛ إذ كان رئيساً كبيراً مطاعاً في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيراً، ثم قيض الله له الأنصار، فبايعوه على الإسلام وعلى أن يحتمل إلى دارهم، وهي المدينة، فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود، كل ما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سمه اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منهم، ولهذا قصص كثيرة يطول ذكرها. منها: ما رواه ابن جرير بسنده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه، ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: الله عز وجل. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماؤه، فأنزل الله عز وجل: (( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ )). وفي قصة أخرى: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس على رأس بئر قد دلى رجليه قال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمداً. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟! قال: أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. قال: فأتاه فقال: يا محمد! أعطني سيفك أشيمه. فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حال الله بينك وبين ما تريد). ومن ذلك ما رواه الشيخان من حديث جابر : (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركتهم القائلة في واد كثير العضاه -أي: الأشواك- فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فعلق بها سيفه ونمنا معه نوماً، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتاً -يعني: شاهراً السيف- فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: الله -ثلاثاً- ولم يعاقبه، وجلس) والروايات في ذلك كثيرة جداً.

قال تبارك وتعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [المائدة:68]. يقول السيوطي رحمه الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) يعني: لستم على شيء من الدين معتد به؛ لأن الدين عند الله الإسلام. فالدين الذي يعتد به عند الله هو الإسلام: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، ولذلك فمعنى (لستم على شيء) لستم على شيء من الدين معتد به. (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني: بأن تعملوا بما فيه ومنه الإيمان به، والمقصود هنا التوراة والإنجيل الحقيقيين الذين أنزلهما الله على موسى وعيسى قبل أن يحرفهما أهل الكتاب. (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني: من القرآن (طُغْيَانًا وَكُفْرًا) لكفرهم به، كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء:82]، فكلما نزلت الآيات يزداد فريق إيماناً وفريق يزداد كفراً؛ لأنهم كلما كفروا بآية جديدة أو بسورة جديدة ازدادوا كفراً؛ لأن الكفر يزيد وينقص، وبعضه أشد من بعض، كما قال تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة:37] فكذلك هنا، فكلما نزل شيء من القرآن زادوا كفراً وطغياناً. (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) أي: لا تحزن على القوم الكافرين إن لم يؤمنوا بك. أي: لا تهتم بهم. يقول القاسمي : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ) يعني: من الدين (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) أي: تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التي من جملتها دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، فالإقامة: هي الإتيان بالعمل على أحسن أوجهه، كإقامة الصلاة مثلاً، ولا يدخل في ذلك القصص التي فيهما ولا العقائد ونحوها، فإنها ليست عملية، والأمر هنا في القضايا العملية. والمراد أن يعملوا بما بقي عندهم من أحكام التوراة والإنجيل على علته، وعلى ما به من نقص وتحريف وزيادة، فإن شرائع هذه الكتب وأوامرها ونواهيها هي أقل أقسامها تحريفاً، وأكثر التحريف وقع في القصص والأخبار والعقائد وما تلاها. وعلى أي الأحوال فهذا الكلام فيه نظر، والصحيح أن الآية ((لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل)) تعني الحقيقيين، وهذا يستلزم بالنسبة لليهود والنصارى الذين كانوا أحياء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن فيه حثاً لهم على التمحيص والتحري والتنقيب والبحث والجد والاجتهاد في نقد ما عندهم من هذه الكتب نقداً عقلياً تاريخياً صحيحاً، حتى يستخلصوا حقهما من باطلهما بقدر الإمكان، ولا سيما في ذلك العناء كله أن يكونوا على شيء من الدين الحق، ولو اتبعوا القرآن لأراحوا واستراحوا، لكنهم لا يزيدهم القرآن إلا طغياناً وكفراً وحسداً وعناداً، فلا يؤمنون به. ولا يمكن أن يفهم أنهم إذا أقاموا التوراة سيكونون على الدين الحق، لا، بل سوف يكونون على شيء من الدين بعد التحري والتنقيب، فالذي يكون على شيء من الدين صحيح أفضل وأولى ممن لا يكون على شيء من الدين، لكن في الحالتين هو ليس على الدين الحق الكامل؛ لأنه لا يتم له ذلك حتى يدخل في الإسلام، كما قال تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83]، ولا يخفى أنهم إذا أقاموا التوراة والإنجيل آمنوا بمحمد صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن النصوص الموجودة حتى الآن في التوراة والإنجيل واضحة وضوحاً كثيراً في الدلالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة التوبة [107-110] 2814 استماع
تفسير سورة المدثر [31-56] 2614 استماع
تفسير سورة البقرة [243-252] 2577 استماع
تفسير سورة البلد 2563 استماع
تفسير سورة التوبة [7-28] 2556 استماع
تفسير سورة الطور [34-49] 2540 استماع
تفسير سورة الفتح [3-6] 2499 استماع
تفسير سورة المائدة [109-118] 2435 استماع
تفسير سورة الجمعة [6-11] 2407 استماع
تفسير سورة آل عمران [42-51] 2396 استماع