كيف تحفظ جوارحك؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-

فنحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على ما منَّ به علينا من النعم، ونسأله عز وجل ونتضرع ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل لنا ذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وعملاً صالحاً مقبولاً، وقلوباً وأبصاراً سليمة، وألسنة كافة عما حرم الله تبارك وتعالى، وجوارحاً تستعمل في طاعته، ولا يستزلها الشيطان لتعمل في معصيته.

ثم إن الموضوع الذي أريد أن أتحدث به ليس هو بجديد عليكم، ولكن التذكير به واجب، لأن يجب علينا أن نتذاكر به نحن طلبة العلم، كما يجب علينا أن ننصح لعامة الأمة، فإن كثيراً من الأدواء والعلل قد تعتري قلوبنا ونحن لا نعلم بها، بل ربما تصيبنا بعض الآفات الخطيرة ونحن مشغولون بمعالجة أدواء الناس، ونعوذ بالله من ذلك ونستجير به عز وجل أن نكون ممن قال الله -تبارك وتعالى- فيهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44] ومن هنا كان التذكير واجباً، فكل منا عرضة لمثل هذه الذنوب والعيوب، ولا سيما في زمن كثرت فيه الفتن والمثيرات، وكثر فيه الإفساد، وقل الناصحون.

فالواجب علينا جميعا أن نوصي أنفسنا، ويوصي بعضنا بعضاً بحفظ هذه الجوارح التي ائتمننا الله تبارك وتعالى عليها، فإن الله عز وجل لما قال إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] فإنه يدخل في ذلك حفظ هذا البدن الذي أعطاك الله تبارك وتعالى إياه وامتن به عليك، كما قال الله عز وجل: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل:78] وهذا فيه حض وحث وتنبيه أن نشكر نعمة الله تبارك وتعالى على ما أعطانا من هذه الأعضاء ومن هذه الجوارح، والتي ميزنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها عن سائر خلقه، وفضلنا بها عن باقي ما خلق من الدواب.

فجعل لنا سمعاً وأبصاراً وأفئدة وعقولاً نهتدي بها، ونعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والتوحيد من الشرك، والسنة من البدعة، والطاعة من المعصية، والحسنة من السيئة، ونعمل بمقتضى ذلك بجوارحنا الظاهرة، لأن هذه من نعم الله العظيمة، والواجب فيها أن نشكر الله تبارك وتعالى عليها، وأن نراعي حق الأمانة الذي ائتمنا عليها، فالمال أمانة، واليد أمانة، والعين أمانة، والقلب أمانة، وكل ذلك مما يجب علينا جميعاً أن نحفظه، وأن نعتني ونهتم به، ونتوقع السؤال عنه بين يدي الله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

فلا يغرن العبد منا شيطان من شياطين الإنس أو الجن، فيحسب أنه غير مسئول، وأنه يفكر كما يشاء، ويعتقد ما يشاء، وينظر إلى ما يشاء، ويتناول بيده ما يشاء، ويعمل بفرجه ما يشاء، ويمشي برجليه إلى حيث شاء، من قال لك ذلك؟ ومن قال لك هذا؟!

إنك عبد، ولا يخرج واحد منا عن عبودية الله -تبارك وتعالى- بحال من الأحوال، والعبد مأمور أن يستخدم ما أعطاه سيده فيما أمره به لا فيما نهاه عنه، والله تبارك وتعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] واليقين هو الموت، كما قال الله تبارك وتعالى : حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:47] وكما جاء في حديث عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه عندما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أما عثمان فقد أتاه اليقين من ربه) فلا بد أن نعبد الله حتى الموت.

فلا ينتهي عقد الأمانة الذي ائتمنك الله تبارك وتعالى عليه إلا بموتك، فحينئذ ينتهي هذا العقد، أما ما دمت حياً فأنت مسئولٌ عن هذه الأعضاء، والجوارح جميعاً، ألا تستخدمها إلا فيما أمرك به سيدك وخالقك، وربك الذي أعطاكها، ومنّ بها عليك وقد حرمها كثيراً من الخلق.

فكثير من الخلق لم يرزقه الله تبارك وتعالى قلباً يعقل به فتراه مجنوناً، فاحمد ربك الذي أعطاك العقل والفؤاد لتعي وتتذكر كلما رأيت من لا عقل له، واعلم أن الواجب عليك أن تستخدم قلبك وفكرك وعقلك في طاعة الله تبارك وتعالى، وبعض الناس خلقه الله تبارك وتعالى لا بصر له مطلقاً، فإذا رأيت أحداً من ذلك فاذكر نعمة الله تعالى عليك، واحمد الله الذي أعطاك عينين تبصر بهما وترى وتميز وتستخدمها في حياتك فيما ينفعك في الدنيا والآخرة، وبعض الناس لم يعطه الخالق تبارك وتعالى -وله في ذلك حكمة- أذنين، وقد أعطاكها فأنت تسمع بهما، فاحمد الله تبارك وتعالى واشكره ولا تسمع بهما إلا ما يرضي هذا المنعم المتفضل تبارك وتعالى.

ويجب علينا جميعاً أن نعلم أن أهم هذه الأعضاء التي يجب أن نبدأ بها ونصلحها هو القلب، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) هذا الارتباط العجيب بين القلب وبين الأعضاء قال فيه أبو هريرة رضي الله عنه، وجاء -أيضاً- عن غيره من السلف أنه قال: [القلب ملك والأعضاء جنوده].

فقال شَيْخُ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله: ''إن قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الحديث المتقدم أبلغ وأبين من قول أبي هريرة رضي الله عنه ومن قال هذه العبارة، لأن الارتباط بين الأعضاء والقلب ارتباط عضوي لا يمكن أن يختلف ولا يمكن أن ينفصل، أما الارتباط في الصلاح والفساد بين الملك وجنوده، فهذا قد يقع فيه الاختلاف، فربما صلح الملك وفسد الجنود، وربما فسد الملك وصلح الجنود، وربما فسد الملك وصلح بعض الجنود وفسد بعضهم''.

فهذا البيان من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبلغ البيان في أن القلب إن صلح صلح الجسد كله، وإن فسد فسد الجسد كله، وأن مادته مادتان: مادة صلاح ومادة فساد فهو للأغلب منهما، ولهذا تجد أن كثيراً من الناس يعمل بالطاعات ويخلطها بالمعاصي، لأن القلب تمده مادتان، مادة خير وصلاح وحياة وذكر واعتبار ووعظ، ومادة أخرى وهي مادة فساد وشهوة وشبه وما إلى ذلك، نسأل الله أن يحفظنا وإياكم.

أساس سلامة القلب

وقد جاء في دعاء إمام الموحدين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89] فسلامة القلب هي دليل ومعيار النجاة من عذاب الله تبارك وتعالى، ومن الخزي يوم القيامة وشدته، وعبوسه، وكرباته، كل هذا يكون بسلامة القلب، وسلامة القلب تكون بأمرين لا يجوز أن نغفل عنهما، بل يجب أن نعلمهما:

أما الأول: سلامته من الشبهة، وأعظم ما ينبغي في ذلك أن يسلم القلب من الشرك بالله تبارك وتعالى، وألا يكون في قلب العبد المؤمن شيئاً من الشرك لغير الله -عز وجل- سواء كان ذلك بالتقرب، أو بالتأله في الدعاء، أو التوكل، أو الخشوع، أو الخوف، أو الرجاء، وفي أصول هذه الأعمال التي هي أساس أعمال القلب، فليحذر العبد أن يكون مشركاً مع الله -تبارك وتعالى- بشيء من هذه الأعمال والتعبدات.

ويجب أن تكون هذه الأعمال خالصة لله تبارك وتعالى، فيسلم القلب من الشرك، ويسلم من الشبهة التي تدفعه إلى الابتداع ومخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أمر الله -عز وجل- بطاعته واتباعه وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1].

فلا بد أن يتواطأ هذا القلب ويتفق اتفاقاً كاملاً مع ما جاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تنقدح فيه شبهة من شبه أهل البدع والضلال، إما بميل إلى رأي أهل الغلو كـالخوارج ومن ماثلهم، أو ميل إلى رأي أهل التفريط كمثل رأي أهل الإرجاء وأشباههم، أو أن يعبد الله -تبارك وتعالى- بما لم يشرعه، كما يفعله أهل التصوف وأشباههم، كل ذلك لا يصح وإنما الواجب السلامة منها، فالقلب السليم هو الذي سلم من الشبهات ومن المعارضات، والمنازعات والمدافعات، فكل ما شرعه الله وشرعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو الحق الواجب اتباعه والإذعان له فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

فصاحبه مذعن منقاد مستسلم بقلبه، لا يبحث إلا عن صحة الحديث، فإذا صح الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت وكان معناه معلوماً لديه، فهو يعتقده إن كان من الخبريات والاعتقاديات، ويعمل به ويمتثله إن كان من العمليات، فهذا هو الجانب الأول: السلامة: أي سلامة القلب من الشبهات.

الثاني: سلامة القلب من الشهوات: وهي كثيرة -نسأل الله العفو والعافية- وهي التي تدفع الإنسان إلى أن يخرج عن الجادة وعن الطريق المستقيم، ينحرف عن طريق الجنة إلى طريق النار، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} والإنسان إذا أراد طريق الجنة فإنه لا يمكن أن تتحق شهواته ورغباته كلها، أما النار فإنها حجبت وحفت بالشهوات، فمن سلك طريقها وصل إلى شهواته ورغباته نسأل الله العفو والعافية.

فانظر يا أخي المسلم في أي الطريقين أنت؟! إن كنت تلاقي العنت من حفظ نفسك وتصبيرها عن الوقوع في الشهوات والشبهات فأنت على طريق الجنة، فأنت وإن كنت تريد المال وهو معروض عليك، ولكن لأنه حرام لا تقبله، ومعروض عليك شهوة النساء، ولكن لأنك تخشى الله وتتقيه وتستعصم به، فأنت لا تريد إلا أن يكون حلالاً، ومعروضة لديك شهوات كثيرة ومغريات تشتاق إليها النفوس ويتسارع إليها الناس، ولكنك تعرض عنها ابتغاء وجه الله، ومرضاته، فأبشر بالخير، واعلم أنك على طريق الجنة إن شاء الله.

أما من أتبع نفسه هواها، وأصبح لا يشتهي أمراً إلا وأخذه من حلالٍ أو حرام، ولا تشتاق نفسه إلى شهوة إلا وسعى في تحصيلها ولا يبالي بأمر الله -تبارك وتعالى- فيها، فهذا ساع على طريق أهل النار، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من ذلك، والشهوات كثيرة كما أن الشبهات كثيرة، وأساس ذلك كله هو ما يعتري القلب من أمراض.

أساس فساد القلب

بعض العلماء جعلوا أساس فساد القلب بالشهوات كالحسد، وبعضهم قالوا: هو القوة الغضبية، وبعضهم قالوا هي: قوتين أو أكثر، وأخذوا ذلك من قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] قال العلماء رحمهم الله تعالى ومنهم ابن القيم: هذه الآية حذرت من ثلاثة أمور: الشرك، ودعوة غير الله، وهذا معلوم التحذير منه إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وما عدا ذلك فإن الموضوعان الآخران فيهما إشارة إلى القوتين اللتين في الإنسان، أو الخصلتين اللتين هما أساس كل معصية وذنب يفعله العبد، وهما القوة الغضبية والقوة الشهوانية.

القوة الغضبية تبدأ بأن تغضب من إنسان بغير حق، ثم تعتدي عليه بالضرب وتأخذ ماله، ثم تنتهي بقتله وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان:68] فنبه الله تعالى على نهاية وغاية القوة الغضبية -حفظني الله وإياكم منها- ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى الرجل مراراً {لا تغضب} فكل منا يعرف نفسه، فإذا كان ممن فيه حدة في جانب القوة الغضبية فليتدارك نفسه ولا يغضب، وليعالجها بالأدوية النبوية وقد بينها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإما أن تكون القوة قوة شهوانية، وهذه القوة الشهوانية أول بدايتها تكون من الجوراح، بالنظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر:

كل الحوادث مبداها من النظر     ومعظم النار من مستصغر الشرر

أول ما يبدأ بالنظر، فيمد الإنسان عينيه إلى ما حرم الله -تبارك وتعالى- ويتبع ذلك النظر اتباع القلب، فيميل القلب وينصب ويعشق ويهوى ويتمنى، ثم بعد ذلك يدفع المال أو يبذل السبل، ثم تكون النهاية هي الوقوع في الفاحشة -والعياذ بالله- فيكون الزنا فلهذا قال: وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] فنهى عن الزنا بعد أن نهى عن الشرك وعن القتل، فالقوة الغضبية والقوة الشهوانية هما أساس كل ذنب ومعصية.

فساد القلب بالحسد

والذين قالوا: إن الحسد هو أساس فساد الجوارح من القلب والأعضاء جميعاً لم يذهبوا بعيداً، فهو إما أن يكون ناشئاً عن القوة الغضبية لأنه نوع منها، لكنه يتجه اتجاهاً آخر -نسأل الله العفو والعافية- يتجه إلى الإنكار على المنعم وعلى المتفضل تبارك وتعالى، الجواد الكريم الذي أعطى كل نفس مخلوقة كما قال: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] فهو الذي يعطي من يحب ومن لا يحب، يعطي الكافرين ويعطي المؤمنين، فالحاسد يتجه حقيقة إلى الاعتراض على الله -تبارك وتعالى- لماذا؟

لأن فيه القوة الغضبية التي جعلته يكره هذا الرجل المحسود وينفر منه ثم زادت حتى أدت به إلى الوصول إلى الاعتراض على من أعطاه ومن منّ وتفضل عليه، فالمقصود أن هذا ناشئ عن القوة الغضبية أيضاً.

ولهذا كان من أدلتهم على ذلك أن أول ذنب عصي الله تبارك وتعالى به، ونشأ عنه الكفر والفساد في الدنيا كلها من بني آدم هو الحسد، لأن أصل وقوع الفتنة والشرك والكفر والفواحش والبغي والعدوان في الدنيا هو من إبليس اللعين، وما الذي دفعه إلى ذلك الحسد؟

دفعه إلى ذلك أمر الله تبارك وتعالى الملائكة بأن تسجد لهذا المخلوق آدم عليه السلام أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء:61] أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] حسده ولم يقبل أمر الله تبارك وتعالى في أن يسجد له كسائر الملائكة الكرام الذين استجابوا لأمر الله ولم يعترضوا عليه، وهكذا يجب على العبد دائماً ألا يعترض على أوامر الله فينشأ من ذلك الحسد والإباء والاستكبار أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34] ثم بعد ذلك الكفر، فالحسد جعله الله تبارك وتعالى سبباً لوقوع الكفر والفواحش والمصائب والبلايا في هذه الدنيا نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من همز الشيطان ونفخه ونفثه وشره كله.

إذاً: هذه قضية الحسد، ويجب على الإنسان أن يطهر قلبه من الحسد والغش والغل لإخوانه المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان، وأن يدعو الله تبارك وتعالى ألا يجعل في قلبه غلاً للذين آمنوا، كما وصف الله تبارك وتعالى عباده الصالحين.

وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الرجل الذي خرج إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مجلسه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ومعه أصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم، ولحيته تقطر من أثر الوضوء، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة} وانظروا إلى هذا الوصف العظيم، ما معنى من أهل الجنة؟!

وهل هي كلمة عادية؟

أي من الفائزين، من الذين رضي الله تبارك وتعالى عنهم، أي: أن هذا الرجل ما بينه وبين التمتع بنعيم الجنة -التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر- إلا أن يموت فقط، فتعجب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وثلاث مرات يخرج ذلك الرجل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه هذا القول، فحرص الصحابة لمعرفة سبب هذا الفوز، وكان أكثر حرصهم على الخير مثل حرص أحدنا اليوم على الدنيا، فحرص على ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها.

فذهب يستطلع الخبر ويخبر بعد ذلك بقية الصحابة، فذهب إليه وسلم عليه وقال: يا أخي، إني لاحيت أبي -أي: خاصمت أبي- فحلفت ألا أبيت عنده ثلاثاً -أي: ثلاث ليال- فأريد أن تؤويني عندك، فآواه عنده، وما غرضه إلا أن ينظر لعمله، يقول: عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه فما وجدت له من شيء كما كنت أتوقع، إلا أنه إذا قام من الليل أو تحرك ذكر الله عز وجل، لم يجد فيه أكثر من ذلك، لم يجد فيه زيادة عبادة أو صيام أو صلاة أو ذكر.

فلما كان اليوم الثالث كدت احتقر ما عنده من عمل، فقلت له: أيها الرجل إني لم يكن بيني وبين أبي مُلاحاة، وإنما جئتك لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيك كذا، فأحببت أن أرى عملك، فما رأيت فيك شيئاً غير ما كنت قد رأيت، قال: ما هو إلا ذاك قال: ثم وليت، فقال لي الرجل لما وليت: تعال، فرجعت، فقال: ما هو إلا ما رأيت، إلا أني لا أبيت ليلة من الليالي وفي قلبي غش أو حسد لمسلم على نعمة أنعم الله تعالى بها عليه، قال: فذلك الذي به بلغت ما بلغت، وذلك الذي لا نطيق.

سبحان الله! قلب سليم ليس فيه غش لأي مسلم، ولا حسد على نعمة أنعم الله بها عليه، من يستطيع لهذا إلا أصحاب النفوس التي سمت وعلت وزكت وعلمت أن النعم من الله، وعلمت أن الفضل كله من الله، والخزائن كلها بيديه، والخلق خلقه، وأن العبيد عبيده، وأنه يبتلي هذا بالفقر، وهذا بالغنى، ويبتلي هذا بالصحة، ويبتلي هذا بالمرض، وكلنا يجب أن نطيع أمره، ونقبل حكمه الشرعي كما نقبل حكمه الكوني القدري، فإن جعلنا من أهل الابتلاء والفقر والمرض والألم، صبرنا واحتسبنا، وإن جعلنا من أهل اليسار والغنى والمال والعافية، شكرنا واحتسبنا، فلا يطغينا هذا أو يلهينا ذاك، هذه هي سلامة القلب من ذلك كله.

فلما سلم قلب هذا الصحابي رضي الله تعالى عنه من الشرك والبدعة والهوى، سلم مما هو أدق من ذلك وهو الغش للمسلمين أو الحسد لهم، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من غش فليس منا} وفي الرواية الأخرى يقول: {من غشنا فليس منا} لأن المؤمن لا يغش ولا يحسد أخاه.

فمن صفة أهل الكتاب التي جعلتهم يكفرون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته الحسد، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى عنهم: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] وقال في الآيات الأخرى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109]، وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف حسدنا اليهود على رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه بعث من العرب، وحسدونا على القبلة، ويوم الجمعة، وعلى أن وفقنا الله له ولم يعرفوه، وحسدونا حتى على كلمة (آمين)، وما من شيء في ديننا إلا وحسدنا عليه اليهود والنصارى وأشباههم، ونتيجة هذا الحسد استكبروا وأبوا أن يذعنوا للحق، ورفضوا الإيمان بهذا الدين العظيم.

والمؤمن لا يحسد أحداً من إخوانه المسلمين أبداً، بل المؤمن لو رأى أهل الكفر يتنعمون ويتلذذون ويعبثون بالأموال كما يشاءون يعلم أن ذلك ابتلاء لهم وأنه مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:197] فلا تقلبهم في البلاد، ولا يغره تقلبهم في النعم وهم كفار، فكيف تحسد إخوانك المسلمين المؤمنين؟!

وقد جاء في دعاء إمام الموحدين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:87-89] فسلامة القلب هي دليل ومعيار النجاة من عذاب الله تبارك وتعالى، ومن الخزي يوم القيامة وشدته، وعبوسه، وكرباته، كل هذا يكون بسلامة القلب، وسلامة القلب تكون بأمرين لا يجوز أن نغفل عنهما، بل يجب أن نعلمهما:

أما الأول: سلامته من الشبهة، وأعظم ما ينبغي في ذلك أن يسلم القلب من الشرك بالله تبارك وتعالى، وألا يكون في قلب العبد المؤمن شيئاً من الشرك لغير الله -عز وجل- سواء كان ذلك بالتقرب، أو بالتأله في الدعاء، أو التوكل، أو الخشوع، أو الخوف، أو الرجاء، وفي أصول هذه الأعمال التي هي أساس أعمال القلب، فليحذر العبد أن يكون مشركاً مع الله -تبارك وتعالى- بشيء من هذه الأعمال والتعبدات.

ويجب أن تكون هذه الأعمال خالصة لله تبارك وتعالى، فيسلم القلب من الشرك، ويسلم من الشبهة التي تدفعه إلى الابتداع ومخالفة سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي أمر الله -عز وجل- بطاعته واتباعه وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1].

فلا بد أن يتواطأ هذا القلب ويتفق اتفاقاً كاملاً مع ما جاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا تنقدح فيه شبهة من شبه أهل البدع والضلال، إما بميل إلى رأي أهل الغلو كـالخوارج ومن ماثلهم، أو ميل إلى رأي أهل التفريط كمثل رأي أهل الإرجاء وأشباههم، أو أن يعبد الله -تبارك وتعالى- بما لم يشرعه، كما يفعله أهل التصوف وأشباههم، كل ذلك لا يصح وإنما الواجب السلامة منها، فالقلب السليم هو الذي سلم من الشبهات ومن المعارضات، والمنازعات والمدافعات، فكل ما شرعه الله وشرعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو الحق الواجب اتباعه والإذعان له فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65].

فصاحبه مذعن منقاد مستسلم بقلبه، لا يبحث إلا عن صحة الحديث، فإذا صح الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت وكان معناه معلوماً لديه، فهو يعتقده إن كان من الخبريات والاعتقاديات، ويعمل به ويمتثله إن كان من العمليات، فهذا هو الجانب الأول: السلامة: أي سلامة القلب من الشبهات.

الثاني: سلامة القلب من الشهوات: وهي كثيرة -نسأل الله العفو والعافية- وهي التي تدفع الإنسان إلى أن يخرج عن الجادة وعن الطريق المستقيم، ينحرف عن طريق الجنة إلى طريق النار، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات} والإنسان إذا أراد طريق الجنة فإنه لا يمكن أن تتحق شهواته ورغباته كلها، أما النار فإنها حجبت وحفت بالشهوات، فمن سلك طريقها وصل إلى شهواته ورغباته نسأل الله العفو والعافية.

فانظر يا أخي المسلم في أي الطريقين أنت؟! إن كنت تلاقي العنت من حفظ نفسك وتصبيرها عن الوقوع في الشهوات والشبهات فأنت على طريق الجنة، فأنت وإن كنت تريد المال وهو معروض عليك، ولكن لأنه حرام لا تقبله، ومعروض عليك شهوة النساء، ولكن لأنك تخشى الله وتتقيه وتستعصم به، فأنت لا تريد إلا أن يكون حلالاً، ومعروضة لديك شهوات كثيرة ومغريات تشتاق إليها النفوس ويتسارع إليها الناس، ولكنك تعرض عنها ابتغاء وجه الله، ومرضاته، فأبشر بالخير، واعلم أنك على طريق الجنة إن شاء الله.

أما من أتبع نفسه هواها، وأصبح لا يشتهي أمراً إلا وأخذه من حلالٍ أو حرام، ولا تشتاق نفسه إلى شهوة إلا وسعى في تحصيلها ولا يبالي بأمر الله -تبارك وتعالى- فيها، فهذا ساع على طريق أهل النار، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من ذلك، والشهوات كثيرة كما أن الشبهات كثيرة، وأساس ذلك كله هو ما يعتري القلب من أمراض.

بعض العلماء جعلوا أساس فساد القلب بالشهوات كالحسد، وبعضهم قالوا: هو القوة الغضبية، وبعضهم قالوا هي: قوتين أو أكثر، وأخذوا ذلك من قول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً [الفرقان:68] قال العلماء رحمهم الله تعالى ومنهم ابن القيم: هذه الآية حذرت من ثلاثة أمور: الشرك، ودعوة غير الله، وهذا معلوم التحذير منه إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وما عدا ذلك فإن الموضوعان الآخران فيهما إشارة إلى القوتين اللتين في الإنسان، أو الخصلتين اللتين هما أساس كل معصية وذنب يفعله العبد، وهما القوة الغضبية والقوة الشهوانية.

القوة الغضبية تبدأ بأن تغضب من إنسان بغير حق، ثم تعتدي عليه بالضرب وتأخذ ماله، ثم تنتهي بقتله وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان:68] فنبه الله تعالى على نهاية وغاية القوة الغضبية -حفظني الله وإياكم منها- ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى الرجل مراراً {لا تغضب} فكل منا يعرف نفسه، فإذا كان ممن فيه حدة في جانب القوة الغضبية فليتدارك نفسه ولا يغضب، وليعالجها بالأدوية النبوية وقد بينها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وإما أن تكون القوة قوة شهوانية، وهذه القوة الشهوانية أول بدايتها تكون من الجوراح، بالنظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر:

كل الحوادث مبداها من النظر     ومعظم النار من مستصغر الشرر

أول ما يبدأ بالنظر، فيمد الإنسان عينيه إلى ما حرم الله -تبارك وتعالى- ويتبع ذلك النظر اتباع القلب، فيميل القلب وينصب ويعشق ويهوى ويتمنى، ثم بعد ذلك يدفع المال أو يبذل السبل، ثم تكون النهاية هي الوقوع في الفاحشة -والعياذ بالله- فيكون الزنا فلهذا قال: وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] فنهى عن الزنا بعد أن نهى عن الشرك وعن القتل، فالقوة الغضبية والقوة الشهوانية هما أساس كل ذنب ومعصية.

والذين قالوا: إن الحسد هو أساس فساد الجوارح من القلب والأعضاء جميعاً لم يذهبوا بعيداً، فهو إما أن يكون ناشئاً عن القوة الغضبية لأنه نوع منها، لكنه يتجه اتجاهاً آخر -نسأل الله العفو والعافية- يتجه إلى الإنكار على المنعم وعلى المتفضل تبارك وتعالى، الجواد الكريم الذي أعطى كل نفس مخلوقة كما قال: كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [الإسراء:20] فهو الذي يعطي من يحب ومن لا يحب، يعطي الكافرين ويعطي المؤمنين، فالحاسد يتجه حقيقة إلى الاعتراض على الله -تبارك وتعالى- لماذا؟

لأن فيه القوة الغضبية التي جعلته يكره هذا الرجل المحسود وينفر منه ثم زادت حتى أدت به إلى الوصول إلى الاعتراض على من أعطاه ومن منّ وتفضل عليه، فالمقصود أن هذا ناشئ عن القوة الغضبية أيضاً.

ولهذا كان من أدلتهم على ذلك أن أول ذنب عصي الله تبارك وتعالى به، ونشأ عنه الكفر والفساد في الدنيا كلها من بني آدم هو الحسد، لأن أصل وقوع الفتنة والشرك والكفر والفواحش والبغي والعدوان في الدنيا هو من إبليس اللعين، وما الذي دفعه إلى ذلك الحسد؟

دفعه إلى ذلك أمر الله تبارك وتعالى الملائكة بأن تسجد لهذا المخلوق آدم عليه السلام أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء:61] أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] حسده ولم يقبل أمر الله تبارك وتعالى في أن يسجد له كسائر الملائكة الكرام الذين استجابوا لأمر الله ولم يعترضوا عليه، وهكذا يجب على العبد دائماً ألا يعترض على أوامر الله فينشأ من ذلك الحسد والإباء والاستكبار أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34] ثم بعد ذلك الكفر، فالحسد جعله الله تبارك وتعالى سبباً لوقوع الكفر والفواحش والمصائب والبلايا في هذه الدنيا نسأل الله أن يحفظنا وإياكم من همز الشيطان ونفخه ونفثه وشره كله.

إذاً: هذه قضية الحسد، ويجب على الإنسان أن يطهر قلبه من الحسد والغش والغل لإخوانه المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان، وأن يدعو الله تبارك وتعالى ألا يجعل في قلبه غلاً للذين آمنوا، كما وصف الله تبارك وتعالى عباده الصالحين.

وقد صح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الرجل الذي خرج إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في مجلسه الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ومعه أصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم، ولحيته تقطر من أثر الوضوء، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة} وانظروا إلى هذا الوصف العظيم، ما معنى من أهل الجنة؟!

وهل هي كلمة عادية؟

أي من الفائزين، من الذين رضي الله تبارك وتعالى عنهم، أي: أن هذا الرجل ما بينه وبين التمتع بنعيم الجنة -التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر- إلا أن يموت فقط، فتعجب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وثلاث مرات يخرج ذلك الرجل والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه هذا القول، فحرص الصحابة لمعرفة سبب هذا الفوز، وكان أكثر حرصهم على الخير مثل حرص أحدنا اليوم على الدنيا، فحرص على ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها.

فذهب يستطلع الخبر ويخبر بعد ذلك بقية الصحابة، فذهب إليه وسلم عليه وقال: يا أخي، إني لاحيت أبي -أي: خاصمت أبي- فحلفت ألا أبيت عنده ثلاثاً -أي: ثلاث ليال- فأريد أن تؤويني عندك، فآواه عنده، وما غرضه إلا أن ينظر لعمله، يقول: عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه فما وجدت له من شيء كما كنت أتوقع، إلا أنه إذا قام من الليل أو تحرك ذكر الله عز وجل، لم يجد فيه أكثر من ذلك، لم يجد فيه زيادة عبادة أو صيام أو صلاة أو ذكر.

فلما كان اليوم الثالث كدت احتقر ما عنده من عمل، فقلت له: أيها الرجل إني لم يكن بيني وبين أبي مُلاحاة، وإنما جئتك لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيك كذا، فأحببت أن أرى عملك، فما رأيت فيك شيئاً غير ما كنت قد رأيت، قال: ما هو إلا ذاك قال: ثم وليت، فقال لي الرجل لما وليت: تعال، فرجعت، فقال: ما هو إلا ما رأيت، إلا أني لا أبيت ليلة من الليالي وفي قلبي غش أو حسد لمسلم على نعمة أنعم الله تعالى بها عليه، قال: فذلك الذي به بلغت ما بلغت، وذلك الذي لا نطيق.

سبحان الله! قلب سليم ليس فيه غش لأي مسلم، ولا حسد على نعمة أنعم الله بها عليه، من يستطيع لهذا إلا أصحاب النفوس التي سمت وعلت وزكت وعلمت أن النعم من الله، وعلمت أن الفضل كله من الله، والخزائن كلها بيديه، والخلق خلقه، وأن العبيد عبيده، وأنه يبتلي هذا بالفقر، وهذا بالغنى، ويبتلي هذا بالصحة، ويبتلي هذا بالمرض، وكلنا يجب أن نطيع أمره، ونقبل حكمه الشرعي كما نقبل حكمه الكوني القدري، فإن جعلنا من أهل الابتلاء والفقر والمرض والألم، صبرنا واحتسبنا، وإن جعلنا من أهل اليسار والغنى والمال والعافية، شكرنا واحتسبنا، فلا يطغينا هذا أو يلهينا ذاك، هذه هي سلامة القلب من ذلك كله.

فلما سلم قلب هذا الصحابي رضي الله تعالى عنه من الشرك والبدعة والهوى، سلم مما هو أدق من ذلك وهو الغش للمسلمين أو الحسد لهم، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {من غش فليس منا} وفي الرواية الأخرى يقول: {من غشنا فليس منا} لأن المؤمن لا يغش ولا يحسد أخاه.

فمن صفة أهل الكتاب التي جعلتهم يكفرون بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسالته الحسد، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى عنهم: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] وقال في الآيات الأخرى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [البقرة:109]، وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف حسدنا اليهود على رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه بعث من العرب، وحسدونا على القبلة، ويوم الجمعة، وعلى أن وفقنا الله له ولم يعرفوه، وحسدونا حتى على كلمة (آمين)، وما من شيء في ديننا إلا وحسدنا عليه اليهود والنصارى وأشباههم، ونتيجة هذا الحسد استكبروا وأبوا أن يذعنوا للحق، ورفضوا الإيمان بهذا الدين العظيم.

والمؤمن لا يحسد أحداً من إخوانه المسلمين أبداً، بل المؤمن لو رأى أهل الكفر يتنعمون ويتلذذون ويعبثون بالأموال كما يشاءون يعلم أن ذلك ابتلاء لهم وأنه مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:197] فلا تقلبهم في البلاد، ولا يغره تقلبهم في النعم وهم كفار، فكيف تحسد إخوانك المسلمين المؤمنين؟!

وأمر آخر يجب أن نحفظ منه قلوبنا، وهو مما يظهر أيضاً أثره على جوارحنا، وهو قرين وقريب من الحسد، وهو سوء الظن، يقول الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] ولا حظوا الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فلا بد أن تجتنب الكثير من الظن لكون البعض منه إثماً وليس العكس، والإنسان ينظر إلى بعض الأمور، ثم يتوسع الظن عنده حتى يسوء ظنه كثيراً من أجل احتمال قليل، وربما يكون هذا القول صدر أو بدر من أخيك وله احتمال من الحق واحتمال من الخطأ أو الباطل، فإذا وسَّعته أكثر مما يحتمل، فقد عكست مفهوم الآية ومضمونها تماماً.

فالواجب علينا أن نجتنب كثيراً من الظن لكون البعض منها إثماً، وحتى نحفظ قلوبنا ونحفظ جوارحنا من النيل والوقوع في أعراض إخواننا المسلمين، ولذلك يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا).

وسوء الظن يولد في الإنسان عندما يترك هذه الفضائل، فتنقطع الأخوة والبغضاء ويقع الحسد والبغي، ويقع العدوان والفتنة، وأصل ذلك كله ناشئ من سوء الظن -والعياذ بالله- وقال بعض السلف -وهو من الكلام المفيد-: [[إنما يُسيء الظن بالله خبيث النفس، قالوا: كيف ذلك؟!

قال: إنه تترشح صفاته فتخرج في غيره]] أي: هو نفسه خبيثة والعياذ بالله، وأعماله وباطنه خبيث، فيترشح ذلك كما يترشح الأناء، ويخرج بشكل إساءة الظن بالناس.

فيأتيه -مثلاً- القول الصادق فيقول: لا، هذا القول كذب، وإذا قيل له: لماذا؟

يقول: ماذا لو كان صاحبه كاذباً؟! لأنه هو -نفسه- يقول القول وهو كاذب والعياذ بالله.

ويوصف له الإنسان بالتقوى فيقول: لا، هذا ليس بتقوى، لماذا؟ قال: هناك أشياء لا تدري أنت عنها ولا تعلمها، لماذا؟

قال: لأنه يظهر التقوى ويعمل في الباطن أعمالاً خفيه، فهو في الحقيقة يتكلم عن نفسه، وأصدق الناس ظناً بإخوانه المسلمين هو أسلم الناس باطناً، وهذه قاعدة؛ لأنه لا يتصور أن أحداً يقول الحق ثم يفعل هذه الموبقات ولذا فإنه لا يتهم بها الناس؛ لكن الذي يفعلها -والعياذ بالله- يتهم الآخرين بلا دليل إلا دليل سوء الظن فقط.

سوء الظن سبب اتباع الهوى

سوء الظن بداية لاتباع الهوى، وهذا من أخطر الأمور، وإذا اتبع العبد الهوى حاد عن الطريق المستقيم، ولم يرتدع بأي رادع، وهذه مشكلة وفتنة عظيمة يفتن بها العبد بعد الشرك بالله تبارك وتعالى، بل إن الشرك أحياناً عندما يقع، فهو يقع نتيجة لاتباع الهوى، كما أخبر الله تبارك وتعالى في أكثر من آية عن المشركين فيقع الشرك وتقع المحظورات كلها بسبب الهوى، فيخل بحق الله وبحق إخوانه المؤمنين، ويصبح متعصباً لرأيه ولهواه، وذلك التعصب يعميه ويصمه عن قبول الحق وعن الانقياد والإذعان له.

فيشبه حاله في هذا الحال حال اليهود والنصارى الذين تعصبوا بما عندهم من الباطل، ورفضوا دعوة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفضوا قبول الحق، ولهذا يقول عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله وهو من العلماء الأجلاء، يقول: ''العلماء يكتبون ما لهم وما عليهم، وأما أهل الأهواء فيكتبون ما لهم ويذرون ما عليهم'' أي: أن العالم بالله تعالى حقيقة هو الذي يخشى الله، كما قال الله عنهم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] إذا بلغه شيء يخالف ما كان يظن أو ما كان يفتي به أو يقوله كتبه سواء كان له أو عليه، حتى لو كان رأيه في المسألة كذا، ثم بلغه حديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمل به، أو عن الصحابة، فإنه يكتبه ويتأمل ويبحث عنه، حتى لا يقول إلا الحق، ولا يفتي بالباطل، ولا يعتقده.

أما أهل الأهواء لو أتيته بالآيات والأحاديث والبراهين من الواقع -إذا كانت القضية مما اختلف فيها الناس- وتقول: انظر الدليل الفلاني والدليل الفلاني؛ فإنه لا ينظر إليه، فإذا وجد رائحة شبهة، أو كلمة أو احتمال ينفعه، قال: نعم، ثم أخذه وكتبه وحفظه ونشره ووزعه واهتم به، وهذا دليل على أنه صاحب هوى، وليس من أهل العلم الذين يخشون الله، ويعلمون أنهم مسئولون عما يقولون ومحاسبون ومجزيون بهذا، وهذه هي صفة أهل الأهواء.

اتباع الهوى في الحكم

وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى عن المنافقين: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النور:49] إذا كان الحق لهم قالوا: لا نريد أن نحتكم إلا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لماذا؟ قالوا: لأنه لا يحكم إلا بالحق، هذا إذا كان يعلم أن الحق له، أما إذا كان الحق لغيره قال: نذهب إلى فلان وفلان من الناس لأنه من أهل الخير والصلاح، وهذا هو الهوى والعياذ بالله، ونحن والحمد لله ممن نتبع منهج السلف الصالح في هذا، ونعتقد أن الإنسان يأخذ ما له وما عليه.

فإذا اجتنب سوء الظن، واتباع الهوى، وأخذ ما له وما عليه وفقه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ثم بعد ذلك قد يكون اجتهاده بالحق مفضياً به إلى الصواب، وقد يفضي به إلى الخطأ، فليس منا أحد معصوم أبداً، بل كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن فضل الله أعظم من ذلك، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذا اجتهد الحاكم، فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر} والحاكم هنا أعم وليس المقصود من الحاكم مجرد الأمير أو الملك أو السلطان الحاكم؛ بل يعني كل من حكم في مسألة، حتى قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: ''حتى الذي يقضي بين الصبيان في الخطوط'' أي: في أيهم أحسن خطاً، فأنت مطالب أن تحكم بالحق والعدل، فأنت قاضٍ في هذه الحالة.

أما معنى الاجتهاد فهو: استفراغ الجهد والطاقة والوسع في الوصول إلى الحق، فأنت تريد الحق فإن أصبته فلك أجران: أجر الجهد الذي بذلت، وأجر الصواب، وإن أخطأت لم يحرمك الله عز وجل، فلك أجر الاجتهاد، وأما أجر الصواب فيفوتك.

والله تبارك وتعالى جعل ذلك في حق من هم خير منا ومن الخلفاء الأربعة، جعله في حق نبيين رسولين من عباده الصالحين وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [الأنبياء:79] فهمها سليمان ولم يفهمها داود عليهما السلام، فهذا له أجران وهذا له أجر حتى تكون هذه القصة عبرة لنا.

والصحابة رضوان الله تعالى عليهم، لمَّا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة} بعضهم قال كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أصلي العصر إلا في بني قريظة ولو غربت الشمس، ولا أبالي أنني لم أصلها في وقتها، لأن هذا أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما علي من حرج، فهذا اجتهاد، وقال الآخرون: إنما أراد منا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتعجل فلنصل الصلاة في وقتها، ولنتعجل إلى بني قريظة، لأن المقصود هو أن نذهب إلى بني قريظة لنقاتلهم، وليس المقصود أداء الصلاة في بني قريظة أو في المدينة، أو في مكان قريب منهم أو بعيد عنهم، ثم لما بلغه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، ما عنف إحدى الطائفتين.

وهذا من فضل الله عز وجل، أي: أن هذا مأجور على اجتهاده، وهذا مأجور على اجتهاده، وهؤلاء صلوا، وهؤلاء صلوا ولم يقل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهؤلاء أخرتم، ولم يقل لهؤلاء قدمتم، إذاً قد يستوي الأمران، وقد يكون أحدهما له أجران والآخر له أجر، والشاهد -وهو الذي يهمنا- أن كلاهما لا يستحق اللوم والذم والتعنيف والتشهير وإطلاق اللسان بالطعن والقذف والنيل منه، لأن الأمر في دائرة النظر والاجتهاد والفهم، فمن تعدى ذلك وتجاوز وبغى فقد أساء إلى نفسه وجمع وساء الظن بغيره، وربما جمع إلى سوء الظن الحسد، فزاد على سوء الظن الحسد والبغي والعدوان.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المناهج 2595 استماع
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية 2570 استماع
العبر من الحروب الصليبية 2504 استماع
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم 2454 استماع
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول 2345 استماع
من أعمال القلوب: (الإخلاص) 2259 استماع
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] 2251 استماع
الممتاز في شرح بيان ابن باز 2241 استماع
خصائص أهل السنة والجماعة 2194 استماع
الشباب مسئولية من؟ 2162 استماع