شرح حديث جبريل في الإسلام والإيمان [2]


الحلقة مفرغة

الملقي: [ ( وقال جبريل عليه السلام: يا محمد ! أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ].

الظهور بهيئة الغريب للاستماع لسؤاله وفهم مراده

في قول جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد! هنا وجه النداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه, والنكتة واللطيفة من ذلك أن جبريل ظهر هنا بصورة الغريب, والغريب عن البلد لا يعرف منازل أهلها ومراتبهم, وكذلك أيضاً كناهم وأوصافهم, لا يعرف تلك الأحوال, فوجه إليه بالخطاب باسمه. وأيضاً فإن الصحابة عليهم رضوان الله إذا أرادوا أن ينادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم توجهوا إليه بأشرف وصف يوصف به وهي الرسالة فيقولون: يا رسول الله أو يا نبي الله.

وهنا في قوله يا محمد! أراد أن يوغل في الاغتراب عنه، وعدم معرفة نهجهم في نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكتمل الصورة في كونه غريباً عن بيئته, فيستمعوا لقوله الذي يريد أن يسأل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفهموا مراده؛ لأنه يريد من هذه الأسئلة التي يسألون بها النبي عليه الصلاة والسلام حتى يفهم السامعون المراد ويتفقهوا وينتفعوا بدين الله سبحانه وتعالى، فقال: ( يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ ). سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخبره باسمه, وكذلك أيضاً في قوله: أخبرني توجه إلى الأمر لإعلام نفسه, وما سأله أن يعلمه وأن يعلم غيره.

واللطيفة والنكتة في هذا أنه أراد أن يستعلم لنفسه كأنه لا يعلم وهم يعلمون. وهذا أيضاً فيه إمعان في الاغتراب عنهم وعدم معرفة ما يعلمون, أو الأصل في كونهم أنهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون، وأنا أجهل لكوني بعيداً عنه.

تأكيد المعلوم لدى الصحابة من الأركان

وهنا مسألة وهي أن جبريل حينما سأل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأسئلة في علم الله, وأيضاً فيما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر الأمر في أمر جبريل أنه يعلم أن الصحابة يعلمون هذه المسائل, وهي مسألة الإسلام وأركان الإسلام وأركان الإيمان هذه معلومة ما قبل هذا السؤال.

إذاً: ما الحكمة من هذا السؤال حتى ترد هذه الإجابة لإعلامهم بشيء يعلمونه قبل ذلك؟ فالصلاة معلومة الزكاة معلومة الصيام معلوم من أركان الإسلام, الحج معلوم, هذه الأشياء معلومة. كذلك أيضاً الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله, وظاهر أن الحديث أنه جاء؛ ولهذا سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإحسان, وسأله عن أشراط الساعة, وهذه الأخبار والأنباء, وأحاديث أشراط الساعة كانت في آخر العهد النبوي في المدينة.

فالحكمة من سؤال جبريل عليه السلام بالاستخبار لنفسه, وظاهر الأمر في حال أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يعملون، أنه يريد من ذلك تأكيد المعلوم لديه, فالتكرار لذلك يرسخ العلم, وفي هذا إشارة أيضاً أن دين الله سبحانه وتعالى للغريب والقريب أنه وحي, فإذا سأل السائل بدين الله عز وجل عن مسألة وهو من أهل البلد أو كان بعيداً، فدين الله سبحانه وتعالى في ذلك سواء لا يوجد فيه سرية ولا يوجد فيه خفاء، ولا يوجد فيه دقائق, لا يصح إيمان الإنسان إلا بها, وإنما هو دين ظاهر يجاب فيه السائل لسؤاله من أي جهة أو من أي بلد كان.

كذلك أيضاً فإنه لو سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام ليعلم الصحابة في هذا نوع من ظاهر الاعتداد بالنفس, وهم يجهلون حال جبريل, وجبريل يعلم, فإنه إنما جاء العلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل وإن كان العلم من الله سبحانه وتعالى.

إذاً: فـجبريل وهو الواسطة علم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك جبريل سأل العلم لنفسه, وما سأله للصحابة؛ لماذا؟ لأنه ما ظهر بصورة جبريل ظهر بصورة بشر وإنسان, وإذا ظهر بصورة إنسان ينبغي أن يكون الحال والكلام والسؤال مناسباً له؛ حتى لا يخرج خارجاً عنه, فسأل بما يليق ويناسب حاله, لا بما يناسب حاله الحقيقية وهي كونه الملك الذي جعله الله سبحانه وتعالى رسولاً إلى أنبياء الله جل وعلا، ينزل إليهم وحي الله سبحانه وتعالى.

في قول جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد! هنا وجه النداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه, والنكتة واللطيفة من ذلك أن جبريل ظهر هنا بصورة الغريب, والغريب عن البلد لا يعرف منازل أهلها ومراتبهم, وكذلك أيضاً كناهم وأوصافهم, لا يعرف تلك الأحوال, فوجه إليه بالخطاب باسمه. وأيضاً فإن الصحابة عليهم رضوان الله إذا أرادوا أن ينادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم توجهوا إليه بأشرف وصف يوصف به وهي الرسالة فيقولون: يا رسول الله أو يا نبي الله.

وهنا في قوله يا محمد! أراد أن يوغل في الاغتراب عنه، وعدم معرفة نهجهم في نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى تكتمل الصورة في كونه غريباً عن بيئته, فيستمعوا لقوله الذي يريد أن يسأل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويفهموا مراده؛ لأنه يريد من هذه الأسئلة التي يسألون بها النبي عليه الصلاة والسلام حتى يفهم السامعون المراد ويتفقهوا وينتفعوا بدين الله سبحانه وتعالى، فقال: ( يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ ). سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخبره باسمه, وكذلك أيضاً في قوله: أخبرني توجه إلى الأمر لإعلام نفسه, وما سأله أن يعلمه وأن يعلم غيره.

واللطيفة والنكتة في هذا أنه أراد أن يستعلم لنفسه كأنه لا يعلم وهم يعلمون. وهذا أيضاً فيه إمعان في الاغتراب عنهم وعدم معرفة ما يعلمون, أو الأصل في كونهم أنهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون، وأنا أجهل لكوني بعيداً عنه.

وهنا مسألة وهي أن جبريل حينما سأل النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأسئلة في علم الله, وأيضاً فيما يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر الأمر في أمر جبريل أنه يعلم أن الصحابة يعلمون هذه المسائل, وهي مسألة الإسلام وأركان الإسلام وأركان الإيمان هذه معلومة ما قبل هذا السؤال.

إذاً: ما الحكمة من هذا السؤال حتى ترد هذه الإجابة لإعلامهم بشيء يعلمونه قبل ذلك؟ فالصلاة معلومة الزكاة معلومة الصيام معلوم من أركان الإسلام, الحج معلوم, هذه الأشياء معلومة. كذلك أيضاً الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله, وظاهر أن الحديث أنه جاء؛ ولهذا سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإحسان, وسأله عن أشراط الساعة, وهذه الأخبار والأنباء, وأحاديث أشراط الساعة كانت في آخر العهد النبوي في المدينة.

فالحكمة من سؤال جبريل عليه السلام بالاستخبار لنفسه, وظاهر الأمر في حال أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يعملون، أنه يريد من ذلك تأكيد المعلوم لديه, فالتكرار لذلك يرسخ العلم, وفي هذا إشارة أيضاً أن دين الله سبحانه وتعالى للغريب والقريب أنه وحي, فإذا سأل السائل بدين الله عز وجل عن مسألة وهو من أهل البلد أو كان بعيداً، فدين الله سبحانه وتعالى في ذلك سواء لا يوجد فيه سرية ولا يوجد فيه خفاء، ولا يوجد فيه دقائق, لا يصح إيمان الإنسان إلا بها, وإنما هو دين ظاهر يجاب فيه السائل لسؤاله من أي جهة أو من أي بلد كان.

كذلك أيضاً فإنه لو سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام ليعلم الصحابة في هذا نوع من ظاهر الاعتداد بالنفس, وهم يجهلون حال جبريل, وجبريل يعلم, فإنه إنما جاء العلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل وإن كان العلم من الله سبحانه وتعالى.

إذاً: فـجبريل وهو الواسطة علم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومع ذلك جبريل سأل العلم لنفسه, وما سأله للصحابة؛ لماذا؟ لأنه ما ظهر بصورة جبريل ظهر بصورة بشر وإنسان, وإذا ظهر بصورة إنسان ينبغي أن يكون الحال والكلام والسؤال مناسباً له؛ حتى لا يخرج خارجاً عنه, فسأل بما يليق ويناسب حاله, لا بما يناسب حاله الحقيقية وهي كونه الملك الذي جعله الله سبحانه وتعالى رسولاً إلى أنبياء الله جل وعلا، ينزل إليهم وحي الله سبحانه وتعالى.

الملقي: [ ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ) ].

الشيخ: هنا سأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام, وهذا أول سؤال توجه به جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان عن الإسلام, فقال: أخبرني عن الإسلام؟ الإسلام هو الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء به الأنبياء السابقون كذلك, ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]. ويقول الله جل وعلا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

ولكن لما دخل التحريف الملل السابقة واستحال الوصول إلى الحق منها، كان لابد من بعث رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بتجديدها وكذلك الإضافة إليها من الأحكام, فلا دين حينئذ يستحق وصف الإسلام في الأرض كما يريده الله إلا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهو سأل عن أصل الأصول وكلي الكليات وهو الإسلام, وما يأتي من أحكام فهي تبع لذلك.

ولهذا في سؤاله الثاني عن الإيمان, قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه. من هو الله؟ الله هو أن تشهد أن لا إله إلا الله هو الواحد الفرد, أن لا معبود بحق إلا هو, بل هو الواحد المعبود بحق, وألا يعبد إلا هو سبحانه وتعالى, وأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره وبالبعث بعد الموت.

فهم كليات الدين وعلاقته بفهم جزئياته

هذه أركان الإيمان قد يقول قائل: ما علاقتها بالإيمان بالله, والإيمان بذات الله سبحانه وتعالى وارتباطها بالإسلام الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله.

نقول: الشيء يعرف بحقيقته في ذاته, وبيانه عن غيره, ولهذا إنما ضل الناس في الخلط بين هذه الحقائق, من هم الملائكة؟ هل هم بنات الله, أم ليسوا ببنات الله, أو خلق من خلق الله؟

بين أن الإيمان لا يكون إلا أن تعرف الله على وجه الحقيقة, وأن تعرف من هم الذين يخلط فيهم هذا الضلال من الجاهلين وأنهم ملائكة, هؤلاء الرسل هل يستحقون العبودية من دون الله عز وجل, أم إنما هم مبلغون عن الله, فتؤمن بالله على الحقيقة, وتؤمن بملائكته ومن هم, وتؤمن برسله ومن هم, وما هو مقدارهم الذي أمر الله عز وجل بأن يجعل لهم. فكل شيء يفهم بذاته, ويفهم كذلك بفهم غيره.

ولهذا لابد من فهم الكليات من جهة المعنى العام, ولابد من فهم الجزئيات حتى تتمايز فيما بينها؛ ولهذا الضلال إنما دخل في الأمم أنهم فهموا التعظيم بكليته من غير فهم مراتب الجزئيات, مراتب الجزئيات النبي معظم, الملائكة معظمون, الكتب معظمة, أيضاً ما يأتي مما يعظمه الله عز وجل في خلقه, هذا التعظيم إذا وجد في قلبك لهم ولم تميز مراتب التعظيم وأنواعه وأجناسه فإنك تقع في الخلط, فتجعل الملائكة بنات لله سبحانه وتعالى, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً, تجعل النبي وهو عبد ورسول تجعله رباً وإلهاً فيعبد كما عبد النصارى عيسى ابن مريم فجعلوه إلهاً من دون الله عز وجل.

ولهذا نقول: إن فهم الكلي العام لا يجعل الإيمان مستقراً في قلب الإنسان, لابد من فهم مراتب التعظيم, وفهم هذه الجزئيات, ولهذا ثمة تلازم بين مسألة الإسلام ومسألة الإيمان وهي في البيان والتفصيل فيها؛ لهذا كان سؤال جبريل أول ما سأل عن الإسلام فقال: أخبرني عن الإسلام؟ يعني: الذي تدعو إليه حتى ألج إلى تفاصيله, ولهذا نقول: إنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يتعلم أن يفهم الكليات قبل الجزئيات.

فجبريل عليه السلام سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الكليات, وأعظم الكليات اتساعاً هو معنى الإسلام, هو المعنى العام له, ثم أراد أن يدخل بعد ذلك إلى جزئياته وتفاصيله ومعرفتها من جهة مراتبها, كما بينها الله سبحانه وتعالى, فسأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام فقال: أخبرني عن الإسلام؟

معنى الإسلام

الإسلام إنما سمي إسلاماً لأنه استسلام لله سبحانه وتعالى وانقياد له جل وعلا بالطاعة, وخلوص من الشرك, هذا هو حقيقة الإسلام أن يستسلم الإنسان لله سبحانه وتعالى، بعبادته وحده لا شريك له, كذلك أيضاً أن يبرأ من كل ند أو نظير أو شبيه أو مثيل له سبحانه وتعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.

دخول الإسلام بالشهادتين

الإسلام قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, لا يدخل أحد الإسلام إلا بهاتين الكلمتين وإدراك معناهما, وأما النطق بهما من غير إدراك للمعنى فلا يغني الإنسان شيئاً؛ لماذا؟ لأن الإنسان لا يقبل منه القول, ولا يقبل منه الفعل؛ حتى يقول ويفعل مع إدراك لما يقول ويفعل, وإلا يصبح فعل الإنسان كحال المجنون أو النائم أو السكران أو غير ذلك الذين يتحركون من غير إدراك لتلك الحركة.

كذلك أيضاً في قول الإنسان, الإنسان إذا تكلم بكلام وهو في حال نومه أو في حال جنونه أو في حال سكره، بمثل هذا ولو كان خيراً, هل يؤجر عليه؟ لا يؤجر عليه؛ لماذا؟ لأنه لم يدرك هذا المعنى ولم ينوه, ولهذا نقول: إن إيمان الإنسان وإسلامه لا يتحقق حتى ينطق بالشهادتين.

المراد من توجيه الخطاب لجبريل في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم عليه

قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله, هذا خطاب بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين جبريل, والمراد به إعلام السامعين, وليس المراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد به جبريل, وفي هذا إلى أنه يجوز أو يستحب للإنسان أن يظهر الإجابة, والسائل يظهر السؤال، فلا يريد المجيب الإجابة للسائل, ولا يريد السائل السؤال لنفسه ممن يجيب وإنما يريد غيره, وهذا نوع من التمثل أن يتمثل الإنسان بصورة الجاهل, وأن يوجه الإنسان الخطاب لأحد وهو يريد غيره ليعلمه بما يريد إعلامه.

ولهذا توجه الخطاب بأسلوب الفرد لما سأله عن الإسلام قال: أن تشهد أنت يا جبريل أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذه أركان الإيمان قد يقول قائل: ما علاقتها بالإيمان بالله, والإيمان بذات الله سبحانه وتعالى وارتباطها بالإسلام الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله.

نقول: الشيء يعرف بحقيقته في ذاته, وبيانه عن غيره, ولهذا إنما ضل الناس في الخلط بين هذه الحقائق, من هم الملائكة؟ هل هم بنات الله, أم ليسوا ببنات الله, أو خلق من خلق الله؟

بين أن الإيمان لا يكون إلا أن تعرف الله على وجه الحقيقة, وأن تعرف من هم الذين يخلط فيهم هذا الضلال من الجاهلين وأنهم ملائكة, هؤلاء الرسل هل يستحقون العبودية من دون الله عز وجل, أم إنما هم مبلغون عن الله, فتؤمن بالله على الحقيقة, وتؤمن بملائكته ومن هم, وتؤمن برسله ومن هم, وما هو مقدارهم الذي أمر الله عز وجل بأن يجعل لهم. فكل شيء يفهم بذاته, ويفهم كذلك بفهم غيره.

ولهذا لابد من فهم الكليات من جهة المعنى العام, ولابد من فهم الجزئيات حتى تتمايز فيما بينها؛ ولهذا الضلال إنما دخل في الأمم أنهم فهموا التعظيم بكليته من غير فهم مراتب الجزئيات, مراتب الجزئيات النبي معظم, الملائكة معظمون, الكتب معظمة, أيضاً ما يأتي مما يعظمه الله عز وجل في خلقه, هذا التعظيم إذا وجد في قلبك لهم ولم تميز مراتب التعظيم وأنواعه وأجناسه فإنك تقع في الخلط, فتجعل الملائكة بنات لله سبحانه وتعالى, تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً, تجعل النبي وهو عبد ورسول تجعله رباً وإلهاً فيعبد كما عبد النصارى عيسى ابن مريم فجعلوه إلهاً من دون الله عز وجل.

ولهذا نقول: إن فهم الكلي العام لا يجعل الإيمان مستقراً في قلب الإنسان, لابد من فهم مراتب التعظيم, وفهم هذه الجزئيات, ولهذا ثمة تلازم بين مسألة الإسلام ومسألة الإيمان وهي في البيان والتفصيل فيها؛ لهذا كان سؤال جبريل أول ما سأل عن الإسلام فقال: أخبرني عن الإسلام؟ يعني: الذي تدعو إليه حتى ألج إلى تفاصيله, ولهذا نقول: إنه ينبغي لطالب العلم إذا أراد أن يتعلم أن يفهم الكليات قبل الجزئيات.

فجبريل عليه السلام سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الكليات, وأعظم الكليات اتساعاً هو معنى الإسلام, هو المعنى العام له, ثم أراد أن يدخل بعد ذلك إلى جزئياته وتفاصيله ومعرفتها من جهة مراتبها, كما بينها الله سبحانه وتعالى, فسأل جبريل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام فقال: أخبرني عن الإسلام؟

الإسلام إنما سمي إسلاماً لأنه استسلام لله سبحانه وتعالى وانقياد له جل وعلا بالطاعة, وخلوص من الشرك, هذا هو حقيقة الإسلام أن يستسلم الإنسان لله سبحانه وتعالى، بعبادته وحده لا شريك له, كذلك أيضاً أن يبرأ من كل ند أو نظير أو شبيه أو مثيل له سبحانه وتعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته.

الإسلام قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, لا يدخل أحد الإسلام إلا بهاتين الكلمتين وإدراك معناهما, وأما النطق بهما من غير إدراك للمعنى فلا يغني الإنسان شيئاً؛ لماذا؟ لأن الإنسان لا يقبل منه القول, ولا يقبل منه الفعل؛ حتى يقول ويفعل مع إدراك لما يقول ويفعل, وإلا يصبح فعل الإنسان كحال المجنون أو النائم أو السكران أو غير ذلك الذين يتحركون من غير إدراك لتلك الحركة.

كذلك أيضاً في قول الإنسان, الإنسان إذا تكلم بكلام وهو في حال نومه أو في حال جنونه أو في حال سكره، بمثل هذا ولو كان خيراً, هل يؤجر عليه؟ لا يؤجر عليه؛ لماذا؟ لأنه لم يدرك هذا المعنى ولم ينوه, ولهذا نقول: إن إيمان الإنسان وإسلامه لا يتحقق حتى ينطق بالشهادتين.

قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله, هذا خطاب بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين جبريل, والمراد به إعلام السامعين, وليس المراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد به جبريل, وفي هذا إلى أنه يجوز أو يستحب للإنسان أن يظهر الإجابة, والسائل يظهر السؤال، فلا يريد المجيب الإجابة للسائل, ولا يريد السائل السؤال لنفسه ممن يجيب وإنما يريد غيره, وهذا نوع من التمثل أن يتمثل الإنسان بصورة الجاهل, وأن يوجه الإنسان الخطاب لأحد وهو يريد غيره ليعلمه بما يريد إعلامه.

ولهذا توجه الخطاب بأسلوب الفرد لما سأله عن الإسلام قال: أن تشهد أنت يا جبريل أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشهادة هنا توجهت إلى جبريل, هل جبريل مخاطب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم حينما يبين له ذلك؟ جبريل ليس بمخاطب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم اتباعاً, وإنما علماً وإيماناً بذلك, ولهذا نقول: إن الملائكة لهم اختيار أو ليس لهم اختيار؟ لهم اختيار, ولهذا حمدهم الله عز وجل وأثنى عليهم سبحانه وتعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] .

الذي ليس له اختيار وليس له تصرف، ويسير من غير اختيار، لا يحمد إذا بدر منه فعل, كحال الحجر حينما تأتي به الرياح ويسير فلا تحمد الحجارة؛ لأنه سيرها وليس لها اختيار, ولكن إذا كان للإنسان اختيار أن يختار ثم اختار الخير ولم يختر غيره حمد على ذلك, والله جل وعلا جعل للملائكة اختياراً, وجعلهم لا يخرجون سبحانه وتعالى عن أمره, فحمدهم الله سبحانه وتعالى على ذلك.

ولهذا نقول: إن الملائكة ليسوا بمخاطبين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من جهة الاتباع, فلا يخاطبون بالصلاة ولا بالصيام ولا بالزكاة ولا بالحج ولا بغير ذلك من الشرائع, ولكن يخاطبهم الله سبحانه وتعالى أمراً بشيء من أجناس ذلك على سبيل المناسبة لا على أصل التشريع.

مثال ذلك: أن الله عز وجل يأمر الملائكة أن تقاتل مع محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً فهو تشريع جهاد, فهل الملائكة حينما قاتلوا مع محمد صلى الله عليه وسلم قاتلوا اتباعاً لأصل التشريع أو أمراً استثنائياً من الله خاصاً؟ أمراً استثنائياً من الله سبحانه وتعالى خاصاً؛ ولهذا نقول: إن في قول جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام أخبرني عن الإسلام, وإجابة النبي عليه الصلاة والسلام له في قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, المراد بذلك هو الإيمان والعلم، وليس المراد بذلك هو الاتباع والاقتداء بأمر الرسالة, فالذين يؤمرون باتباع محمد صلى الله عليه وسلم هم الأنس والجن؛ ولهذا يقول الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .

فما خلق الله عز وجل الإنس والجن وهم الذين تتوجه إليهم خطاب الرسل وخطاب النذر, ويجب عليهم حينئذ أن يتبعوا. ما عداهم من المخلوقات هل هم مخاطبون في ذلك أم لا؟

نقول: ما عداهم من المخلوقات ممن يخاطب بالتكليف ولديه إدراك هذا لا دليل على دخولهم في هذا, وإن وجد أو دلت بعض الأدلة على وجود من يدرك ويعقل من غير الثقلين, وخلق الله عز وجل لا يعلمهم إلا هو سبحانه وتعالى, ولهذا جاء في حديث سلمان الفارسي وغيره مرفوعاً وموقوفاً: ( أنه ما من رجل يكون في بادية ثم يؤذن لنفسه ويقيم ويصلي إلا صلى خلفه من خلق الله ما لا يرى طرفاه )، من خلق الله, من هم هؤلاء الخلق؟ الله أعلم بهؤلاء.

ولكن الله سبحانه وتعالى وجه الخطاب في ظاهر النص إلى الثقلين من الجن والإنس, وهناك من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ما يقطع بعدم دخولهم في هذا, وذلك لظواهر النصوص في الملائكة عليهم السلام, وأما الجواب هنا في توجيه الخطاب إلى جبريل في قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله المراد بذلك هو العلم والإيمان بهذا.

وهذا الجواب أراد النبي عليه الصلاة والسلام على ما تقدم إعلام الصحابة.

أما الشهادة فهي إخبار بما في القلب, وأن ينطق بما في القلب اللسان, ولهذا يسمى الشاهد شاهداً، أنه شهد بشيء ثابت في قلبه فنطق به بلسانه, فلا يعتبر شاهداً حتى يتكلم, فإذا تكلم فهو أثبت وبين ما في قلبه واستقر وظهر به؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( على مثل هذا فاشهد )، فما سماها شهادة حتى ينطق بها, مع أن العلم بها مستقر قبل ذلك.

ولهذا الذي يوجد في قلبه إيمان بالله وتصديق برسالته وبنبوة النبي عليه الصلاة والسلام والملائكة؛ لكنه لا ينطق بالشهادتين هل يعد مؤمناً؟ لا يعد مؤمناً؛ لأن الإيمان قول وعمل ونية, ولابد من وجود هذا في الإيمان, ولهذا أصل معنى الشهادة في قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله أن تخبر عما في قلبك وإلا أخذ الحكم من ظاهرك؛ لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الإيمان قولاً وعملاً, والناس مأمورون بأن يأخذوا بما ظهر من أمور الناس.

وفي قوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله, لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله, وقد فسر هذا غير واحد من العلماء, وأوائل من فسر هذا هو ابن جرير الطبري رحمه الله, لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله.

وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهنا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: وأن محمداً رسول الله يأتي في بعض ألفاظ الحديث: ( وأني رسول الله )، وأظهر في هذا بقوله: أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم, والشهادة للنبي عليه الصلاة والسلام بالرسالة أنه خاتم الأنبياء والمرسلين بعثه الله عز وجل للناس كافة, ختم به سائر الرسالات, وأنزل عليه كتابه الحكيم، القرآن الكريم, وجعله الله سبحانه وتعالى باقياً خالداً إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها.

صحة إيمان من لم يتمكن من النطق بالشهادتين

وهنا مسألة من المسائل وهي أن الإنسان إذا وقع الإيمان في قلبه وعرفه, ولكنه لم يتمكن من النطق بالشهادتين بلسانه؛ لعدم إدراكه للنطق كالأعجم الذي يدرك ويعلم ويؤمن بأن الله عز وجل واحد ولا معبود إلا هو, وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدرك هذا المعنى, ولكنه لم ينطق بالشهادتين.

نقول: إن هذا لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أنه استنطق فلم ينطق, أو علم ولو لم يستنطق, علم هو بهذه فلم ينطق بها فنقول حينئذ: لا يثبت إيمانه حتى ينطق به.

وأما الحالة الثانية: فهو رجل لم يستنطق بالشهادتين ولم يعلم بلفظها, ولكنه علم بمعناها, فإذا سئل: من تعبد؟ قال: الله. وحده؟ قال: نعم. ومن هو نبيك؟ قال: نبيي محمد. هذا مؤداها هو مؤدى أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهل يثبت بذلك إيمانه؟

نقول: يثبت بذلك إيمانه على الأرجح ما لم يستنطق بالشهادتين فلم ينطق, أو يكون عالماً بها من جهة لفظها ثم لم ينطق بها فنقول حينئذ: هذه لها حالة, ويكون في ضمن هذا بعض المسلمين الذي يكون مثلاً من العجم ففهم بالإسلام وما فيه من معان وأحكام, وكذلك أيضاً من أصول عظام, واقتنع بهذا وقال: أريد أن أدخل في الإسلام, ولهذا يوجد في بعض العجم من يدخل الإسلام ويجهل من حوله أن ينطقه الشهادتين ثم يؤمن بأركان الإسلام والإيمان ويحضر الصلوات مع الناس ثم يموت.

وقد سئلت في مسألة في رجل من الهند كان وثنياً كعقيدة قومه ثم عرف بالإسلام فعرفه وقال: آمنت, وعرف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به نبياً، ولكنه لم يستنطق بالشهادتين وأخذ يصلي لمدة أسبوعين مع الناس ولكنه لا يدري ما يقول, إلا أنه تحقق في فهمه وإيمانه المراد من الشهادتين وفسر من حوله بإنطاقه بالشهادتين ثم علم من حوله بإسلامه ولتطرفهم قتلوه, فمات بعد أسبوعين من ذلك.

ويسألون عن حكمه هل يغسل ويكون من أهل الإسلام ويأخذ أحكامه من جهة الإرث وغير ذلك, أم يكون على ما هو عليه, مع قولهم أنه لم ينطق بالشهادتين إذ أنه لم يستنطق ولم يعلم بالتلفظ بها؟

فنقول: في مثل هذا أنه في ظاهر الأمر يأخذ حكم الإسلام, وهذا قد نص عليه غير واحد من العلماء كــابن تيمية عليه رحمة الله.

اشتراط نفي الكفر السابق لمن دخل في الإيمان

وشهادة أن محمداً رسول الله على ما تقدم أن يخبر الإنسان وأن يخرج ما في قلبه فيشهد فيقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله, وهل كل من كان على غير الإسلام لا يدخل إلا بها أم لا؟

نقول: جاء في كلام بعض السلف الزيادة على ذلك في أمر النصارى أن يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله وأن أمه صديقة, وذلك لينفي الكفر القائم في ذاته في العقيدة السابقة في مثل هذا.

وهذا لو أخذنا به من جهة الأصل والمعنى هل يدخل في غيره من العقائد إذا كان الإنسان أراد أن يدخل في عقيدة التوحيد ودين الله عز وجل الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم, هل لابد أن يصرح بالكفر بالنص على ما كان عليه ويعتقد فيما عداه؟

نقول: هذا هو الأصل ما لم يدرك معنى الشهادتين من جهة الحقيقة، وأنها ملغية ونافية لكل ما عداها مما مضى, وإنما قدم النبي عليه الصلاة والسلام الشهادتين في ذلك؛ لأن الشهادتين هي أول ما يدعى إليه, ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذاً إلى اليمن كما جاء في الصحيحين من حديث أبي معبد عن عبد الله بن عباس قال النبي عليه الصلاة والسلام لــمعاذ بن جبل: ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله ) .

فالشهادتان يختصران معنى التوحيد, ولهذا تسميان بكلمتي التوحيد, ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد, أي: لا معبود بحق إلا الله, ولهذا جاء في رواية البخاري قال: ( فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله )، أي: أن يفردوه بالعبادة سبحانه وتعالى, وهذا يدل على أنه أول ما يدعى إليه يجب أن يكون بتوحيد الله سبحانه وتعالى لا أن يتجاوزه إلى غيره من الفروع, إذ لا يصح من أحد عملاً فرعياً حتى يؤمن بالله وحده وحقه في العبادة وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطَريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح حديث جبريل في الإسلام والإيمان [1] 2531 استماع
شرح حديث جبريل في الإسلام والإيمان [3] 2163 استماع
شرح حديث جبريل في الإسلام والإيمان [4] 1081 استماع