شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [10]


الحلقة مفرغة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [ ومن السؤال ما لا يكون مأموراً به، والمسئول مأمور بإجابة السائل ].

هذا النوع من السؤال ليس هو السؤال البدعي، إنما هو سؤال ممنوع شرعاً، قد يكون مكروهاً وقد يكون محرماً، وهو أن يسأل الإنسان غيره في أمر يقدر عليه هذا الغير، لكنه يكون محرماً بالنسبة للسائل ولا يحرم على المسئول الإجابة، وسيذكر الشيخ صور ذلك.

مثل أن يسأل الغني الناس أن يعطوه ويمد يده إليهم وهو غني فهذا حرام عليه لكن ليس على الناس ألا يعطوه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسأله الغني ويسأله الفقير فيعطي الجميع، بل كثير من المؤلفة قلوبهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم وهم أغنياء أثرياء، وكان يعطيهم أجزل مما يعطي غيرهم، وهم قد يكون عليهم السؤال محرماً أو مكروهاً غير لائق شرعاً.

إذاً: فهذه الصورة ليست من البدع لكنها من السؤال غير المشروع؛ لأنها سؤال المخلوق فيما يقدر عليه، لكن هذا السؤال بالنسبة للسائل ما كان ينبغي له إما لأنه غني وغير محتاج، أو لأنه سأل ما لا يعينه على الطاعة، أو سأل ما يعينه على المعصية أو غير ذلك من العوارض التي تجعل السؤال غير مشروع في أصله لكنه ليس ببدعة؛ لأنه سؤال يقدر عليه المسئول.

صور من السؤال عند الصحابة الكبار

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، وقال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36].

ومنه الحديث: (إن أحدكم ليسألني المسألة فيخرج بها يتأبطها ناراً) وقوله: (اقطعوا عني لسان هذا).

وقد يكون السؤال منهياً عنه نهي تحريم أو تنزيه، وإن كان المسئول مأموراً بإجابة سؤاله، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من كماله أن يعطي السائل، وهذا في حقه من فضائله ومناقبه وهو واجب أو مستحب، وإن كان نفس سؤال السائل منهياً عنه.

ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين، كما أشار عليه عمر في بعض مغازيه لما استأذنوه في نحر بعض ظهرهم فقال عمر : (يا رسول الله! كيف بنا إذا لقينا العدو غداً رجالاً جياعاً! ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله بالبركة فإن الله يبارك لنا في دعوتك). وفي رواية: (فإن الله سيغيثنا بدعائك).

وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى أن يدعو الله له ليرد عليه بصره، وكما سألته أم سليم أن يدعو الله لخادمه أنس ، وكما سأله أبو هريرة أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين ونحو ذلك ].

هذه الصور تختلف عن الصور البدعية، حتى المحرم منها والمكروه، وهي أن يسأل المخلوق فيما يقدر عليه، فإنها في حد ذاتها ليست ببدعة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة؛ لأنها من باب سؤال الناس ما يقدرون عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما الصديق فقد قال الله فيه وفي مثله: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

وقد ثبت في الصحاح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر ، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، فلم يكن في الصحابة أعظم منه من الصديق في نفسه وماله.

وكان أبو بكر يعمل هذا ابتغاء وجه ربه الأعلى لا يطلب جزاء من مخلوق، فقال تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

فلم يكن لأحد عند الصديق نعمة تجزى، فإنه كان مستغنياً بكسبه وماله عن كل أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له على الصديق وغيره نعمة الإيمان والعلم، وتلك النعمة لا تجزى، فإن أجر الرسول فيها على الله، كما قال تعالى: وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [يوسف:104].

وأما علي وزيد وغيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عندهم نعمة تجزى، فإن زيداً كان مولاه فأعتقه، قال تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب:37]، وعلي كان في عيال النبي صلى الله عليه وسلم لجدب أصاب أهل مكة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم والعباس التخفيف عن أبي طالب من عياله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى عياله وأخذ العباس جعفراً إلى عياله، وهذا مبسوط في موضع آخر ].

طلب الدعاء على الإحسان معدود من الجزاء

قال رحمه الله تعالى: [ والمقصود هنا أن الصديق كان أمن الناس في صحبته وذات يده لأفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكونه كان ينفق ماله في سبيل الله كاشترائه المعذبين، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً في خاصة نفسه لا إلى أبي بكر ولا غيره، بل لما قال له في سفر الهجرة: (إن عندي راحلتين فخذ إحداهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالثمن)، فهو أفضل صديق لأفضل نبي، وكان من كماله أنه لا يعمل ما يعمله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، لا يطلب جزاء من أحد من الخلق، لا الملائكة ولا الأنبياء ولا غيرهم.

ومن الجزاء أن يطلب الدعاء، قال تعالى عمن أثنى عليهم: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الإنسان:9]، والدعاء جزاء كما في الحديث: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه). (وكانت عائشة إذا أرسلت إلى قوم بصدقة تقول للرسول: اسمع ما يدعون به لنا حتى ندعو لهم بمثل ما دعوا لنا ويبقى أجرنا على الله) ].

هذه مسألة مهمة وخفية على كثير من الناس، وهي أيضاً خلافية كما ذكر الشيخ في موضع آخر، وهي أن الإنسان إذا عمل معروفاً وأحسن إلى آخرين فهل يشرع له أن يطلب منهم الدعاء أو لا؟

قال بعض أهل العلم: لا حرج عليه، ويشرع له أن يطلب الدعاء ممن يحسن إليه، فإذا عمل خيراً مع أحد أو نفعه بشيء من أمور دينه أو دنياه فيقول: ادع الله لي، هذا قول.

والقول الآخر وهو الأرجح وعليه غالب أئمة السلف الكبار فيما أعلم: أنهم يرون هذا جائزاً لكن ليس هو الأولى، أي أنك تفرح وتتمنى أن يدعو لك الآخرون لكن لا ينبغي أن تطلب منهم؛ لأن جزاءك ثابت عند الله عز وجل سواء أدعوا لك أم لم يدعوا، ولأن في طلب الدعاء إضعافاً للاحتساب وطلب الأجر من الله، ونوعاً من القدح في الإخلاص.

فلذلك كان الأولى لمن بذل معروفاً لأحد أن يحتسب أجره عند الله عز وجل ولا يطلب الدعاء له جزاء إحسانه، ولذلك فقهت عائشة رضي الله عنها هذا الأمر، فكانت إذا أرسلت بالصدقة تقول لمن ترسله: اسمع ما يدعون لنا، تريد أن تدعو له بمثل ذلك، ويتمخض الأجر خالصاً من الله عز وجل.

قد يقول قائل: أليس في طلب الدعاء ممن تحسن إليه إذا دعا لك زيادة أجر من الله عز وجل؟ نقول: هذا قد يكون؛ لكن قد يكون العكس أيضاً، حيث يدخل في النفس شيء من العجب والرياء، ثم إنه من جانب آخر قد يضعف إيمان الإنسان في اتكاله على دعاء الآخرين فإن نفع طلب الدعاء من الغير عند الإحسان إليهم من وجه قد يضر من وجوه أخرى ترجع إلى أصل اليقين وإلى أصل التوكل في النفس، وهذا أثره يبقى على النفس أكثر من أثر العارض.

الكف عن طلب الدعاء على الإحسان أحرى بالإخلاص

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال بعض السلف: إذا قال لك السائل بارك الله فيك، فقل: وفيك بارك الله، فمن عمل خيراً مع المخلوقين سواء كان المخلوق نبياً أو رجلاً صالحاً أو ملكاً من الملوك أو غنياً من الأغنياء، فهذا العامل للخير مأمور بأن يفعل ذلك خالصاً لله يبتغي به وجه الله، لا يطلب به من المخلوق جزاء ولا دعاء ولا غيره، لا من نبي ولا رجل صالح ولا من الملائكة، فإن الله أمر العباد كلهم أن يعبدوه مخلصين له الدين.

وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، فلا يقبل من أحد ديناً غيره، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].

وكان نوح وإبراهيم وموسى والمسيح وسائر أتباع الأنبياء عليهم السلام على الإسلام، قال نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72]، وقال عن إبراهيم: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:130-132].

وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84].

وقالت السحرة: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126].

وقال يوسف: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].

وقال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44].

وقال عن الحواريين: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111].

ودين الإسلام مبني على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين، وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين وكذلك شريعة الإنجيل.

وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجًا عن دين الإسلام.

فكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم ].

وهذا تتبين به مسألة وقع فيها الإشكال عند كثير من الذين يجهلون العقيدة، وشاع هذا الإشكال عند كثير من العصرانيين والعقلانيين وبعض المثقفين، وهو أنهم يفترضون أن طوائف من أهل الكتاب على الحق في هذا العصر ومنذ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: ما الذي يمنع أن يكون هناك طوائف من أهل الكتاب وهم الذين سلموا من العقائد الكفرية -بزعمهم- أو سلموا مما يوقعهم في الخروج من الملة، يبقون على مسمى الإسلام، وأنهم من الناجين كنجاة المسلمين المسلِّمين للرسول صلى الله عليه وسلم!

وهذا جهل؛ لأن من مقتضيات دينهم الذي كانوا عليه أن يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث، وهذا من الأركان الأساسية التي لا يصح دينهم إلا بها ولذلك كان يوجد بقايا من أهل الكتاب وفقهم الله فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا على الحق، ومن لم يسلم منهم وخذله الله لم يعد مسلماً كإسلامه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.

ومثال ذلك في المسلمين الآن: المسلمون باقون على مسمى الإسلام حتى يخلوا بشيء من نواقض الدين، ومن نواقض الدين أنه إذا جاء عيسى عليه السلام في آخر الزمان فمن آمن به وكان موفياً بشروط الإسلام فهو مسلم؛ لكن من كذب به بعد نزوله أو حتى قبل نزوله مع العلم بتواتر النصوص خرج من مقتضى الدين وهكذا.

فإذاً: دعوى أنه قد يوجد من بعض الديانات من يكون على الحق دعوى باطلة من أصلها؛ لأنها تنسف بوجوب إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:10]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24-25]، وقال تعالى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج:36].

ومنه الحديث: (إن أحدكم ليسألني المسألة فيخرج بها يتأبطها ناراً) وقوله: (اقطعوا عني لسان هذا).

وقد يكون السؤال منهياً عنه نهي تحريم أو تنزيه، وإن كان المسئول مأموراً بإجابة سؤاله، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من كماله أن يعطي السائل، وهذا في حقه من فضائله ومناقبه وهو واجب أو مستحب، وإن كان نفس سؤال السائل منهياً عنه.

ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئاً من ذلك، ولا سألوه أن يدعو لهم وإن كانوا قد يطلبون منه أن يدعو للمسلمين، كما أشار عليه عمر في بعض مغازيه لما استأذنوه في نحر بعض ظهرهم فقال عمر : (يا رسول الله! كيف بنا إذا لقينا العدو غداً رجالاً جياعاً! ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله بالبركة فإن الله يبارك لنا في دعوتك). وفي رواية: (فإن الله سيغيثنا بدعائك).

وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى أن يدعو الله له ليرد عليه بصره، وكما سألته أم سليم أن يدعو الله لخادمه أنس ، وكما سأله أبو هريرة أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين ونحو ذلك ].

هذه الصور تختلف عن الصور البدعية، حتى المحرم منها والمكروه، وهي أن يسأل المخلوق فيما يقدر عليه، فإنها في حد ذاتها ليست ببدعة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة؛ لأنها من باب سؤال الناس ما يقدرون عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما الصديق فقد قال الله فيه وفي مثله: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

وقد ثبت في الصحاح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (إن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر ، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، فلم يكن في الصحابة أعظم منه من الصديق في نفسه وماله.

وكان أبو بكر يعمل هذا ابتغاء وجه ربه الأعلى لا يطلب جزاء من مخلوق، فقال تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

فلم يكن لأحد عند الصديق نعمة تجزى، فإنه كان مستغنياً بكسبه وماله عن كل أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم كان له على الصديق وغيره نعمة الإيمان والعلم، وتلك النعمة لا تجزى، فإن أجر الرسول فيها على الله، كما قال تعالى: وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [يوسف:104].

وأما علي وزيد وغيرهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عندهم نعمة تجزى، فإن زيداً كان مولاه فأعتقه، قال تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب:37]، وعلي كان في عيال النبي صلى الله عليه وسلم لجدب أصاب أهل مكة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم والعباس التخفيف عن أبي طالب من عياله، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم علياً إلى عياله وأخذ العباس جعفراً إلى عياله، وهذا مبسوط في موضع آخر ].




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [9] 3404 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [1] 2845 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [16] 2782 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [31] 2750 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [8] 2653 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [35] 2585 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [29] 2544 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [26] 2519 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [36] 2449 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [17] 2434 استماع