شرح العقيدة الطحاوية [83]


الحلقة مفرغة

قال رحمه الله تعالى: [ قوله: (والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما) ].

قبل أن نبدأ بالشرح نشير إلى وجه الجمع بين الحج والجهاد في هذه الجملة، وهو أن الحج من أركان الإسلام، والجهاد أيضاً من أصول الدين، ونظراً لأن الحج والجهاد من الأعمال الجماعية الكبرى، فالحج من الأعمال التي تتعلق بعموم المسلمين، فلا يتأتى للمسلمين أن يختلفوا فيه؛ لأن اختلافهم يؤثر في أداء الشعائر، ولذلك يجب على الناس أن يلتزموا نهجاً واحداً في أداء الحج على ضوء ما يجتهد فيه الذي يتولى الحج في ذلك الوقت، وفي أداء المشاعر في أوقاتها؛ لأن المشاعر مربوطة بمكان وزمان، فلا يتأتى للناس أن يختلفوا فيها، وإذا اختلفوا فسد حج بعضهم، فلا بد أن يكون الوقوف في عرفة في يوم معين، فمن وقف قبل هذا اليوم أو بعده لا يصح حجه، ثم يتلو ذلك بقية الشعائر الأخرى التي تؤدى في الحج، فلذلك لا بد للمسلمين أن يلتزموا في الحج بقرار الإمرة التي تتولى الحج، سواء كان من يتولى الحج براً أو كان فاجراً عاصياً ظالماً.

وهنا أنبه على مسألة كثيراً ما تثور عند بعض الجهلة، وهي مسألة توقيت يوم عرفة، حيث يدور أحياناً في مجالس الناس عن جهل أن تقدير يوم عرفة مبني على كذا وكذا، وأنه ليس هناك رؤية في هذه السنة، أو أن مجلس القضاء الأعلى لم يقرر دخول ذي الحجة على رؤية، إنما هو اجتهاد أشخاص! فهذا كلام خطير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج يوم يحج الناس)، وما قال هذا إلا لأنه يعلم أن الناس قد تتفاوت أفهامهم، وفي هذه البلاد -والحمد لله- كل ما يتعلق بالمواقيت الشرعية من دخول رمضان وخروجه والحج ونحو ذلك يسير على أساس شرعي سليم بحمد الله، ويعلن من مجلس القضاء الأعلى أو من الديوان الملكي بناء على أمور ترجع إلى أهل العلم، خاصة فيما يتعلق بهذه الأمور الشرعية الخطيرة، فهناك من يتكلم في هذه الأمور بجهل أو بهوى فيضل الناس، وهذا أراه من أعظم الفتنة ومن أعظم الهوى ومن أعظم البدع التي يجب أن يردع من يقع فيها.

وإنما نبهت على هذا؛ لأنه بدأ يكثر عند بعض الجهلة وبعض المتعلمين وبعض أصحاب الغرور والأهواء الكلام بما يشكك الناس في شعائر دينهم، وهذا أمر خطير، ويجب على طلاب العلم أن لا يسمحوا للناس أن يخوضوا في هذه الأمور، فإذا أعلن وقت الحج فإعلانه شرعي ملزم، ولا داعي لهذه الأمور التي تحدث الوساوس، وقد ربط الحج بولاية الحج، فمن تولى إمرة الحج -براً كان أو فاجراً- لا بد من الحج معه، ولا يكون الحج صحيحاً إلا بتوقيته، فمن تأخر يوماً أو تقدم يوماً فحجه غير صحيح؛ لأن الحج يوم يحج الناس.

الرد على الرافضة المعطلين للجهاد إلى خروج مهديهم

قال رحمه الله تعالى: [ يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الرافضة، حيث قالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وينادي مناد من السماء: اتبعوه ].

الرافضة هم على رأس الفرق التي خالفت المسلمين، وتعمل في هذه الأمور بضد ما عليه أهل الحق، لكن غير الرافضة فيهم شبه منهم، فأكثر أهل الأهواء من سماتهم المخالفة في هذه الأمور، فلا نعرف أن أهل الأهواء يجاهدون مع المسلمين أو مع أئمة المسلمين، ولا يجاهدون إلا في فتنة، ويسمونها الجهاد، فلو نظرنا إلى المعتزلة والجهمية والخوارج وكثير من الفرق الكبرى لوجدنا أن هذا هو منهجهم، لا يقاتلون مع المسلمين، بل يقاتلون المسلمين، فإذا ثارت على المسلمين فتنة سارعوا فيها، ولا تجدهم في الثغور أو في جيوش المسلمين؛ لأنهم لا يرون الجهاد مع أئمة المسلمين.

فأهل الأهواء لا يقاتلون إلا في ألويتهم، ولا نعرف أن ألوية أهل الأهواء ضد الكفار أو لجهاد الكفار، بل ألوية أهل الأهواء دائماً في نحور المسلمين ومن قرأ التاريخ فسيجد مصداق هذا واضحاً جداً طيلة التاريخ الإسلامي.

فأكثر الفرق هم كالرافضة، لكن قد يكون لهم فلسفة أخرى ونظرة أخرى غير نظرة الروافض، فمتى ما حصلت ثورة على أئمة المسلمين شاركوا فيها، أما الرافضة فلا يشاركون إلا تأولاً أو من أجل النكاية، لا لأنه جهاد، ولا يجاهدون إلا مع هذا الموهوم المنتظر الخرافة الذي يسمونه المهدي المنتظر.

قال رحمه الله تعالى: [ وبطلان هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل، وهم شرطوا في الإمام أن يكون معصوما اشتراطا بغير دليل، بل في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعته) ].

قوله: (خيار أئمتكم) وقوله: (شرار أئمتكم)، يعني: الولاة؛ لأن لفظ (الأئمة) يطلق على صنفين: على الولاة السلاطين، أبراراً كانوا أو فجاراً، وعلى الأئمة في الدين، أئمة العلم، فهذه إمامة وهذه إمامة، وهذه لها حقها وهذه لها حقها، ولا شك أن من ولي أمر المسلمين فهو إمام لهم حتى ولو لم يكن على شروط الإمامة، لا كما يظن بعض الناس الذين يعتقدون جهلاً أنه لا يسمى إماماً إلا إذا توافرت الشروط، فهذا ليس بصحيح، ثم إن من الشروط شروطاً كمالية لم توجد إلا في الخلافة الراشدة.

فمن تولى أمر المسلمين فهو إمام، سواء كان براً أو فاجراً، ومصداق ذلك هذا الحديث، وهو صريح، حيث سماهم أئمة على الحالين، وهذا أمر له اعتباره في القواعد الشرعية، ولذلك بنى الحكم على هذا الاعتبار، فحين قالوا: (أفلا ننابذهم عن ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أيضاً قاعدة أخرى مهمة جداً، فقال: (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله) يعني: يكره ذلك في قلبه، ويناصح إن استطاع، وينكر إن استطاع بالأسلوب المناسب الذي لا يؤدي إلى الفتنة، لكن لا ينزع يداً من طاعة، وما أجهل كثيراً من الناس في هذا العصر من الذين بدءوا يجانبون هذه المسائل ويتهمون من يقول الحق أو يعتقده أو ينهج هذا النهج بأمور ليست مما يجوز أن يتهم فيه المسلمون أو يتراشق فيه المسلمون.

أقول: إن كثيراً من أهل السنة وأهل الحق الذين بقوا على هذا الأصل يكادون يعيشون غربة أحياناً في بعض بلاد المسلمين، بسبب انتكاس مفاهيم المسلمين وعملهم على غير الأصول، فالمسلمون الذين نهجوا مع ولاتهم نهج الخروج والقوة ما أصابوا الحق؛ لأن هذا ليس هو منهج السلف، فمن أنكر عليهم اعتبروه هو المخطئ، وهو الذي يخذل الدين، وهو الذي لا يعرف شيئاً... إلى آخره، حتى عاش كثير من أهل الرأي الصائب والقول الرشيد والاعتقاد السديد في غربة الآن في كثير من بلاد المسلمين، فلا بد من تقرير الحق، وأن يكون لطلاب العلم أثر في المسلمين يعملونه، ذلك أن أغلب المصائب التي وقعت على البلاد الإسلامية الآن -خاصة ما يحدث من القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وسفك الدماء وما ترونه وتسمعونه من فتنة في بعض بلاد المسلمين- يقوم أصلاً على مخالفة هذا المنهج، بسبب أن طائفة ممن عندهم حماس للدعوة إلى الله عز وجل، وعندهم غيرة على دين الله جهلوا هذا الأصل، فظنوا أن مقتضى الحسبة قتال الحكومات، وهذا خطأ شنيع؛ إذ هو أولاً مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه مخالفة لنهج الإسلام في الدعوة إلى الله، ومخالفة لأصول الدعوة وللأساليب المشروعة التي شرعها الله عز وجل، ولو أنهم اتقوا الله عز وجل وناصحوا بالتي هي أحسن وعملوا لوجدوا خيراً، وإذا ما وجدوا فالأمر لله من قبل ومن بعد، فنحن نطيع الله ونطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الأمر بعد ذلك لله؛ لئلا يقول قائل: إن الناس في بعض البلاد الإسلامية عملوا بهذه الأساليب ولم تنجح، فنقول: أمرهم إلى الله، فليس بلازم أن تنجح، أو أن تخالف أصول الإسلام لمجرد أن هذه الأساليب لا تنجح؛ لأن هذا ابتلاء من الله عز وجل.

فيجب على المسلمين أن يعملوا تجاه ولاتهم العمل الشرعي، فيطيعونهم بالمعروف ويناصحون ويعملون ما يستطيعون ويكرهون المنكر بالأساليب المناسبة، ويلجئون إلى الله عز وجل فيما لا يقدرون عليه بالدعاء والابتهال والاستقامة على دين الله، ويدعون الشعوب والمجتمعات إلى الخير والفضيلة، فيغرسون فيهم التوحيد، ويغرسون فيهم العلم الشرعي، ويفقهونهم في دين الله.

وأنا متأكد أنهم لو عملوا بالطرق الشرعية من تعليم الناس دينهم، وتفقيههم في دين الله عز وجل، وتعليمهم التوحيد، ومحاربة البدع، والتعامل مع الولاة بالأسلوب الشرعي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المناصحة والدعاء لو عملوا بهذه الأصول لأفلحوا ولا شك، لكن ما عملوا بذلك، بل أخذوا بأصول المعتزلة والخوارج وقالوا: هذا هو الحق، وركبوا رءوسهم، وكثير منهم لا يزال على هذا المنهج، نسأل الله السلامة.

خسارة الرافضة في تعليق الجهاد بالإمام المعصوم

قال رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم بعض نظائر هذا الحديث في الإمامة، ولم يقل: إن الإمام يجب أن يكون معصوماً، والرافضة أخسر الناس صفقة في هذه المسألة؛ لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا ].

لأنهم فرضوا له صفات لا يمكن أن تكون في البشر، فهو معدوم فعلاً، فتلك الصفات لا توجد في أحد من خلق الله عز وجل ولا من الذين يدعون أنهم أئمة معصومون، فهؤلاء الذين يدعون أنهم معصومون هم أناس من البشر منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، والصالحون منهم ليس عندهم هذه الخصائص التي ادعتها الرافضة، سواء منهم من يعلقون عليه بعض الآمال مثل المهدي الموهوم، أو الأحياء منهم أو الأموات الذين كان لهم وجود، ألقوا عليهم من الصفات والآمال وافترضوا فيهم من الخصال ما لا يوجد في مخلوق.

إذاً: فهم توهموا أموراً معدومة وليست حقيقية، فلذلك بقوا طيلة الدهر ينتظرون موهوماً حتى جاء الخميني وأظهر لهم فكرة جديدة، وهي فكرة (ولاية الفقية) الوسيط بين الإمام المزعوم الموهوم وبين الأجيال الحاضرة، وقال: لا بد أن نتولى بعض صلاحيات الإمام المعصوم المنتظر، فنفخ هذه الروح الوهمية أيضاً فانتفضوا انتفاضتهم المعلومة، لكنهم لا يزالون على أفكارهم الخيالية.

قال رحمه الله تعالى: [ فإنهم يدعون أن الإمام المنتظر محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب في زعمهم سنة ستين ومائتين أو قريباً من ذلك بسامراء، وقد يقيمون هناك دابة -إما بغلة وإما حرساً- ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك في أوقات عينوها لمن ينادي عليه بالخروج: يا مولانا! اخرج، يا مولانا! اخرج، ويشهرون السلاح، ولا أحد هناك يقاتلهم! إلى غير ذلك من الأمور التي يضحك عليهم فيها العقلاء! ].

ذكر المحقق في الهامش بعض الترجمة للعسكري التي توهم أن هذا الرجل له وجود، وأن له ولادة ووفاة... إلى آخره.

وهم يزعمون أنه المهدي، ويسمونه صاحب الزمان والمنتظر والحجة وصاحب السرداب، وقد ولد بزعمهم في سامراء، ومات أبوه وله خمس سنين، وكل هذه ليست حقائق بإجماع المؤرخين، فكل ما قالوه من هذا أوهام لا وجود لها تاريخياً أبداً حتى في كتبهم، وقد قرأنا في كتبهم ما يدل على أن هذا وهم وكذب، ولا أدري كيف يروون هذه الروايات التي يعتمدونها عندهم ثم يقولون بهذه الأكذوبة، فيكذبون ثم يصدقون أنفسهم، أقول: حتى في كتبهم المسندة يوجد ما يكذب القول بأن هناك رجلاً اسمه كذا... إلى آخره؛ إذ إن أباه كان عقيماً ومات عقيماً ليس له ولد ولا ذرية، وهذا معروف عند المؤرخين من غير الشيعة، وبعض الرافضة يثبت هذا.

قال رحمه الله تعالى: [ وقوله: ( مع أولي الأمر برهم وفاجرهم ) لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، فلا بد من سائس يسوس الناس فيهما، ويقاوم العدو، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام الفاجر ].

قال رحمه الله تعالى: [ يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على الرافضة، حيث قالوا: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وينادي مناد من السماء: اتبعوه ].

الرافضة هم على رأس الفرق التي خالفت المسلمين، وتعمل في هذه الأمور بضد ما عليه أهل الحق، لكن غير الرافضة فيهم شبه منهم، فأكثر أهل الأهواء من سماتهم المخالفة في هذه الأمور، فلا نعرف أن أهل الأهواء يجاهدون مع المسلمين أو مع أئمة المسلمين، ولا يجاهدون إلا في فتنة، ويسمونها الجهاد، فلو نظرنا إلى المعتزلة والجهمية والخوارج وكثير من الفرق الكبرى لوجدنا أن هذا هو منهجهم، لا يقاتلون مع المسلمين، بل يقاتلون المسلمين، فإذا ثارت على المسلمين فتنة سارعوا فيها، ولا تجدهم في الثغور أو في جيوش المسلمين؛ لأنهم لا يرون الجهاد مع أئمة المسلمين.

فأهل الأهواء لا يقاتلون إلا في ألويتهم، ولا نعرف أن ألوية أهل الأهواء ضد الكفار أو لجهاد الكفار، بل ألوية أهل الأهواء دائماً في نحور المسلمين ومن قرأ التاريخ فسيجد مصداق هذا واضحاً جداً طيلة التاريخ الإسلامي.

فأكثر الفرق هم كالرافضة، لكن قد يكون لهم فلسفة أخرى ونظرة أخرى غير نظرة الروافض، فمتى ما حصلت ثورة على أئمة المسلمين شاركوا فيها، أما الرافضة فلا يشاركون إلا تأولاً أو من أجل النكاية، لا لأنه جهاد، ولا يجاهدون إلا مع هذا الموهوم المنتظر الخرافة الذي يسمونه المهدي المنتظر.

قال رحمه الله تعالى: [ وبطلان هذا القول أظهر من أن يستدل عليه بدليل، وهم شرطوا في الإمام أن يكون معصوما اشتراطا بغير دليل، بل في صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعته) ].

قوله: (خيار أئمتكم) وقوله: (شرار أئمتكم)، يعني: الولاة؛ لأن لفظ (الأئمة) يطلق على صنفين: على الولاة السلاطين، أبراراً كانوا أو فجاراً، وعلى الأئمة في الدين، أئمة العلم، فهذه إمامة وهذه إمامة، وهذه لها حقها وهذه لها حقها، ولا شك أن من ولي أمر المسلمين فهو إمام لهم حتى ولو لم يكن على شروط الإمامة، لا كما يظن بعض الناس الذين يعتقدون جهلاً أنه لا يسمى إماماً إلا إذا توافرت الشروط، فهذا ليس بصحيح، ثم إن من الشروط شروطاً كمالية لم توجد إلا في الخلافة الراشدة.

فمن تولى أمر المسلمين فهو إمام، سواء كان براً أو فاجراً، ومصداق ذلك هذا الحديث، وهو صريح، حيث سماهم أئمة على الحالين، وهذا أمر له اعتباره في القواعد الشرعية، ولذلك بنى الحكم على هذا الاعتبار، فحين قالوا: (أفلا ننابذهم عن ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أيضاً قاعدة أخرى مهمة جداً، فقال: (ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله) يعني: يكره ذلك في قلبه، ويناصح إن استطاع، وينكر إن استطاع بالأسلوب المناسب الذي لا يؤدي إلى الفتنة، لكن لا ينزع يداً من طاعة، وما أجهل كثيراً من الناس في هذا العصر من الذين بدءوا يجانبون هذه المسائل ويتهمون من يقول الحق أو يعتقده أو ينهج هذا النهج بأمور ليست مما يجوز أن يتهم فيه المسلمون أو يتراشق فيه المسلمون.

أقول: إن كثيراً من أهل السنة وأهل الحق الذين بقوا على هذا الأصل يكادون يعيشون غربة أحياناً في بعض بلاد المسلمين، بسبب انتكاس مفاهيم المسلمين وعملهم على غير الأصول، فالمسلمون الذين نهجوا مع ولاتهم نهج الخروج والقوة ما أصابوا الحق؛ لأن هذا ليس هو منهج السلف، فمن أنكر عليهم اعتبروه هو المخطئ، وهو الذي يخذل الدين، وهو الذي لا يعرف شيئاً... إلى آخره، حتى عاش كثير من أهل الرأي الصائب والقول الرشيد والاعتقاد السديد في غربة الآن في كثير من بلاد المسلمين، فلا بد من تقرير الحق، وأن يكون لطلاب العلم أثر في المسلمين يعملونه، ذلك أن أغلب المصائب التي وقعت على البلاد الإسلامية الآن -خاصة ما يحدث من القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وسفك الدماء وما ترونه وتسمعونه من فتنة في بعض بلاد المسلمين- يقوم أصلاً على مخالفة هذا المنهج، بسبب أن طائفة ممن عندهم حماس للدعوة إلى الله عز وجل، وعندهم غيرة على دين الله جهلوا هذا الأصل، فظنوا أن مقتضى الحسبة قتال الحكومات، وهذا خطأ شنيع؛ إذ هو أولاً مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه مخالفة لنهج الإسلام في الدعوة إلى الله، ومخالفة لأصول الدعوة وللأساليب المشروعة التي شرعها الله عز وجل، ولو أنهم اتقوا الله عز وجل وناصحوا بالتي هي أحسن وعملوا لوجدوا خيراً، وإذا ما وجدوا فالأمر لله من قبل ومن بعد، فنحن نطيع الله ونطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم الأمر بعد ذلك لله؛ لئلا يقول قائل: إن الناس في بعض البلاد الإسلامية عملوا بهذه الأساليب ولم تنجح، فنقول: أمرهم إلى الله، فليس بلازم أن تنجح، أو أن تخالف أصول الإسلام لمجرد أن هذه الأساليب لا تنجح؛ لأن هذا ابتلاء من الله عز وجل.

فيجب على المسلمين أن يعملوا تجاه ولاتهم العمل الشرعي، فيطيعونهم بالمعروف ويناصحون ويعملون ما يستطيعون ويكرهون المنكر بالأساليب المناسبة، ويلجئون إلى الله عز وجل فيما لا يقدرون عليه بالدعاء والابتهال والاستقامة على دين الله، ويدعون الشعوب والمجتمعات إلى الخير والفضيلة، فيغرسون فيهم التوحيد، ويغرسون فيهم العلم الشرعي، ويفقهونهم في دين الله.

وأنا متأكد أنهم لو عملوا بالطرق الشرعية من تعليم الناس دينهم، وتفقيههم في دين الله عز وجل، وتعليمهم التوحيد، ومحاربة البدع، والتعامل مع الولاة بالأسلوب الشرعي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المناصحة والدعاء لو عملوا بهذه الأصول لأفلحوا ولا شك، لكن ما عملوا بذلك، بل أخذوا بأصول المعتزلة والخوارج وقالوا: هذا هو الحق، وركبوا رءوسهم، وكثير منهم لا يزال على هذا المنهج، نسأل الله السلامة.

قال رحمه الله تعالى: [ وقد تقدم بعض نظائر هذا الحديث في الإمامة، ولم يقل: إن الإمام يجب أن يكون معصوماً، والرافضة أخسر الناس صفقة في هذه المسألة؛ لأنهم جعلوا الإمام المعصوم هو الإمام المعدوم الذي لم ينفعهم في دين ولا دنيا ].

لأنهم فرضوا له صفات لا يمكن أن تكون في البشر، فهو معدوم فعلاً، فتلك الصفات لا توجد في أحد من خلق الله عز وجل ولا من الذين يدعون أنهم أئمة معصومون، فهؤلاء الذين يدعون أنهم معصومون هم أناس من البشر منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، والصالحون منهم ليس عندهم هذه الخصائص التي ادعتها الرافضة، سواء منهم من يعلقون عليه بعض الآمال مثل المهدي الموهوم، أو الأحياء منهم أو الأموات الذين كان لهم وجود، ألقوا عليهم من الصفات والآمال وافترضوا فيهم من الخصال ما لا يوجد في مخلوق.

إذاً: فهم توهموا أموراً معدومة وليست حقيقية، فلذلك بقوا طيلة الدهر ينتظرون موهوماً حتى جاء الخميني وأظهر لهم فكرة جديدة، وهي فكرة (ولاية الفقية) الوسيط بين الإمام المزعوم الموهوم وبين الأجيال الحاضرة، وقال: لا بد أن نتولى بعض صلاحيات الإمام المعصوم المنتظر، فنفخ هذه الروح الوهمية أيضاً فانتفضوا انتفاضتهم المعلومة، لكنهم لا يزالون على أفكارهم الخيالية.

قال رحمه الله تعالى: [ فإنهم يدعون أن الإمام المنتظر محمد بن الحسن العسكري الذي دخل السرداب في زعمهم سنة ستين ومائتين أو قريباً من ذلك بسامراء، وقد يقيمون هناك دابة -إما بغلة وإما حرساً- ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك في أوقات عينوها لمن ينادي عليه بالخروج: يا مولانا! اخرج، يا مولانا! اخرج، ويشهرون السلاح، ولا أحد هناك يقاتلهم! إلى غير ذلك من الأمور التي يضحك عليهم فيها العقلاء! ].

ذكر المحقق في الهامش بعض الترجمة للعسكري التي توهم أن هذا الرجل له وجود، وأن له ولادة ووفاة... إلى آخره.

وهم يزعمون أنه المهدي، ويسمونه صاحب الزمان والمنتظر والحجة وصاحب السرداب، وقد ولد بزعمهم في سامراء، ومات أبوه وله خمس سنين، وكل هذه ليست حقائق بإجماع المؤرخين، فكل ما قالوه من هذا أوهام لا وجود لها تاريخياً أبداً حتى في كتبهم، وقد قرأنا في كتبهم ما يدل على أن هذا وهم وكذب، ولا أدري كيف يروون هذه الروايات التي يعتمدونها عندهم ثم يقولون بهذه الأكذوبة، فيكذبون ثم يصدقون أنفسهم، أقول: حتى في كتبهم المسندة يوجد ما يكذب القول بأن هناك رجلاً اسمه كذا... إلى آخره؛ إذ إن أباه كان عقيماً ومات عقيماً ليس له ولد ولا ذرية، وهذا معروف عند المؤرخين من غير الشيعة، وبعض الرافضة يثبت هذا.

قال رحمه الله تعالى: [ وقوله: ( مع أولي الأمر برهم وفاجرهم ) لأن الحج والجهاد فرضان يتعلقان بالسفر، فلا بد من سائس يسوس الناس فيهما، ويقاوم العدو، وهذا المعنى كما يحصل بالإمام البر يحصل بالإمام الفاجر ].




استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح العقيدة الطحاوية [68] 3352 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [43] 3119 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [64] 3024 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [19] 2985 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [31] 2848 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [23] 2840 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [45] 2824 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [80] 2786 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [92] 2780 استماع
شرح العقيدة الطحاوية [95] 2748 استماع