حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على شرح جمع الجوامع

مدة قراءة الصفحة : دقيقة واحدة .
خُطْبَةُ المؤلف قال سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ مشايخ الإسلام، ملك العلماء الأعلام، صدر مصر ومكة والشام، حسن الليالي والأيام، أبو يحيي زكريا الأنصاري، الشافعي، أمتع الله بوجوده الأنام وحشره في زمرة خير الأنام: الحمد لله الذي أعلى معالم دين الإسلام، وبين لنا قوانين الشرع والأحكام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه البررة الكرام، وبعد: فهذه حاشية وضعتها على شرح جمع الجوامع في أصول الفقه والدين، لشيخنا الإمام المحقق، والحبر المدقق، أبي عبد الله محمد جلال الدين بن أحمد المحلي رحمه الله، تفتح منه مقفله، وتبين مجمله، وتبرز ما أهمله، مع بيان ما يرد عليه، والجواب عنه إن أمكن، وقد أتعرض فيها لكلام المصنف -رحمه الله- لإيضاح أو غيره، والله أسأل أن ينفع بها، فإنه قريب مجيب.
تَعْرِيفُ الْحَمْدِ بسم الله الرحمن الرحيم صاحب المتن: نَحْمَدُكَ اللهمَّ بسم الله الرحمن الرحيم الشارح: الحمد الله على إفضاله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله.
هذا ما اشتدت إليه حاجة المتفهمين لجمع الجوامع، من شرح يحل ألفاظه، ويبين مراده، ويحقق مسائله، ويحرر دلائله، على وجه سهل للمبتدئين، حسن للناظرين، نفع الله به آمين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: «بسم الله الرحمن الرحيم: نَحْمَدُكَ اللهمَّ»: أي نصفك بجميع صفاتك يا الله، إذ الحمد كما قال الزمخشري في الفائق: الوصف بالجميل، وكل من صفاته تعالى جميل، ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم المراد بما ذكر، إذ المراد به إيجاد الحمد لا الإخبار بأنه سيوجد.
المحشي: قوله: «أي نصفك بجميع صفاتك» أي إجمالا، إذ الثناء التفصيلي الشارح: وأتى بنون العظمة لإظهار ملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له بتأهيله للعلم، امتثالا لقوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى: 11.
وقال ما تقدم دون نحمد الله الأخصر منه، للتلذذ بخطاب الله وندائه.
وعدل عن الحمد لله - الصيغة الشائعة للحمد- إذ القصد بها الثناء على الله تعالى، المحشي: لا يطيقه البشر (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) إبراهيم: 34.
وقيْدُ الجميع أَخَذَهُ من مدلول اللفظ مع معونة المقام، لا من مدلوله وحده كما يدل لذلك على اكتفائه في الاستدلال له بكلام الزمخشري، بل ضم إليه قوله: «وكل من صفاته تعالى جميل»، وقوله: «ورعاية جميعها أبلغ في التعظيم المراد بما ذكر» أي من نحمدك اللهم.
قوله: «سيوجد» صدّر الفعل -هنا وفيما يأتي- بالسين، إشارة إلى أنّ الإخبار بالمذكورات بالنظر للمستقبل لا للحال، إذ لا يأتي فيه إنشاء بخلافه في الحال.
قوله: «وأتى بنون العظمة لإظهار ملزومها» إلى آخره: أي العظمة من لوازم التعظيم المذكور، وهو نعمة يطلب إظهارها لقوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى: 11، فمناسب الإتيان بنون العظمة لينتقل الذهن منها إلى ملزومها، فقوله: «من تعظيم الله له» بيان لِـ «ملزومها» المعلل إظهاره بقوله: «امتثالًا»، ويجوز أن يقال: أتى بالنون للمتكلم ومن معه، رعاية للأبلغية، وتنبيها على استصغاره نفسه، واعترافه بعجزها عن قيامه بحق الحمد، وما عطف عليه، كما أشار إلى ذلك خبر: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».
قوله: «الأخصر منه» أفعل التفضيل المعرف بِـ «أل» كالمضاف، لا يستعمل بِـ «من» فيؤول ذلك بأن «أل» زائدة أو جنسية لا معرفة، أو بأن «من» متعلقة بأخصر مقدَّرًا مدلولا عليه بالمذكور، كما قيل بمثله في قول الشاعر: