نشأة الإسناد وشموله

مدة قراءة الصفحة : دقيقة واحدة .
الافتتاحية الحمد لله رب العالمين، حفظ دينه من نَفَثَات الحاقدين، وهَمَزات المُبْطِلين، والصلاة والسلام على أصدق الخلق لساناً، وأثبتهم جَناناً، وأرضاهم مكاناً، وعلى آله وأصحابه مستند كل ثقة تقي، ومعتمد كل صالح رضي.
أما بعد: فلم يحتط الجيل الأول لشيء ما احتاط لدينه، لأن الدين عندهم هو الأعلى، لذا كان مقدماً حقيقة على كل شيء: من نفس ووالد وولد وأخ وزوجة وعشيرة ومال ووطن، ولما كان ذاك العهد الأول مثالاً في الصدق والأمانة والديانة، ونموذجاً في الحفظ والإتقان والمتانة، لم يكن أهله بحاجة إلى الإسناد، ومع هذا فقد حَرَص الكثيرون عليه ورغبوا به، لكونهم ينشدون الكمالات، ولا يقنعون إلا بعالية الدرجات، ولأن التثبت في الدين لا يأتي إلا بخير، وكما قيل في المثل: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
إلا أنه لما طَرَأ تغير الشأن والحال، وبدأ ظهور الفتن والخَبَال، احتاط الصحابة رضوان الله تعالى عليهم للسنة كل احتياط، ونافحوا عنها بكل ما أوتوا من علم وحكمة ونشاط.
ثم لما تفاقم الأمر ببُدُوّ الكذب من بعض أهل الأهواء عند ضعف أمر السلطان، شَمّر السلف عن ساق الجد في الذب عن السنة وحمايتها من أي بُهتان، وأوجبوا السؤال عن الإسناد، وجعلوه شغلهم الشاغل، فنصر الله بهم دينه، وثَبّت سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأخزى كل متربص بسوء، فاضحاً أمره، وكاشفاً عُواره، حتى ميز الله الخبيث من الطيب، وأحق الحق، ودمغ أهل الباطل بقالة السوء، فانقلب السحر على الساحر، وانهتك ستر كل شقي ماكر، {فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} (1).


(1) سورة غافر: من الآية (78).