منهج المتقدمين في التدليس

مدة قراءة الصفحة : دقيقة واحدة .
منهج المتقدمين في التدليس تأليف ناصر بن حمد الفهد تقديم فضيلة الشيخ المحدث عبد الله بن عبدالرحمن السعد مقدمة فضيلة الشيخ المحدث عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه وستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد: فقد اطلعت على الرسالة التي كتبها الشيخ ناصر بن حمد الفهد وفقه الله تعالى وهي: " منهج المتقدمين في التدليس " فوجدتها رسالة نفيسة في بابها، قيمة في محتواها، وعنوانها يدعو إلى قراءتها.
وقد اطلعت من قبل على رسائل أخرى للشيخ ناصر الفهد فوجدتها كلها مفيدة، مبنية على اتباع ما دل عليه الكتاب والسنة، سالكاً فيها منهج السلف الصالح، نحسبه كذلك ولا مزكيه على الله تعالى.
وهذه الرسالة وهي بحث قضايا التدليس، وكيفية التعامل مع هذه القضايا، وما ينبني على ذلك من أحكان وما ينتج من ذلك من آثار، قيد ذلك كله مؤلف هذه الرسالة بمنهج المتقدمين.
فبين فيما كتب طريقة المتقدمين في التعامل مع المدلسين، وبيان أنواع التدليس، وكيفية التعامل مع هذه الأنواع.
ومعرفة هذا المنهج ـ أعني منهج المتقدمين ـ في هذه المسألة وغيرها من قضايا الصناعة الحديثية أمر لا بد منه في باقي العلوم الشرعية (1)

(1) مثل ما حصل في باب الاعتقاد من مخالفة الكثير لطريقة السلف في (علم التوحيد) وتكلموا في ذات الله تعالى وصفاته بأدلة العقول وتركوا الكتاب والسنة فأدى هذا بهم إلى إنكار أسماء الله وصفاته وعلوه على خلقه فضلوا وأضلوا.
ومثل ما حصل أيضاً في أبواب الفقه من التعصب لأقوال العلماء والاقتصار عليها في التفقه دون التفقه على الكتاب والسنة والرجوع إليهما، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى (عجبت لمن عرف الإسناد وصحته يذهب إلى قول سفيان).
وقال أبو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى (ومن ذلك أ أعني محدثات العلوم ما أحدثه فقهاء أهل الرأي من ضوابط وقواعد عقلية ورد فروع الفقه إليها وسواء خالفت السنن أو وافقتها طرداً لتلك القواعد المقررة وإن كان أصلها مما تأولوه على نصوص الكتاب والسنة، لكن بتأويلات يخالفهم غيرهم فيها.
وهذا هو الذي أنكره أئمة الإسلام على من أنكروه من فقهاء الرأي في الحجاز والعراق وبالغوا في ذمه وإنكاره.
فأما الأئمة وفقهاء أهل الحديث فإنهم يتبعون الحديث الصحيح حيث كان إذا كان معمولاً به عند الصحابة ومن بعدهم أو عند طائفة منهم، فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به .
.
.
)
1هـ (من فضل علم السلف على الخلف).
ومن ذلك ما حصل في علم أصول الفقه من سلوك طريقة المتكلمين وإدخال علم الكلام المذموم في أصول الفقه.
= = قال أبو المظفر السمعاني في (قواطع الأدلة) 1/ 5ـ6: (وما زلت طول أيامي أطالع تصانيف الأصحاب في هذا الباب، وتصانيف غيرهم فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام ورائق من العبارة، ولم يداخل حقيقة الأصول على ما يوافق معاني الفقه، ورأيت بعضهم قد أوغل وحلل وداخل غير أنه حاد من محجة الفقهاء في كثر من المسائل وسلك طريقة المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير ولا نفير ولا قطمير (ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور) .
.
.
)
اهـ.
وغير ذلك مما خالف فيه كثير من الناس طريقة السلف، وما زال أهل بحد الله تعالى ينبهون على ذلك ويدعون إلى السير على منهج السلف الصالح.
ولا يظن أنني عندما أدعوا إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعوا إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم والاستفادة منهم، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا، ثم عندما ظن هذا الظن السئ وتخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلاً بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحه الحديث.
فيا سبحان الله! هل هذا الإمام الجليل، والحافظ الكبير يحتاج إلأى أن تأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم ابن الحجاج وأبي عبد الرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون، حتى أنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثير كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منذ خروجه من المدينة إلأى مكة إلى رجوعه، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله، وهذا جزء يسير من كتابه النفيس (البداية والنهاية) الذي ذكر فيه بدء الخليفة إلى قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى زمنه يسزق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية ومما جاء من الصحابة والتابعين وهلم جرا.
وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب وفسر فيه القرآن بالقرآن، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين.
فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنساناً غاية في البلادة أو ممن أعمى الله بصره وبصيرته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومما يستغرب من هؤلاء الإخوان أنهم قالوا: لا تقولوا (مذهب المتقدمين) وهذا عجيب لأنه: أولاً: لا مشاحة في الاصطلاح.
ثانياً: أن أهل العلم استخدموا ذكل كما سيأتي إن شاء الله تعالى النقل عنهم.
ثالثاً: أن هذا الاسم مطابق للمسمى كما هو ظاهر.
رابعاً: أي فرق بين أن يقال (مذهب المتقدمين) أو (أهل الحديث) أو (أئمة الحديث) أو نحو ذلك.
خامساً: أن هذه الكلمة لا تخالف كتاباُ ولا سنة ولا إجماعاً، وإنما هو الاصطلاح مثل باقي الاصطلاحات، لا يدعو إلى مثل هذا الإنكار الذي جرى من هؤلاء الإخوان والعجيب أيضاً أن هؤلاء الإخوان أخذوا يدعون إلى مثل ما نقول به، فقالوا: ينبغي دراسة مناهج المحدثين.
وأي فرق بين الدعوة إلى دراسة (مناهج المحدثين) أو دراسة = (منهج المتقدمين) فالأول هو الثاني ولا فرق عندهم فليبينوه والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.