رموز الوسوم عند العرب
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
رموز الوسوم عند العرب
راشد بن فضل الدّوسري * - 24/ 3 / 2011م - 6:51 م - العدد (60)
المقدمة
لكل حضارة من حضارات العالم ثقافتها ورموزها التي تستخدمها في شتى مجالاتها اليومية، كالدينية والثقافية والاجتماعية، ولا تبعد الثقافة العربية عن ذلك، فالعرب لديهم رموزهم التي يستعملونها، ويعنون بها شيئًا مًّا، فهم استخدموا أسماء الحيوانات، مثلاً، للدلالة على رمز معيّن، فالغراب والبوم يرمز عندهم إلى الشؤم، والحمامة ترمز إلى الخير [1]، والحيّة لها عدة رموز، والأسد يرمز عندهم إلى القوة، وأنثى الكلاب ترمز إلى الفساد [2].
إن قلة التدوين والتسجيل لدى عرب الجاهلية، وانتشار الأمية بينهم، وهو ما أكده القرآن الكريم في وصفهم بالأميين [3]، أدت إلى أن تظل بعض تلك الرموز محفوظة في أمثالهم وأشعارهم، واهتم جامعوا اللغة بعد الإسلام بتدوين كل ما استطاعوا الحصول عليه من ثقافة عربية تحت الجذر اللغوي، التي يستخدمها قدامى العرب، ومن بينها أسماء الوسوم [4].
إلا أن هناك جوانب كثيرة تتعلق بهذا، وما زالت بحاجة إلى دراسة وبحث؛ كمعنى رموز الوسم، والتي تنصبُّ في الثقافة الرمزية للمجتمع العربي، وهي ما زالت بحاجة إلى الاكتشاف والدراسة والتحليل.
مع الانتباه إلى أن ثقافة العرب العامة في الجاهلية هي الوثنية، وهي تختلف عن ثقافة العرب بعد الإسلام، الأمر الذي يعني الحذر في التعميم لرمزية العرب قبل الإسلام وبعده إلا في بعض الأمور التي لم يرفضها الإسلام مثل مكارم الأخلاق. ومن هذه الرموز: رمزية الوسم، الذي يعتقد أن تاريخه يرجع إلى أزمنة سحيقة عندما كان الوسم له «أهداف طقسية، تؤدي إلى حفظ الحيوان من الأرواح الخفية الشريرة، كالجن والشياطين وغيرها» [5].
وتعد دراسة الوسوم من الدراسات العربية القليلة عن هذا الجانب، وقليل من تطرق إلى دراسة هذا الموضوع، وأكثر ما خرج من الدراسات هو جمع لبعض أشكال الوسوم الحديثة، وأسمائها، وهو -بلا شك- جهد يشكرون عليه.
قلة الدراسات الحديثة عن رموز العرب، وكذلك وسومها التي من المعتقد أنها استمرار للوسوم العربية القديمة، هي الباعث إلى كتابة هذا المقال بقصد تسليط الضوء على هذا الجانب، وأملي أن أضيف لبنة إلى اللبنات القليلة فيه.
تكمن الصعوبة؛ في أن المعاني الرمزية المتعلقة بهذا الجانب قليلة، مما اضطُر إلى مقارنتها مع بعض رموز الثقافات الأخرى، وكذلك مقارنتها مع بعض الثقافة الرمزية المحلية الشعبية في الجزيرة العربية، التي من المفترض أنها استمرار للثقافة العربية القديمة.
والملاحظ أن أسماء الوسوم وأشكالها - في بعض الأحيان - تختلف من قبيلة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، فقد يكون هذا الوسم له اسم آخر عند قبيلة أو منطقةٍ مَّا، وقد يعبّر هذا الوسم عن شكل ما لدى قبيلة أو منطقة أخرى [6].
والوسم طريقة عالمية قديمة في تحديد ملكية الماشية، لدى العرب وغير العرب، اشتهرت في بادية الجزيرة العربية لاستخدامها إياها في وسم الإبل خاصة، قال تعالى في خطابهم: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} الغاشية: 17، فإن الإبل لديهم أكثر من سكان الحواضر الذين هم كذلك استخدموا الوسم. وخاطب القرآن الكريم العرب بلغتهم، فجاء ذكر عملية الوسم في قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} القلم: 16.
الدراسات السابقة:
اقتصرت الدراسات الحديثة حول الوسم على عملية جمع أشكاله وأسمائه، مثل دراسة السعدوني والجودي والصويان ورفاقه، وحمزة فتح الله [7]، وعنْوَن الفحام بحثه بـ (رموز الوسم) [8] وعني بذلك أسماء الوسوم