ثنائية الاستعمال اللغوي عند العرب
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
ثنائية الاستعمال اللغوي عند العرب
الهمزة والتسهيل في القراءات القرانية انموذجا تطبيقيا
م. م شهيد راضي حسين
جامعة البصرة - كلية التربية
قسم اللغة العربية
مجلة آداب ذي قار / العدد 3 / المجلد 1 / ايار 2011
من يتصدى لدراسة الظواهر اللغوية، ولاسيما الصوتية منها بوصفها استعمالات لغوية صدرت عن العرب، يلحظ في طبيعتها الاستعمالية تباينا نطقيا، وهذا ما أشكل على مسجلي اللغة ورواتها في عملية تصنيفها بيئياً، لان التباين في الاستعمال والأداء راجع إلى التنوع المكاني الذي صدرت عنه تلك الاستعمالات اللغوية إذ تمثلت هذه الظواهر او الاستعمالات اللغوية ببيئات لغوية، وصف بعضها بالفصيح وهذا هو الوصف العام لجملة من الاستعمالات اللغوية، وفي نظرنا يدخل هذا الوصف في باب التحديد أو التحديث الاولي لتلك البيئة، والامر في هذا منوط بما قال به الرواة وأهل اللغة فيما دونوه من ظواهر لغوية فضلا عن بيان بيآتها التي صدرت عنها، و لكن القارئ وفي أدنى موازنة بين ما صنف من كتب عُنيت بالاستعمال اللغوي عامة (1)، وبين الكتب التي عُنيت بالرواية اللغوية فضلا عن تحديد بيآتها، يلحظ أن العربي أو ابن بيئة ما قد يلتمس وجوه الصحة من اللغات و الاستعمالات اللغوية، إذ يستعمل ما يتناسب وطبيعة أدائه وثقافة اللغوية، وإن كانت هذه الوجوه والاستعمالات في زمن متأخر فيما يخص عمل الرواة والنحاة، فيها من النقض لمذهب اللغويين والنحويين، الذين اكتفوا بالتنوع المكاني الذي وصف عندهم بالفصيح من دون تحديد منهم للنوع اللغوي، لذلك جاءت بعض الاستعمالات اللغوية موسومة ببيئة معينة دون غيرها حتى باتت تعرف هذه اللغة هي لغة قبيلة كذا، وظل هذا الأمر إلى يومنا هذا، ونحن نكرر ما قاله القدماء: إنَّ البيئة الحجازية بيئة تسهيل وتلييّن وهذا يتعارض مع وصفهم اللغة الحجازية ولاسيما لغة قريش يقولون: إنَّ قريشا أفصح العرب، لأنها اختارت للسانها الأفصح والأنقى من لغات العرب، نقول: أين هي من تحقيق الهمز إذا كانت تختار الأفصح؟ ثم لماذا جعل اللغويون تحقيق الهمز في لغة قريش مرتبطا بالقراءات القرآنية خاصة لأنهم يقولون لولا أن القراءة سنة متبعة ما تكلفت قريش نبر الهمزة وتحقيقها في القرآن الكريم؟ وروي عن أمير المؤمنين علي (ع) أنه قال: نزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأصحاب نبر ولولا أن جبرائيل (ع) نزل بالهمزة على النبي (ص) ما همزنا (2).
إنَّ المدقق في هذه الرواية _ إن صحت عن أمير المؤمنين (ع) _يدرك أنَّ لغة قريش تفتقر إلى صوت الهمزة قبل نزول الوحي وأنَّ النطق بالهمزة مرحلة متطورة في اللسان العربي، وهذا ما لا يقول به أحد لأن للهمزة دورا في عملية التلفظ عند العرب القدماء، بوصفهم جزءًا من أرومة اللغة السامية التي اكتشفت للعالم الأبجدية الهجائية، إذ وضعت لكل صوت لغوي رمزا كتابيا، وقد تميز صوت الهمزة لدى واضعي الأبجدية من الساميين القدماء بوصفها حرفا أو صوتا ساكنا، ووضعوا لها رمزا كتابيا مستقلا وحافظوا على كتابتها حتى بعد أن سُهلت في بعض اللغات السامية وأصبحت في النطق حرف مد (3). واللغة العربية حافظت على هذا الصوت وذهبت المذهب نفسه بوصفه رمزا كتابيا مستقلا. ومن هنا اعتمدت ثقافة الناطق العربي على مبدأ ثنائية الاستعمال لهذا النوع اللغوي الذي وصف من قبل بأنه استعمال لغوي مخصوص ببيئة ما، وعلى هذا الأساس ذهب الباحث لدراسة تطبيقية لظاهرة الهمزة في القراءات القرآنية آملاً بأنْ تُفصح عما نريد بيانه.
ظاهرة الهمز في اللغة العربية:
اتسمت اللغة العربية الفصحى بظاهرة الهمز إلى جانب الكثير من الظواهر اللغوية التي أفصحت عن نظام وطبيعة لغة الاستعمال، ولاسيَّما الظواهر الصوتية كالإمالة والإدغام والوقف والإعلال والإبدال .... الخ.