مادة (ع ل م) في القرآن الكريم دراسة في صورها البنائية ودلالاتها ومراتبها

مدة قراءة الصفحة : 4 دقائق .
مادة (ع ل م) في القرآن الكريم دراسة في صورها البنائية ودلالاتها ومراتبها المدرس الدكتور ليث داود سلمان جامعة البصرة –كلية الاداب قسم اللغة العربية بسم الله الرحمن الرحيم الكلمة حدها مجموعة من الحروف الملفوظة، ينتجها جهاز نطقي خاص، وهي مادة صوتية تقتضي وسطا ً خارجيا ً تحرر من خلاله حتى تصل الى محل منفعل بها، وبعدها وسيلة اتصال تخرج مستعملها من وحدته وفرادته الى ما به يتقوم وجوده وكيانه المتمثل بالضرورة الاجتماعية. وتتكون هذه العملية من أطراف مادية محسوسة تتمثل بالمرسل والمرسل اليه والرسالة، لا يعني أن ننظر إليها نظرة كلية مستقلة، لأن المذكور سالفا ً هو العوارض والخصوصيات، كالأصوات والحنجرة والوسط والسمع وغيرها، لا المعنى الحقيقي الذي يعرف من غايته وهو الفهم والافهام. وفي هذا الشأن يقول العلامة المصطفوي: (ان الأصل الواحد في المادة: هو إبراز ما في الباطن من الأفكار والمعنويات، بأي وسيلة كان) (1) (*) ومما لا شك فيه أن الحيثية المادية للغة، وأعني بها الخصوصيات التي ترافقها، والعوارض التي تشخصها، والعوالم التي تتحرك بها، توهم كثيرا ًمن القراء الذين يتعاملون معها، فيلجون الى نصوصها وجملها بخزين معرفي يستند الى تجاربهم الضيقة وممارساتهم المحدودة، ومن ثم تكون معطياتهم ناقصة، وهذا ما حدا بالباحث أن يسلط الضوء على مادة لغوية من مواد النص القرآني مبينا ًمن جهة دور اللغة، وخصوصا ً لغة القرآن في التكاثر والنمو، أي استعمال الأبنية المتعددة المترشحة من الأصل اللغوي، وما تقدمه هذه الأبنية من دلالات متعددة على وفق المنظور القرآني، ومن جهة أخرى يبين عمل القدرة الإلهية في إخراج هذا المعطى الصوتي – الذي ينتمي الى حيثية المادة – بنحو كاشف عن مكنونات عالم الغيب والشهادة على حد سواء. فتطلق اللفظة، وفيها إشارتان الى عالم الغيب وعالم المادة، ومن ثم لا تقتصر الدائرة الكلامية على أبناء النوع الإنساني، بل تتسع لتشمل الوجود الواجب والوجود الممكن قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}.إبراهيم / 1 ولا يقفز الى ذهن المتلقي أن هذه الدائرة أطرافها مادية بلحاظ طرفها الإنساني. نعم، إن الإنسان مادة بلحاظ كينونته بظرف الاجتماع، ووعاء الزمان لكنه بجهته السامية، وخلافته التكوينية موجود مجرد، اتخذ من بدنه وسيلة لتحركه في هذه النشأة الدانية، ومن ثم فان الواجب عز وجل يخاطب المجرد القار في البدن المادي بمستويات متعددة بحسب اشتداد الجانب الروحي (**) أو الجانب المادي (*) فيه. ومن ظهرت به هذه الحقيقة جلية، علم أن الخطابات القرآنية ليست على سمت واحد، فتارة تطلق الألفاظ، ويراد بها الظاهر ومرة تطلق ويراد بها الباطن، وأخرى تطلق ويراد بها باطن الباطن استنادا ً الى تعدد النشآت التي يتحرك فيها الإنسان (2). وقد وقع الاختيار على مادة (ع ل م)؛ نظرا ً لما في مبانيها من معان متعددة، ودلالات متنوعة، ولما في معانيها من درجات متفاوتة. . وقد اقتضت الأهمية هذه تقسيم البحث على ثلاثة محاور: يقدم الباحث في المحور الأول المباني المتعددة لهذه المادة مبينا ً خصوصية العالم من حيث الشخص والعدد والنوع. وقد تحدث في المحور الثاني عن دلالة كل مبنى من هذه المباني، مستعينا ً بالسياق كثيرا ً في إبراز دلالة المبنى وزمنه، وخصص الحديث في المحور الثالث عن مراتب هذه المادة في ظهورها اللفظي من حيث المعنى، وقد ركز الباحث على المباني التي فيها جنبة ... العلم، وأهمل المباني الأخرى مثل العالمين والأعلام وغيرها؛ لأهمية الاول في نظر القرآن، وما تعطيه من أبعاد أخلاقية وعقدية وغيبية تجعل المتلقي يتعامل معها بترو ٍوتدقيق، وخصوصا ً في الموارد التي يكون الله عز وجل هو المعلّم. المحور الأول المباني المتعددة للمادة: في هذا المحور تبرز خصوصية اللغة التي تجعلها قادرة على النمو والتحرك والتكاثر أكثر من غيرها من اللغات، والمدقق في المعجم، يجد أن مواده محدودة بخلاف مبانيه الكثيرة جدا ً، التي تنتمي الى الجذر نفسه. ولم يشذ القرآن عن ذلك، فقد استخدم المواد اللغوية، ونوّع في مبانيها، بغية الوصول إلى المعنى الأسنى من