كتب الغريب. . . بين حقيقة معنى (الغريب) وواقع التأليف
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
كتب الغريب: (غريب القرآن)، (غريب الحديث) ... (غريب اللغة) بين حقيقة معنى (الغريب) و واقع التأليف ـــ د. محمد كشّاش
توطئة:
للألفاظ اللغوية أثرها في حياة الإنسان. فهي إحدى أدوات التواصل التي يعبر بها عمّا في الجنان بواسطة اللسان، لأنّ اللفظ يجسد ما في النفس. قال الشاعر: (من الكامل)
لا يُعْجِبَنَّكَ مِنْ خطيبٍ خُطْبَةٌ حتْى يكونَ مع الكلامِ أصيلا
إنّ الكلامَ لفي الفؤادِ، وإنما جُعِلَ اللسانُ على الفؤادِ دليلا ([1])
ويرتقي دور الألفاظ مع تطور الحياة الفكرية وتقدم العلوم. ويبرز ذلك حين تصبح الألفاظ أوعية الفكر ومظهره. إذ لولاها لما وصلت العلوم والمعارف من السابق إلى اللاحق شيء.
ولما كانت الألفاظ خزائن المعاني وحاضنة المعارف، توقف عليها الكثير من الأمور، إذ بفهمها فهم مدلولها وتحصيل ما تحويه من معان، ولهذا كانت مقدمة على المعاني عند العلماء. ذكر الإمام مجد الدين بن الأثير ما يلزم لمعرفة علم الحديث، قال: أحدهما معرفة ألفاظه، والثاني معرفة معانيه. ولا شك أن معرفة الفاظه مقدمة في الرتبة، لأنها الأصل في الخطاب، وبها يحصل التفاهم، فإذا عرفت ترتبت المعاني عليها، فكان الاهتمام ببيانها أولى" ([2]).
تقديراً لأهمية الألفاظ، اشترط الأئمة في الفقيه معرفتها، والإلمام بها، نقل عنهم قولهم:
(إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غنى لأحد منهم عنه. وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله عز وجل وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة عربية، أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدّا" ([3]).
وتوسع العلماء في تقدير معرفة اللغة إلى درجة أعلى، حين رفعوا تكليف تعلمها والإلمام بها إلى مرتبة "فرض الكفاية"، قال ابن حزم: "وأما النحو واللغة ففرض على الكفاية .. لأن الله يقول: (وما أَرسلْنا من رسول إلا بلسان قومه لِيُبَيِّنَ لهم) ([4])، وأنزل القرآن على نبيه عليه السلام بلسان عربي مبين، فمن لم يعلم النحو واللغة، فلم يعلم اللسان الذي به بيّن الله لنا ديننا وخاطبنا به ومن لم يعلم ذلك فلم يعلم دينه، ومن لم يعلم دينه، ففرض عليه أن يتعلمه، وفرض عليه واجب تعلم اللغة والنحو" ([5])
وحقيقة الأمر أن الألفاظ تؤدي دوراً جليلاً في حياة الإنسان اجتماعياً وفكرياً .. فإذا ما أصابها الزلل واعتراها الخطل، تعطل دورها وخفيت دلالتها، فبات الإنسان في حيرة من أمره. ولا غرابة بعد ذلك أن ينشد البحتري: (من الكامل).
باللّفظِ يَقْرُبُ فهْمُهُ في بُعْدِهِ عنّا ويبعُدُ نَيْلُهُ في قُرْبِهِ ([6])
ولعظم أهمية الألفاظ، أعارها علماء العربية عنايتهم من الدراسة والجمع، فكانت بواكير المؤلفات اللغوية تدور حول الألفاظ، من هذه المؤلفات كتب "غريب القرآن"، وفي طليعتها كتاب عبد الله بن عباس (ت68هـ /687م)، الذي عدّ اللبنة الأولى في بناء المعاجم العربية ([7]) ثم توالى التأليف في هذا اللون من اللغة، فعرف كتاب غريب القرآن لأبي عبيدة، وكتاب غريب القرآن لمؤرج السّدوسي، وكتاب غريب القرآن لابن قتيبة، وكتاب