تنزيه القرآن عن المطاعن - معتزلي
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
موجز عن كتاب «تنزيه القرآن عن المطاعن» (*)
• كتاب «تتزيه القرآن عن المطاعن» واحد من آثار القاضي عبد الجبار في التفسير، بل من نوادر تراث المعتزلة. هذا الكتاب قد ابتدأه مؤلفه بسورة الفاتحة , واختتمه بسورة الناس، ولكن لا يستقصي جميع السورة، ولايعرض لكل آياتها بالشرح. لم يقصد فيه مؤلفه أن يعرض لشرح كتاب الله آية آية، بل كان همه - كما يظهر لنا من مسلكه في الكتاب نفسه - توضيح الآيات المتشابهات والدفاع عن القرآن والإسلام وعقيدة المؤلف من خلال آيات الله في كتابه ضد الشبه والمطاعن، مثل المشكلات اللغوية والتعبيرية، وتأويل الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض والتناقض، ونقض شبه الآراء والأفكار والإعتقادات من أرباب الديانات الأخري، وشبه المخالفين له من الفرق والمذاهب الإسلامية.
• عالج القاضي ما يقارب 848 شبهة أو طعنا في جميع السور القرآنية، ويلاحظ أن نصف هذه المطاعن وتحديدا 436 طعنا في 13 سورة فقط , وباقي المطاعن في السور الباقية، وكأن القاضي بدأ كتابه بهمة عالية فعالج في سورة البقرة وحدها 91 طعنا، وفي آل عمران 70 طعنا، وبدأت أعداد المطاعن بالتراجع، إلى أن أصبح القاضي يعرض في السورة الواحدة طعنا أو شبهة واحدة أو شبهتين ويرد عليها، وكرر هذا الأمر بأكثر من 53 سورة، أي ما يقرب نصف العدد من السور التي عالجها حيث لم يذكر القاضي أكثر من 75 شبهة. ولعل السبب في ذلك أن القاضي بدأ كتابه بهمة عالية وبدأت الهمة تقل في منتصف الكتاب.
• إذا نظرنا إلى هذا التفسير من حيث الاستمداد استنتجنا إنه من قبيل التفسير بالدراية أو التفسير بالرأي، لأن القاضي اعتمد في تفسيراته على العقل أكثر من اعتماده على النقل. وأما إذا نظرنا إلى هذا التفسير من حيث الإتجاه والنزعة استنتجنا إنه من قبيل التفسير الاعتقادي والتفسير اللغوي، لأن البحث في العقائد واللغة هو الغالب في هذا التفسير.
• إذا تتبعنا تفسير القاضي عبد الجبار في كتابه «تنزيه القرآن عن المطاعن» سوف نجد أن منهج تفسيره في هذا الكتاب يقوم على
1 - تحكيم العقل والإعتماد عليه في فهم القرآن أكثر من التحكيم والاعتماد على المنقول. لأن القاضي يمجد العقل تمجيدا ويعليه فوق كل شيء، ولأن العقل عنده وعند سائر المعتزلة - في مراتب الأدلة - في الدرجة الأولى.
2 - المزاملة بين حجج العقل وحجج القرآن.
3 - الاستشهاد بالأحاديث وأسباب النزول.
استعان القاضي كثيرا بما ورد من الأحاديث في تفسير بعض الآيات لدعم رأيه، لكنه من ناحية أخرى رفض بعض الأحاديث التي لا تتفق ورأيه. وأما بالنسبة لأسباب النزول، فقد تحدث القاضي في كتابه هذا عن إحدي عشرة آية، فيها أسباب للنزول، وذلك في أربعة سور قرآنية، وجميعها كانت في معرض الرد على شبهة أو طعن.
4 - الاستشهاد بالواقع المحسوس.
ومن أسس منهج تفسير القاضي في كتابه هذا وفي كتبه الأخرى، استخدامه للوقائع المحسوسة والحقائق البديهية في الحياة الإنسانية لمؤازرة الحجج العقلية والحجج القرآنية في البرهنة والاستدلال.
5 - التوحيد والعدل هو المحور الذي دار حوله القرآن.
إذا تتبعنا وتأملنا كتاب التنزيه وتفاسير سائر المعتزلة لوجدنا أن تفاسيرهم لآيات القرآن يدور حول معنى التوحيد والعدل -الذي تفرع منهما سائر الأصول الخمسة - كما صورهما المعتزلة، ولا تخرج عن ذلك المعنى. وذلك لأن التوحيد والعدل هما من صفات الله تعالى الملازمة له, فلا يخرج كلامه تعالى عن ذلك المعنى.
6 - بيان المعاني والقواعد اللغوية وتحديد المصطلحات.
ومن أسس تفسير القاضي بيان المعاني والقواعد اللغوية، فقد كشف بذلك عن شيء من جمال التركيب القرآني الذي ينطوي على البلاغة والإعجاز. وقاعدة أخرى من قواعد تفسير القاضي هي البحث عن التحديد الدقيق لمعاني المصطلحات الواردة في القرآن، وفي هذا التحديد لمعاني هذه المصطلحات يلجأ القاضي إلى استقراء آيات القرآن فيحصي المواضع التي وردت فيها هذه المصطلحات، ثم يحدد معناها على ضوء من هذه النظرة الشاملة. وبذلك يسهم الإستقراء، مع السياق، مع تفسير الآيات بأيات أخرى، مع إبصار الفروق في المعنى، تسهم كل هذه العوامل في التحديد الأدق لمعاني هذه المصطلحات.
7 - المحكم والمتشابه.
لقد وجد القاضي وسائر المعتزلة في تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه وسيلة دينية شرعية للتأويل، رغم أنهم أخضعوا دلالة القرآن كله للدليل العقلي. وكان من الطبيعي أن تكون الآيات التي تسند وجهة نظرهم وأفكارهم العقلية محكمة. وأن تكون تلك التي يستدل بها خصومهم متشابهة في حاجة إلى التأويل. وسلك خصوم المعتزلة
نفس مسلكهم. وكان القول بالمجاز عند كليهما وسيلة للتأويل وإخراج النص عن ظاهره. وقد أملى القاضي كتابا مستقلا في المحكم والمتشابه وسماه «المتشابه في القرآن».
8 - الردود على المخالفين.
قضية الردود على المخالفين للقاضي أخذت قسطا كبيرا من كتابه «تنزيه القرآن عن المطاعن»، المحور الأهم في ردود القاضي كان على المجبرة والمجسمة، فرده الدائب عليهم وتصديه لخصومتهم في كل ما يذهبون إليه، جعل القارئ يخيل إليه أن هذا الكتاب يكاد يكون وقفا على إثبات فساد مذهب الجبر والتجسيم ومناقضته للقرآن. في الوقت الذي لم ينس فيه القاضي الرد على الفرق الأخرى.
ومن بين السبل التي استخدمها القاضي كثيرا في الردود على المخالفين له هي سبيل «الإلزام». أي إلزام الخصوم موقفا شنيعا يصعب عليهم الرضا به والاعتراف بتبعياته، وهو أسلوب جدلي يحرك في نفوس الخصوم وعقولهم العوامل التي تدعوهم إلى إعادة النظر فيما يقولون.
• وأما مميزات كتاب «تنزيه القرآن عن المطاعن» فيمكن إيجازها في النقاط الآتية:
1 - الحث الدؤوب على التفكير والمحاربة على التقليد.
2 - تأكيد المسؤولية الإنسانية.
لما قرر القاضي - وسائر المعتزلة - أن الإنسان له حرية الإرادة، مختار صانع لأفعاله، بل خالق لها , على سبيل الحقيقة لا المجاز، فهذا القرار يشيع روح المسؤولية عند من اعتقد بذلك، فيفكرون مليا قبل الإقدام على كل عمل.
3 - الردود على المخالفين في الدين.
بسط القاضي عند تفسير الآيات المتعلقة بعقائد غير المسلمين شبهات عقائدهم. فله الشكر على كل ذلك.
4 - الكشف عن كثير من الشبهات التي ترد على ظاهر النظم الكريم.
5 - الكشف عن جمال التركيب القرآني الذي ينطوي على البلاغة والإعجاز.
6 - ولم يقع القاضي فيما وقع فيه غيره من المفسرين من الاغترار برواية الإسرائيليات.
• وأما المآخذ التي يؤخذ عليها القاضى في كتابه «تنزيه القرآن عن المطاعن»، فيمكن إيجازها في النقاط الآتية:
1 - تحكيم العقل والإعتماد عليه في فهم القرآن أكثر من التحكيم والاعتماد على المنقول.
2 - انتصار القاضي لعقائد المعتزلة.
إن القاضي ينتصر لمذهبه الاعتزالى، ويؤيده بكل ما يملك من قوة الحجة وسلطان الدليل، وهو يحرص كل الحرص على أن يأخذ من الآيات القرآنية ما يشهد لمذهبه، وعلى أن يتأول ما كان منها معارضاً له.
3 - التذرع كثيرا بالمجازات والاستعارات رغم إمكان الحمل على الظاهر.
4 - قياس الغائب على الشاهد.
أي في قياس الله تعالى على الإنسان، وإخضاع الله تعالى لقوانين هذا العالمَ.
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مستل من بحث جامعي مقدم لاستيفاء بعض الشروط للحصول على درجة الماجستير في شعبة التفسير والحديث - جامعة سونان أمبيل الإسلامية الحكومية
سورابايا - 2010 م، إعداد الطالب: محمد رابط فؤادي