المنطق
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
المدخل
المقالة الأولى
المقالة الأولى من الفن الأول من الجملة الأولى وهي في علم المنطق
الفصل الأول
في الإشارة إلى ما يشتمل عليه الكتاب
قال الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، أحسن الله إليه: وبعد حمد الله، والثناء عليه كما هو أهله، والصلاة على نبيه محمد وآله الطاهرين، فإنَّ غَرَضَنا في هذا الكتاب الذي نرجو أن يُمْهلَنا الزمان إلى ختمه، ويصحَبَنَا التوفيق من الله في نَظْمه، أن نودعه لباب ما تحققناه من الأصول في العلوم الفلسفية المنسوبة إلى الأقدمين، المبنية على النظر المرتب المحقق، والأصول المستنبطة بالأَفْهام المتعاونة على إدراك الحق المجتهد فيه زمانا طويلا، حتى استقام آخره على جملةٍ اتفقت عليها أكثر الآراء، وهجرت معها غواشي الأهواء. وتحريت أَن أُودِعَه أكثَر الصناعة، وأن أشير في كل موضعٍ إلى موقع الشبهة، وأحلَّها بإيضاح الحقيقة بقدر الطاقة، وأوردَ الفروعَ مع الأصول إلا ما أثق بانكشافه لمن استبصر بما نُبَصِّره ، وتَحَقَّقَ ما نُصَوِّره، أو ماعزب عن ذكرى ولم يَلُح لفكر. وأجتهدت في اختصار الألفاظ جدا " ، ومجانبة التكرار أصلا، إلا ما يقع خطأ أو سهوا " ، وتنكبت التطويل في مناقضة مذاهب جلية البطلان أو مكفية الشغل بما نقرره من الأصول، ونعرفه من القوانين. ولا يوجد في كتب القدماء شئ يعتد به إلا وقد ضمّناه كتابنا هذا؛ فإنْ لم يوجد في الموضع الجاري بإثباته فيه العادة وُجِدَ في موضع آخر رأيتُ أنه أليق به؛ وقد أضفتُ إلى ذلك مما أدركتُه بفكري، وحصلتُه بنظري، وخصوصا في علم الطبيعة وما بعدها، وفي علم المنطق.
وقد جرت العادة بأن تطول مبادئ المنطق بأشياء ليست منطقية، وإنما هي للصناعة الحِكْمِية أعنى الفلسفة الأولى، فتجنبت إيرادَ شئٍ من ذلك، وإضاعة الزمان به وأخَّرتُهُ إلى موضعه.
ثم رأيتُ أن أتلو هذا الكتاب بكتاب آخر، أسميه " كتاب اللواحق " ، يتم مع عمري، ويُؤَرَّخُ بما يفرغ منه في كل سنة، يكون كالشرح لهذا الكتاب، وكتفريع الأصول فيه، وبسط المُوجز من معانيه.
ولي كتاب غير هذين الكتابين، أوردت فيه الفلسفَةَ على ماهي في الطبع، وعلى ما يوجبه الرأي الصريح الذي لايراعى فيه جانب الشركاء في الصناعة، ولايُتَّقَى فيه مِنْ شَقِّ عصاهم ما يُتَّقَى في غيره، وهو كتابي في " الفلسفة المشرقية " .
وأما هذا الكتاب فأكثر بْسطا، وأشدُّ مع الشركاء من المشّائين مساعدة.
ومن أراد الحق الذي لامَجْمَجَة فيه، فعليه بطلب ذلك الكتاب، ومن أراد الحق على فيه ترضّ مّا إلى الشركاء وبسْطٌ كثير، وتلويح بما لو فُطِن له أستُغْنى عن الكتاب الآخر، فعليه بهذا الكتاب ولما أفتتحتُ هذا الكتابَ أبتدأتُ بالمنطق وتحريت أن أحاذىَ به ترتيبَ كتب صاحب المنطق، وأوردت في ذلك من الأسرار واللطائف ما تخلو عنه الكتب الموجودة. ثم تلوته بالعلم الطبيعي، فلم يتفق لي في أكثر الأشياء محاذاة تصنيف المُؤْتِّم به في هذه الصناعة وتذاكيره. ثم تلوته بالهندسة، فاختصرت كتاب الأسْطُقسات لأوقليدس اختصارا لطيفا، وحلَلْتُ فيه الشُبَه واقتصرت عليه. ثم اردفته باختصارٍ كذلك لكتاب المجسطي في الهيئة يتضمن مع الاختصار بيانا وتفهيما، وألحقتُ به من الزيادات بعد الفَرَاغ منه ما وجب أن يعلم المتعلم حتى تَتِم به الصناعة، ويطابق فيه بين الأحكام الرصدية والقوانين الطبيعية. ثم تلوتُه باختصار لطيف لكتاب المدخل في الحساب. ثم ختمت صناعة الرياضيين بعلم الموسيقى على الوجه الذي انكشف لي، مع بحث طويل، ونظر دقيق، على الاختصار. ثم ختمتُ الكتابَ بالعلم المنسوب إلى ما بعد الطبيعة على أقسامه ووجوهه، مشارا فيه إلى جُمَلٍ من علم الأخلاق والسياسات، إلى أن أصنِّف فيها كتابا جامعا مُفْرَدا.
وهذا الكتاب، وإنْ كان صغيرَ الحجم، فهو كثير العلم، ويكاد لايفوت متأملَه ومتدبرَه أكثرُ الصناعة، إلى زيادات لم تجر العادة بسماعها من كتب أخرى؛ وأول الجمل التي فيه هو علم المنطق.
وقبل أن نشرع في علم المنطق، فنحن نشير إلى ماهية هذه العلوم إشارةً موجزة، ليكون المتدبرُ لكتابنا هذا كالمطلع على جُمَلٍ من الأغراض.
الفصل الثاني
في التنبيه على العلوم والمنطق