الأسس النظرية للمنهج التعليمي في بلاغة ابن سنان الخفاجي

مدة قراءة الصفحة : دقيقة واحدة .
الأسس النظرية للمنهج التعليمي في بلاغة ابن سنان الخفاجي الدكتور عبد الكريم الحياري الجامعة الأردنية -أ- تنسب كتب التراجم إلى ابن سنان الخفاجي (-466هـ) طائفة من المؤلفات لم يصل إلينا منها إلا كتابه "سرّ الفصاحة" وديوان شعره (1).
أما مؤلفاته الأخرى فلدينا أسماؤها ليس غير، إذ لا نعرف أحداً نقل عنها أو ذكر أنه أفاد منها، خلافاً لكتابه "سرّ الفصاحة" الذي كان له أثر واضح في تاريخ الفكر الأدبي عند العرب (2).
وهكذا فإنك إذا تناولت ابن سنان مفكراً أو بلاغياً أو ناقداً فإنما تتحدّث عمّا جاء به في هذا الكتاب على وجه التحديد (3).
وهذا البحث محاولة للمشاركة في الجهود الرامية إلى إيضاح ما قدّمه ابن سنان لنظرية الأدب عند العرب، ممّا لعلّه يساعد في بيان موقعه في تاريخ الفكر البلاغي والنقدي.
وقد كنت ذهبت في موضع آخر (4) إلى أن الرجل لم يحظ حتى الآن إلا بأقلّ ممّا هو جدير به من عناية الدارسين، ومن المؤمّل أن تبيّن الصفحات القادمة أن ثمّة جوانب في فكر ابن سنان ما زالت في حاجة إلى دراسة وتحليل.
اخترت ههنا أن أتناول تعليم البلاغة في رأي ابن سنان؛ فإن المسألة التعليمية هذه من أهم القضايا المتّصلة بالبلاغة، بل لعلّها تتقدّم على كل مسألة غيرها؛ فالبلاغة علم تعليمي (5) وليس مادة ثقافية، والبلاغيون (يُفترض فيهم أنهم) .
.
.
معلمو البيان، والحملات التي تعرّضت لها البلاغة قديماً وحديثاً إنما صدرت عن هذه المسألة التعليمية بعينها، فقد أُخذ على البلاغيين إخفاقهم في تعليم هذا الفن، أي أن علمهم غير قادر على الوفاء بالغرض الذي يدّعون أنه قد وُجد أصلاً لتحقيقه (6).
وللبحث في تعليم البلاغة عند ابن سنان بخاصة أهمية من وجه آخر؛ ذلك أن الناس

(1) 1.
انظر في مؤلفاته: صلاح الدين الصفدي، الوافي بالوفيات، 17/ 505؛ وهذه المؤلفات نفسها يذكرها ابن شاكر الكتبي، انظر: فوات الوفيات، 2/ 222، وقد طبع "سرّ الفصاحة" وديوان ابن سنان غير مرة.
(2) 2.
انظر في هذا الشأن: عبد العاطي علام، البلاغة العربية بين الناقدين الخالدين: عبد القاهر الجرجاني وابن سنان الخفاجي، ص360 - ص372، ص379 - ص382.
(3) 3.
انظر في موضوعات الكتاب: عبد الرازق أبو زيد زايد، كتاب سرّ الفصاحة لابن سنان الخفاجي، دراسة وتحليل، ص35 وما بعدها.
(4) 4.
انظر: عبدالكريم الحياري، "استقلال النص الأدبي عن مؤلفه في النقد العربي القديم"، مجلة أبحاث اليرموك، 14/ 33.
(5) 5.
انظر مثلاً ما يقوله عبد السلام المسدي من أن من أبرز ما يميّز البلاغة (عن الأسلوبية التي هي "وليدة البلاغة ووريثها المباشر") "أن البلاغة علم معياري يرسل الأحكام التقييمية ويرمي إلى "تعليم" مادته وموضوعه: بلاغة البيان"، وأن البلاغة "ترمي إلى خلق الإبداع بوصاياها التقييمية"، الأسلوبية والأسلوب، ص52 - ص53.
(6) 6.
انظر مثلاً: أمين الخولي، "بل هي ثورات على علوم البلاغة"، مجلة الهلال، 44/ 541 - 545.