ابن رشيد الفهري السبتي ورحلته ملء العيبة

مدة قراءة الصفحة : 4 دقائق .
ابن رُشيد الفهري السّبتي ورحلته ملء العيبة د. علي إبراهيم كردي مقدمة: عُرف العرب منذ القدم بِحُبّ الرحلات والأسفار , وكان الرحالون يقصّون مشاهداتهم على الناس عند عودتهم , ويدوّنون بعضها على شكل ملاحظات وصلت إلينا عن طريق المؤرخين الذين أوردوها في مصنّفاتهم. ولم تأخذ هذه الملاحظات شكل الرحلات المدونة إلا في عصور لاحقة , إذ كانت بدايات هذه الرحلات التي وصلت إلينا عن طريق المصادر في العصر العباسي, ومنها رحلة سليمان الترجمان سنة (227 هـ), ورحلة سليمان التاجر سنة (237 هـ), ورحلة ابن وهب القُرشي سنة(257هـ), ورحلة ابن موسى المنجّم سنة(77 هـ)(1). أمّا الرحلات المدوّنة فأقدمها – فيما نعلم – رحلة ابن فضلان (2) التي قام بها سنة (309 هـ) إلى بلاد البلغار بتكليفٍ من الخليفة العباسي المقتدر بالله (ت20 هـ) بغية تعليم سكّان تلك البلاد مبادئ الدين الإسلامي , وقد دوّن ابن فضلان وصفا لمشاهداته في تلك الرحلة , وكانت بذلك أول رحلة مكتوبة انتهت إلينا كاملة. ومنذ ذلك الحين بدأت الرحلات تأخذ شكلها المستقل , إلى أن أصبحت فنّاً قائما بذاته , له قواعده وأسسه. على أنّ قسما كبيرا من هذه الرحلات قد ضاع مع ما ضاع من تراث الأمة العربية, ولم يسلم منها إلا النزر اليسير, ومع ذلك فإنّ هذا القسم الذي انتهى إلينا يدلُّ على كثرة الرحلات المؤلفة, وتنوّع طرقها واتجاهاتها, واختلاف أهدافها(3). وقد عُرِفَ الأندلسيّون والمغاربة بالولوع بالرحلة منذ القديم, وأوردت كتب التراجم والسِّير والتاريخ أسماء عدد كثير منهم, وذكر المقّريّ في كتابه "نفح الطيب" ما ينيف على ثلاث مئة راحلٍ في طلب العلم إلى المشرق فقط, وصرّح بقصوره عن استيعاب أسماء الذين رحلوا جميعهم (4).