منتخب الكلام في تفسير الأحلام - الفكر
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا سيد أجل المرسلين محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الكرام المنتجبين اعلم وفقك الله أن مما يحتاج إليه المبتدي أن يعلم أن جميع ما يرى في المنام على قسمين : فقسم من الله تعالى ، وقسم من الشيطان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ' الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ' والمضاف إلى الله تعالى من ذلك هو الصالح وإن كان جميعه أي الصادقة وغيرها خلقاً لله تعالى ، وأن الصالح من ذلك هو الصادق الذي جاء بالبشارة والنذارة وهو الذي قدره النبي صلى الله عليه وسلم جزءاً من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ، وأن الكفارين وفساق المؤمنين قد يرون الرؤيا الصادقة ، وأن المكروه من المنامات هو الذي يضاف إلى الشيطان الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتمانه والتفل عن يساره ووعد فاعل ذلك أنها لا تضره وأن ذلك المكروه ما كان ترويعاً أو تحزيناً باطلاً أو حلماً يؤدي إلى الفتنة والخديعة والغيرة دون التحذير من الذنوب والتنبيه على الغفلات والزجر على الأعمال المهلكات ، إذ لا يليق ذلك بالشيطان الآمر بالفحشاء ، وإنما إضافة أباطيل الأحلام إلى الشيطان على أنه هو الداعي إليها وأن الله سبحانه هو الخالق لجميع ما يرى في المنام من خير أو شر ، وأن اختلاف الموجب للغسل مضاف إلى الشيطان ، وكذلك ما تراءى من حديث النفس وآمالها وتخاويفها وأحزانها مما لا حكمة فيه تدل على ما يؤول أمر رائيه إليه ، وكذلك ما يغشى قلب النائم الممتلئ من الطعام أو الخالي منه كالذي يصيبه عن ذلك في اليقظة إذ لا دلالة منه ولا فائدة فيه ، وليس للطبع فيه صنع ، ولا للطعام فيه حكم ، ولا للشيطان مع ما يضاف إليه منه خلق ، وإنما ذلك خلق الله سبحانه قد أجرى العادة أن يخلق الرؤيا الصادقة عند حضور الملك الموكل بها فتضاف بذلك إليه وأن الله تعالى يخلق أباطيل الأحلام عند حضور الشيطان فتضاف بذلك إليه وأن الكاذب على منامه مفترٍ على الله عز وجل ، وأن الرائي لا ينبغي له أن يقص رؤياه إلا على عالم أو ناصح أو ذي رأي من أهله كما روي في بعض الخبر ، وأن العابر يستحب له عند سماع الرؤيا من رائيها ، وعند إمساكه عن تأويلها لكراهتها ، ولقصور معرفته عن معرفتها أن يقول : خير لك ، وشر لأعدائك ، خير تؤتاه ، وشر تتوقاه هذا إذا ظن أن الرؤيا تخص الرائي ، وإن ظن أن الرؤيا للعالم قال : خير لنا وشر لعدونا ، خير نؤتاه ، وشر نتوقاه ، والخير لنا والشر لعدونا وأن عبارة الرؤيا بالغدوات أحسن لحضور فهم عابرها وتذكار رائيها ، لأن الفهم أوجد ما يكون عند الغدوات من قبل افتراقه فيهمومه ومطالبه مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ' اللهم بارك لأمتي في بكورها ' وأن العبارة قياس واعتبار وتشبيه وظن لا يعتبر بها ولا يختلف على عينها ، إلا أن يظهر في اليقظة صدقها أو يرى برهانها ، وأن التأويل بالمعنى أو باشتقاق الأسماء ، وأن العابر لا ينبغي له أن يستعين على عبارته بزاجر في اليقظة يزجره ، ولا يعول عند ذلك بسمعه ولا بحساب من حساب المنجمين بحسبه وأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتمثل به في المنام شيطان ، وأن من رآه فقد رآه حقاً ، وأن الميت في دار حق ، فما قاله في المنام فحق ما سلم من الفتنة والغرة وكذلك الطفل الذي لا يعرف الكذب ، وكذلك الدواب وسائر الحيوان الأعجم إذا تكلم فقوله حق ، وكلام ما لا يتكلم آية وأعجوبة ، وكل كذاب في اليقظة كالمنجم والكاهن فكذلك قوله في المنام كذب . وأن الجنب والسكران ومن غفل من الجواري والغلمان قد تصدق رؤياهم في بعض الأحيان ، وإن تسلط الشيطان عليهم بالأحلام في سائر الزمان ، وأن الكذاب في أحاديث اليقظة قد يكذب عامة رؤياه ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم
____________________