قصيدة المتنبي (واحر قلباه) دراسة نفسية
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
قصيدة المتنبي
(واحرَّ قلباه)
دراسة نفسيَّة
المدرس: رائد حميد مجيد البطاط
جامعة ذي قار - كلية التربية
thiqaruni.org
مدخل
لا شكَّ أنَّ هناك تفاعلاً وتجاوباً بين النص الأدبي وعلم النفس , ذلك أنَّ نظرية التحليل النفسي ونظرية النص الأدبي تقدم كلٌّ منهما المعرفة للأخرى , وحيث أنَّ الوضع الحقيقي للمحلل النفسي يصبح داخل النص وليس خارجه فإنَّ التعارض الواضح والحدود الصارمة بين الأدب والتحليل النفسي تتلاشى (1) كما أنَّه يمكن أن يكون التحليل النفسي متغلغلاً في الأدب , بقدر ما يكون الأدب متغلغلاً في التحليل النفسي , فالأدب يحتوي على عناصر شعورية , وعناصر تعبيرية ولعلم النفس مجال كبير في دراسة العناصر الشعورية , والعنصر النفسي بارز في العمل الأدبي حيث يعد العمل الأدبي استجابة معينة لمؤثرات خاصة , وهو بهذا صادر عن القوى النفسية (2). من هنا كانت حلقة الوصل بين الأدب وعلم النفس قد بدأت بداية حقيقية في أعمال فرويد وتحليلاته , إذ إنَّه أفاد من شكسبير في تفسيره لشخصية هاملت , وبذلك فإنَّ فهم الأدب وتفسيره سواء في دلالته أم في العملية الإبداعية ذاتها يجد في علم النفس الوسيلة المناسبة لهذا الفهم على أساس صحيح.
وقد وضعت اللغة والكلام في مركز عناية المحلل النفسي , ذلك لأنَّ الكلام مادة العمل في التحليل النفسي , ولأنَّ الكلام هو مايتيح صياغة مفاهيم العمليات التي اكتشفها فرويد في الحلم وزلات الكلام (3).
وتأسيساً على هذه الأفكار يحاول هذا البحث تسليط الضوء على إحدى الفرائد الشعرية التي نعدها نقطة تحول مهمة في حياة أبي الطيب وهي
قصيدته الميمية ... (واحرَّ قلباه) (4) مع مافيها من أبعاد نفسية تنازعت ذات قائلها , وما فيها من تناقضات وتضادات نفسية اعترت ذاته.
إنَّ طبيعة الحالة النفسية التي عاشها المتنبي لحظة نظم هذه القصيدة يصدق عليها تسمية علم النفس بالتفرِّد العاطفي أو عقدة الإهمال التي تدل على حساسية متطرفة في القصور العاطفي بعدما تفاجئ بل ذهل من التحول العاطفي في ذات وليه (سيف الدولة) تجاهه , فشعور الفرد بأنَّه متروك لايهتم به من يكُنُّ له مشاعر ايجابية حميمية يجعل منه مصاباً بهذه العقدة , فيثار في داخله نظرة سوداوية تجعل منه يزدري ويثار على كلِّ ما يمتُّ بصلة بهذه العلاقة (5) , ومن ثمَّ يمكن النظر إلى هذا المحرِّك النفسي البداية التي تنطلق منها الرؤى النفسية التحليلية لهذا النص.
البحث
إنَّ الوقفة المتأنية مع حيثيات هذه القصيدة تكشف عن بؤرتين نفسيتين متناقضتين (اليأس والعجز , والقوة والتماسك) في ذات أبي الطيب. ففي قوله ... (البيتان ا- 2):
واحرَّ قلباه ممَّن قلبه شَبِمُ
ومن بجسمي وحالي عنده سقمُ
مالي أكتِّم حبَّاً قد بَرَى جسدي
وتدَّعي حبَّ سيف الدولة الأممُ
نراه لايتردد في وصف عاطفته وعاطفة سيف الدولة , ولا يترفق في اختيار الألفاظ لهذا الوصف