رجل الدارين
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
مصطفى فاسي
رجل الدارين
* قصص *
من منشورات اتحاد الكتاب العرب
1999
الحقوق كافة
محفوظة
لاتحاد الكتّاب العرب
تصميم الغلاف للفنان :
الاهداء
إلى
…تلك العصافير التي هي،
…بالرغم من كل شيء مستمرة في الغناء،
…ربما للفرح، ربما للحزن تغني،
…المهم.. إنها مستمرة في الغناء،
…………الجزائر ذات يوم..
* * *
القيد والنوارس والبحر
وحدك تدخل.. تجد المكان خالياً تطؤه بعض الطاولات.. حولها كراس قديمة تشعر بكثير من الارتياح.. تختار مكاناً أمام النافذة المطلة على البحر، تقرب الكرسي أكثر من النافذة.. تجلس.. تنسى نفسك.. تسرح بنظرك بعيداً.. يأتي النادل فينتشلك من هناك ويعود بك إلى الواقع.. تطلب قهوة وكأس ماء.. يذهب النادل.. تعود إلى السرحان.. الجو جميل.. ربيع ساحر والنافذة واسعة تطل على الدنيا بعد قليل تسمع حركة.. تلتفت.. يدخل رجل يضع على عينيه نظارة سوداء ويلبس بذلة سوداء، ويضع في عنقه ربطة مخططة بالأبيض والأسود.. تتابع حركاته.. يتفحص المكان بنظرة سريعة.. يجلس قرب طاولة تقع على جهتك اليمنى متجهاً بنظره إليك. يفتح الجريدة أمام عينيه.. يأتي النادل.. يضع أمامك القهوة وكأس الماء.. تخرج علبة الدخان.. تشعل سيجارة.. تجذب نفساً قوياً، ثم تدفع الدخان من فمك، تتركه يصعد دوائر منتظمة.. تمد بصرك بعيداً عبر صفحة البحر الزرقاء، يجذب نظرك قارب شراعي يتراءى لك بعيداً جداً ولونه أبيض، يبدو مثل ورقة ضائعة في فضاء لا نهائي، أو حمامة تلهو بها الرياح.. يخرج النادل.. بعد قليل يرجع يضع قهوة أمام الرجل.. يقف أمامه ويتكلم معه كلمة قصيرة في صوت منخفض مديراً لك ظهره.. يخرج النادل.. يشعل الرجل سيجارة، ويعود الصمت إلى المكان.. تتابع القارب.. تشعر في نفسك ببعض الأسف لأنك لا تملك منظاراً مقرباً.. فالمنظر رائع... مع ذلك تعرف أن القارب يتجه بدون شك من الغرب إلى الشرق فقبل قليل كان بعيداً عن شجرة الصفصاف الوحيدة التي تمتد إلى السماء متحدية أمواج البحر هناك بجانب الشاطئ. تلتفت جهة الرجل.. تجده ينظر إليك.. تحول نظرك بسرعة نحو الخارج.. تدخل نحلة من النافذة إلى المحل فتبدد الصمت بموسيقا أجنحتها.. تقوم بدورة سريعة في داخل المكان ثم تخرج مبتعدة عنه.. تحاول أن تتابعها بعينيك لكنك تسمع حركة جديدة فتدير وجهك نحو باب المحل.. يدخل رجل ثان يلبس مثل الأول، يضع على عينيه نظارة سوداء أيضاً، يتجه إلى طاولة أخرى.. يضع الدخان وعلبة الكبريت