البحر المحيط في أصول الفقه - العلمية
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ قال الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَفْضَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبُرْهَانُ الْمُحَقِّقِينَ كَهْفُ الْأَئِمَّةِ وَالْفُضَلَاءِ زُبْدَةُ نَحَارِيرِ الْعُلَمَاءِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعُمْدَةُ فُضَلَاءِ الزَّمَانِ بَدْرُ الدِّينِ أبو عبد اللَّهِ محمد بن الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عبد اللَّهِ الزَّرْكَشِيُّ الشَّافِعِيُّ سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ وفي دَارِ الْخُلْدِ مَأْوَاهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أَسَّسَ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ بِأُصُولِ أَسَاسِهِ وَمَلَّكَ من شَاءَ قِيَادَ قِيَاسِهِ وَوَهَبَ من اخْتَصَّهُ بِالسَّبْقِ إلَيْهِ على أَفْرَادِ أَفْرَاسِهِ وَأَوْلَى عِنَانَ الْعِنَايَةِ من وَفَّقَهُ لِاقْتِبَاسِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له شَهَادَةً يَتَقَوَّمُ منها الْحَدُّ بِفُصُولِهِ وَأَجْنَاسِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذي رَقَى إلَى السَّبْعِ الطِّبَاقِ بِبَدِيعِ جِنَاسِهِ وَآنَسَ من الْعُلَا نُورًا هَدَى الْأُمَّةَ بِإِينَاسِهِ صلى اللَّهُ عليه وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وسلم تَسْلِيمًا كَثِيرًا ما قَامَتْ النُّصُوصُ بِنَفَائِسِ أَنْفَاسِهِ وَاسْتُخْرِجَتْ الْمَعَانِي من مِشْكَاةِ نِبْرَاسِهِ أَمَّا بَعْدُ فإن أَوْلَى ما صُرِفَتْ الْهِمَمُ إلَى تَمْهِيدِهِ وَأَحْرَى ما عُنِيَتْ بِتَسْدِيدِ قَوَاعِدِهِ وَتَشْيِيدِهِ الْعِلْمُ الذي هو قِوَامُ الدِّينِ وَالْمَرْقَى إلَى دَرَجَاتِ الْمُتَّقِينَ وكان عِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ جَوَادَهُ الذي لَا يُلْحَقُ وَحَبْلَهُ الْمَتِينَ الذي هو أَقْوَى وَأَوْثَقُ فإنه قَاعِدَةُ الشَّرْعِ وَأَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ كُلُّ فَرْعٍ وقد أَشَارَ الْمُصْطَفَى صلى اللَّهُ عليه وسلم في جَوَامِعِ كَلِمِهِ إلَيْهِ وَنَبَّهَ أَرْبَابُ اللِّسَانِ عليه فَصَدَرَ في الصَّدْرِ الْأَوَّلِ منه جُمْلَةٌ سَنِيَّةٌ وَرُمُوزٌ خَفِيَّةٌ حتى جاء الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ رضي اللَّهُ عنه فَاهْتَدَى بِمَنَارِهِ وَمَشَى إلَى ضَوْءِ نَارِهِ فَشَمَّرَ عن سَاعِدِ الِاجْتِهَادِ وَجَاهَدَ في تَحْصِيلِ هذا الْغَرَضِ السَّنِيِّ حَقَّ الْجِهَادِ وَأَظْهَرَ دَفَائِنَهُ وَكُنُوزَهُ وَأَوْضَحَ إشَارَاتِهِ وَرُمُوزَهُ وَأَبْرَزَ مُخَبَّآتِهِ وَكَانَتْ مَسْتُورَةً وَأَبْرَزَهَا في أَكْمَلِ مَعْنًى وَأَجْمَلِ صُورَةً حتى نَوَّرَ بِعِلْمِ الْأُصُولِ دُجَى الْآفَاقِ وَأَعَادَ سُوقَهُ بَعْدَ الْكَسَادِ إلَى نَفَاقٍ وَجَاءَ من بَعْدَهُ فَبَيَّنُوا وَأَوْضَحُوا وَبَسَطُوا وَشَرَحُوا حتى جاء الْقَاضِيَانِ قَاضِي السُّنَّةِ أبو بَكْرِ بن الطَّيِّبِ وَقَاضِي الْمُعْتَزِلَةِ عبد الْجَبَّارِ فَوَسَّعَا الْعِبَارَاتِ وَفَكَّا الْإِشَارَاتِ وَبَيَّنَا الْإِجْمَالَ وَرَفَعَا الْإِشْكَالَ وَاقْتَفَى الناس بِآثَارِهِمْ
____________________