المفردات للراغب الأصفهاني - المعرفة
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وصلواته على نبيه محمد وآله أجمعين . قال الشيخ أبو القاسم الحسين ابن محمد بن الفضل الراغب رحمه الله : أسأل الله أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير والشر بصورتيهما . ويعرفنا الحق والباطل بحقيقتهما ، حتى نكون ممن يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن الموصوفين بقوله تعالى ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) وبقوله : ( أولئك كتب في قلوبه الإيمان وأيدهم بروح منه ) . كنت قد ذكرت في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن أن الله تعالى كما جعل النبوة بنبينا مختتمة ، وجعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة ومن وجه مكملة متممة كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) جعل كتابه المنزل عليه متضمنا ثمرة كتبه التي أولاها أوائل الأمم كما نبه عليه بقوله تعالى : ( يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة ) وجعل من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم ، وبحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه ، والآلات الدنيوية عن استيفائه كما نبه عليه بقوله تعالى : ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) وأشرت في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة أن القرآن وإن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه ، ونفع ما يوليه ، فإنه : ( كالبدر من حيث التفت رأيته ** يهدى إلى عينيك نورا ثاقبا ) ( كالشمس في كبد السماء وضوءها ** يغشى البلاد مشارقا ومغاربا ) لكن محاسن أنواره لا يثقفها إلا البصائر الجليلة وأطايب ثمره ولا يقطفها إلا الأيدي الزكية ، ومنافع شفائه لا يناله إلا النفوس النقية كما صرح تعالى به فقال في وصف متناوليه ( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون ) وقال في وصف سامعيه ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) . وذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر وحرص ، فالخبيثات للخبيثين ، والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين ، والطيبون للطيبات ، ودللت في تلك الرسالة على كيفية اكتساب الزاد الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف حتى يبلغ من معرفته أقصى
____________________