تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

مدة قراءة الصفحة : 4 دقائق .
قَوْلُهُ تَعَالَى { بِسمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } قوله عَزَّ وَجَلَّ : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. تعليمٌ منه سُبْحَانَهُ ؛ ليذكُروا اسْمَهُ عند افتتاحِ القراءة وغيرِها ؛ تبَرُّكاً به. ومعناهُ أبدأ : { بِسْمِ اللهِ } ؛ لأنَّ حرف الباءِ مع سائرِ حروف الجرِّ لا يستغني عن فعلٍ مُضْمَرٍ أو مُظْْهَرٍ ؛ فكان ضميرُ الباء في هذه الآية : الأَمْرُ. واختلفَ الناسُ في معنى اشتقاقِ الاسم ؛ وأكثرُ أهلِ اللُّغَةِ على أنهُ مشتقٌّ من السُّمُوِّ ؛ وهو الرِّفعةُ. ومعنى الاسمِ التنبيهُ على المسمَّى والدلالةُ عليه. وقال بعضُهم : مشتقٌّ من السِّمَةِ ؛ وهي العلامةُ ؛ فكان الاسمُ علامة للمسمَّى. وأمَّا { اللهِ } فقال بعضُهم : هو اسمٌ لا اشتقاقَ له ؛ مثل قولِكَ : فرسٌ ؛ ورجلٌ ؛ وجبلٌ ؛ ومعناه عند أهل اللِّسان : المستحِقُّ للعبادةِ ؛ ولذلك سَمَّتِ العربُ أصنامَهم : آلِهَةً ؛ لاعتقادهم استحقاقَها للعبادةِ. وقال بعضُهم : هو من قولِهم : ألَهَ الرجلُ إلى فلان يَأْلَهُ إلاَهَةً ؛ إذا فَزِعَ إليه مِنْ أمرٍ نَزَلَ به ؛ فآلَهَهُ أي أجَارَهُ وَأمَّنهُ. ويقال للمَأْلُوهِ إلَيْهِ : إلَهاً. كما قالوا للمُؤتَمَّ به : إمَاماً ؛ فمعناه أن الخلائقَ يَأْلَهُونَ ويتضرَّعون إليه في الحوائجِ والشدائد. واختلفُوا في { بِسمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } هل هي آيةٌ من الفاتحةِ ؟ فقال قُرَّاءُ الكوفة : هي آيةٌ منها ؛ وأبَى ذلك أهلُ المدينة والبصرة. وأما قولهُ { الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } فهما اسْمان مأخوذان من الرَّحمةِ ؛ وزنُهما من الفعلِ نَدِيْمٌ ونَدْمَانٌ من المنادمةِ ، وفَعْلاَنُ أبلغُ من فعيلِ ، وهو من أبْنِيَةِ المبالغةِ. ولا يكونُ إلا في الصفات ؛ كقولكَ : شبعانٌ وغضبان ؛ ولِهذا كان اسمُ { الرَّحْمنِ } مختصّاً باللهِ لا يوصَفُ به غيره. وأمَّا اسم { الرَّحِيْمِ } فمشتركٌ. وعن عثمان رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ : " الرَّحْمَنُ الْعَاطِفُ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بإدْرَار الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ " فالرحمةُ من الله تعالى الإنعامُ على الْمُحتاج ؛ ومن الآدميِّين رقَّة القلب ؛ وإنَّما جمعَ بين الرَّحْمَنِ والرَّحِيْمِ للنهايةِ في الرَّحمة والإحسان بعد الاحتِنَانِ. وعنِ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنهُ قال : [هُمَا اسْمَانِ رَقِيْقَانِ أحَدُهُمَا أرَقُّ مِنَ الآخَرِ] ولو قال : لَطِيْفَانِ لكان أحسنَ. وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكتبُ في أوائل الكتب في أوَّل الإسلام : [بسْمِكَ اللَّهُمَّ] حتى نزلَ{ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرياهَا }[هود : 41]. فكتبَ [بسْمِ اللهِ]. ثُم نَزَلَ : { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ }[الإسراء : 110] فَكَتَبَ : [بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ]. فنَزَلَ : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ }[النمل : 30] في سورةِ النَّمل ؛ فكتبَ حينئذٍ : [بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ]. فإن قيلَ : لِمَ قُدِّمَ اسمُ اللهِ على الرَّحمن ؟ قيل : لأنهُ اسم لا ينبغي إلا للهِ عَزَّ وَجَلَّ. وقيل في تفسيرِ قولهِ تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }[مريم : 65] أي هل تعرفُ في السهلِ والجبل والبَرِّ والبحرِ والمشرِق والمغرب أحداً اسْمُهُ اللهُ غيرَ اللهِ ؟ وقيل : هو اسْمُهُ الأعظمُ. وقُدِّمَ الرَّحْمَنَ على الرَّحِيْمِ ؛ لأن الرحمنَ اسم خُصَّ به اللهُ ؛ والرحيمُ مشتركٌ ؛ يقال : رجلٌ رحيمٌ ، ولا يقال : رجل رحمنٌ. وقيل : الرَّحْمَنُ أمدحُ ؛ والرحيمُ أرأفُ. وإنَّما أسقطت الألف من اسمِ الله وأصلهُ باسم الله ؛ لأنَّها كثرت على ألسنةِ العرب عند الأكلِ والشُّرب والقيام والقعود ؛ فحذفت اختصاراً من الخطِّ وإن ذُكرت اسماً غيرهُ من أسماءِ الله لَم تحذفِ الألفُ لقلَّة الاستعمال ؛ نحو قولِكَ : باسمِ الرب ، وباسمِ العزيز ؛ وإن أتيتَ بحرفٍ سوى الباء لَمْ تحذفِ الألفَ أيضاً ؛ نحو قولِكَ : لاسمِ الله حلاوةٌ في القلوب ؛ وليس اسمٌ كاسمِ الله. وكذلك باسمِ الرَّحمنِ ؛ واسمِ الجليلِ ؛ و{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ }[العلق : 1].