دراسة في الروايات التي نسبت الشرك للرسول
مدة
قراءة الصفحة :
4 دقائق
.
دراسة في الروايات التي نسبت الشرك للرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
أ. م.د. حسين علي الشرهاني
جامعة ذي قار/ كلية التربية/قسم التاريخ
مقدمة
تعد دراسة السيرة النبوية أهم الدراسات في حقل التاريخ الإسلامي، بوصفها الأساس الذي قام عليه هذا التاريخ، إذ لا يمكننا أن نفهم الأحداث التي شهدتها الدولة الإسلامية بمختلف مراحلها، من دون الرجوع إلى دراسة هذه الحقبة التاريخية، ولاسيما إذا عرفنا أنَّ التشريعات الإسلامية والأحكام الفقهية لها ارتباط مباشر بدراسة سيرة الرسول (ص)، لذلك نرى المؤرخين منذ العصر الإسلامي ولحد اليوم مهتمين بهذه الدراسة، وفي خضم هذا الاهتمام برزت العديد من الظواهر السلبية التي أثرت على الفهم الصحيح لهذه الحقبة التاريخية المهمة، مثل المبالغة في وصف الأحداث وتضخيم بعض الأدوار، أو نقل روايات ليس لها أساس من الصحة، أو تحريف بعض الروايات بشكل يخرجها عن الحقيقة، وكل هذا ناتج عن أهداف ودوافع ذاتية لدى بعض الرواة ومن نقل عنهم، لأسباب عقائدية أو سياسية أو تقربا للحكام أو غير ذلك من الدوافع، لذلك جاء هذا البحث لمعالجة إحدى هذه الظواهر السلبية التي أساءت بشكل كبير للنبي (ص) والدعوة الإسلامية، والمتمثلة بنسبة الشرك للرسول (ص) بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أوردت المصادر روايات متعددة تنسب الشرك أو الاعتقاد بالأنصاب والأصنام للرسول (ص)، وتابع هذه المصادر التاريخية بعض كتب التراجم والطبقات والحديث والتفسير وغيرها، فانتشرت هذه الروايات على نطاق واسع، وتداولها الرواة حتى بلغت من الشياع بحيث أصبح من الصعب الاعتراض عليها، كونها غدت من المسلمات عند الكثير من الباحثين. فنسب بعضها للرسول (ص) الاعتقاد بالأصنام والأوثان بصورة مباشرة وصريحة، فيما ذكر بعضها الآخر هذا الأمر بصورة غير مباشرة من خلال القول إن الرسول (ص) ينحر الذبائح تقربا للأنصاب، أو انه كان يأكل من الذبائح التي تنحر تقربا لها، ومجمل هذه الروايات ذكرت بان الرسول (ص) ترك الاعتقاد
دراسة في الروايات التي نسبت الشرك للرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم)
أ. م. د. حسين علي الشرهاني
جامعة ذي قار/ كلية التربية/قسم التاريخ
thiqaruni.org
بالأصنام والأوثان وكذلك ترك أكل ما ذبح على النصب بناءاً على نصيحة قدمها له زيد بن عمرو بن نفيل (¬1)، ويمكن أن نصنف هذه الروايات بالشكل الآتي:
أولا: الروايات المباشرة (التي نسبت الشرك للرسول (ص)):
أهم رواية في هذا الباب ما نقل عن محمد بن إسحاق بن يسار كاتب السيرة المعروف، التي أشار فيها إلى أن الرسول (ص) ترك عبادة الأوثان بعد نصيحة قدمها له زيد بن عمرو بن نفيل (فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل ان كان لأول من عاب علي الأوثان ونهاني عنها أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم وكان بأعلى مكة فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا فقربتها له وأنا غلام شاب فقلت: كل من هذا الطعام أي عم قال: فلعلها أي ابن أخي من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم، فقلت: نعم، فقال: أما انك يا ابن أخي لو سالت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح فلا حاجة لي بها ثم عاب علي الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها وقال انما هي باطل لا تضر ولا تنفع او كما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تمسحت بوثن منها بعد ذلك على معرفة بها ولا ذبحت لها حتى أكرمني الله عز وجل برسالته صلى الله عليه وسلم) (¬2).
ونقلت بعض المصادر رواية عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أنَّ الرسول (ص) والسيدة خديجة كان عندهما صنم يعبدانه: (قال حدثني جار لخديجة بنت خويلد انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزى والله لا اعبد أبدا، قال: فتقول خديجة خل
¬__________
(¬1) ستأتي ترجمة زيد بن عمرو بن نفيل عند مناقشة الروايات الخاصة به.
(¬2) ابن إسحاق، السير والمغازي، ص118، ينظر أيضا ابن عساكر، تاريخ دمشق، ص507.