عنوان الفتوى : التعجيل بالجنازة وانتظار القادم من السفر لشهودها

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

والدي رحمة الله عليه كان يعيش في مصر وكان يعيش بمفرده في بيتنا الكبير الذي تربينا جميعاً فيه، ورفض أن يعيش مع أي منا، ونحن ستة رجال، وكان عمره 90 عاماً، وكان إخوتي يذهبون إليه لتقديم الوجبات له والجلوس معه طول اليوم ولا يتركوه إلا بعد أن يصلوا العشاء معاً، وأنا أصغر أبنائه وعمري 50 عاماً وأعيش في إيطاليا، وكنت أحادثه يومياً عبر التليفون وآخر مرة تحدثت فيها معه كانت يوم الإثنين 20 مارس الماضي، يوم الثلاثاء اتصلت كعادتي وقت الغداء لأجد أختي ترد علي وتقول بأن الحاج قد أحس بألم في البروستاتا وأعطوه مسكنات وهو أخذ حقنة منذ نصف ساعة ونائم، فاتصلت على أخت أخرى في منزلها وسألتها عن الحاج لتقول نفس الكلام، في المساء اتصلت وحادثت أخي وقال بأن الحاج أخذ حقنة الساعة الثامنة مساء ونائم من يوم الإثنين وأنا أنام معه هنا واطمئن، أنا في اليوم التالي الأربعاء اتصلت لتقول لي أختي نفس الكلام فرجوت منها أن توقظه حتى أسمع صوته فقالت لا نحن لم نصدق أنه نام لأنه كان يتألم شديدا، في مساء الأربعاء اتصلت وقال لي أخي ما قالته أختي في الصباح وقال لي اطمئن الحاج بخير ويدعو لك دائماً، في صباح الخميس الساعة السابعة اتصلت ليرد علي ابن أخي ويقول لي لحظة يا عم أبي سيكلمك ويأتيني صوت أخي ليقول البقاء لله الحاج صعدت روحه إلى خالقها فجر اليوم وسيدفن بعد صلاة الظهر، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، وقلت لأخي سأتصل بك بعد عشر دقائق وأغلقت الخط معه، واتصلت بمطار ميلانو وسألت إن كان هناك أي طائرات متجهة إلى القاهرة الآن فقالوا نعم فيه طائرة تقلع الساعة العاشرة وتكون في القاهرة الساعة الثانية ظهراً، وسألت إن كان فيه مكان قالوا نعم فيه مكان في الدرجة الأولى، اتصلت على الفور بأخي وقلت له أرجوكم أجلوا الجنازة إلى بعد صلاة العصر، فالعصر على الثالثة والنصف وطائرتي ستصل الساعة الثانية، فرد علي لا نستطيع لقد أعلنت الميكرفونات بعد صلاة الفجر بأن الجنازة بعد صلاة الظهر، فقلت له غير الإذاعة وأذيعوا بأن الجنازة بعد العصر، فقال لي لا نستطيع فقلت له حرام عليكم تحرموني أن أحضر جنازة والدي، فقلت له الرسول عليه الصلاة والسلام أوصى عندما يموت عبد مسلم أن يعلم به أهله وأحبابه وينتظروا حتى يحضروا جنازته، فقال لا نستطيع الانتظار، سؤالي هو: ألا يعتبر إخوتي مذنبين بأنهم أولاً ضللوني وأخفوا عني الحقيقة التي ترتب عليها عدم سفري لرؤية أبي وهو حي؟ وفي عدم انتظارهم لي لحضور الجنازة مع أنني أوضحت لهم بأن حضوري بالطائرة أكيد الساعة الثانية ظهراً، والله تعالى يقول في كتابه العزيز (وجعلنا لكل شيء سبباً فأتبع سببا)، أفتونا؟ جزاكم الله خيراً عن الإسلام والمسلمين لما تقدموا من خدمات.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من السنة تعجيل دفن الميت لما روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن يكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم. وقال صلى الله عليه وسلم: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرجه الطبراني بإسناد حسن، وقال في شرحه للحديث الأول: وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت. انتهى.

فهذا هو الأصل في دفن الميت، وهو التعجيل والمبادرة إلى ذلك إلا إذا كان هناك سبب شرعي يدعو إلى تأخير الدفن، ومن الأسباب انتظار أهل الميت، ما لم يطل هذا الانتظار، قال في فيض القدير: ينبغي انتظار الولي إن لم يخف تغيره. انتهى.

وقال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: وفي الانتظار لولي وجهان، أحدها لا بأس أن ينتظر وليه، وهو الصحيح،... قال في الرعاية الكبرى: ويجوز التأني قدر ما يجتمع له الناس من أقاربه وأصحابه وغيرهم، ما لم يشق عليهم أو يخف عليه الفساد. انتهى. والوجه الثاني لا ينتظر. انتهى.

وفي نهاية المحتاج للرملي الشافعي: (ولا تؤخر) الصلاة عليه أي لا يندب التأخير (لزيادة المصلين) لخبر {أسرعوا بالجنازة} ولا بأس بانتظار الولي إذا رجي حضوره عن قرب وأمن من التغير. انتهى.

وعليه فما قام به إخوانك من التعجيل بدفن الجنازة دون انتظارك جائز لما أسلفناه من استحباب التعجيل بالدفن، وإن كان الأولى انتظارك لا سيما وأن وصولك قريب ولا يخشى على الجنازة من التغير، فنسأل الله أن لا يحرمك الأجر، وينبغي لك التماس العذر لإخوانك، فالأمر سهل، والمهم الآن أن تستغفر لوالدك وتدعو له وتتصدق عنه وأن تصل أرحامك.

والله أعلم.