عنوان الفتوى : اختلاف العلماء في حد اللواط والراجح منها

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

في الفتوى السابقة برقم: (266764) كان ردكم على نقطة الإلقاء من شاهق، بحديث القتل، وليس الرد على صفة القتل نفسها. ليست عندي مشكلة إذا كان حد اللواط القتل، أو كحد الزنا، أو التعزير طالما كان هناك قاض مسلم، وأربعة شهود عدول، إنما أعترض على صفة الحد نفسها، أو حتى كنص فقهي، في الفتوى رقم: (1869) قلتم إن من قال إنه يرمى من شاهق هو سيدنا علي، وقال كذلك ابن القيم-رحمه الله- وهذا غير صحيح. ومن قال ذلك هذا هو سيدنا ابن عباس، وقد روي عنه أنه كحد الزنا، ثم الرجم، ثم الرمي. أما سيدنا علي، فرويت عنه خمس روايات كلها قتل، إنما هناك اختلاف في التفاصيل، فمرة يرجم ثم يحرق، ومرة يرجم فقط، وغير ذلك. وأنتم أعلم بذلك، وكانت حجة من قال يرمى من شاهق: أن الله فعل ذلك في قوم لوط. كيف وقد كان قوم لوط كفار، وقطاع طريق، وآذوا الرسول، وكانت زوجة سيدنا لوط، والنساء قد هلكن معهم، ثم أْليست طريقة هلاك قوم لوط فيها تفاصيل غير صحيحة، كما تفضلتم بتوضيحه في الفتوى رقم:(259972) فعلى أي أساس يقال مثل هذا الكلام، وأصلا أساس الحد لا يصح؟ لو كان هذا صحيحا لماذا اختلاف العلماء في الحد؟ وأنا لا أقصد التقليل من شأن هذا الذنب، وإنما أشير إلى كلام ابن حزم وغيره، بل القرآن نفسه من رأى عدم صحة هذا الكلام. فمثلا في كتاب شرح زاد المستقنع: "وقال بعضهم: يقتل، وهو اختيار بعض أصحاب الإمام مالك -رحمهم الله-، واختلفوا في قتله، فقال بعضهم: ينظر إلى أعلى دار فيرمى منها منكساً، كما أثر ذلك عن بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-، واستدلوا بأن الله عز وجل عاقب قوم لوط بهذه العقوبة، ولكن هذا ضعيف، ووجه ضعفه أننا لو قلنا بأنه يرمى من أعلى دار، أو يحرق بالنار كما أثر عن بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ للزم من هذا أن التاجر إذا طفف الكيل، أخذ بعقوبة قوم شعيب المذكورة في القرآن، والذي يظهر أن قوم لوط كان عندهم جريمة أشد من اللواط، وهي كفرهم بالأنبياء، فكفروا بنبي الله لوط عليه الصلاة والسلام، واجترؤوا على حرمته، وعقوبتهم كانت جماعية، وجاءت بسبب ذنوب الجماعة، وليست كعقوبة الفرد، فالاستدلال بمثل هذا يحتاج إلى نظر؛ لأنه لو درج على هذا؛ لانتقضت كثير من الأحكام، وما أثر عن بعض الصحابة، فلا يمنع أن يكون ذلك منهم على سبيل التعزير، والزجر؛ لأنه إذا وقع الشيء كأول حدث، فإن الفاعل قد يعاقب بأشد العقوبة حتى لا يتتابع الناس عليه، فيكون فيه معنى زائد عن الجرائم المعتادة المألوفة." فهل يصح هذا الكلام؟! هذا أمر لا يصدقه عقل، فمعنى ذلك أن الله يريد حبسي في هذه الميول. فكيف أتخلص منها، ويوجد من النصوص ما هو ضد عقلي، ولست أنا فقط، بل الكثير من أمثالي لا أصدق أن الله يعطينا عقلا، ويعطينا شريعة مخالفة له! الصراحة لا أصدق هذا الكلام، ولا أعترف به، أقصد صفة القتل، وليس أصل الحد؛ لأن الله لا يريد تعذيب شخص لا يذنب أصلا. فكيف يضع الله حدا يكون ضد نفسية، وعلاج عبد غير عاص حتى وإن لم يطبق؟ فهل تصح الرواية عن سيدنا ابن عباس، وتطبق رغم أنه قد روي عنه أنه كحد الزنا، ثم الرجم، ثم الرمي؟! كما ترون الرويات متناقضة.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقبل الجواب نقول: إن السؤال يتضمن فقرات غير واضحة مثل الجملة: ( لم أفهم مقصود السائل بقوله: بل القرآن نفسه من رأى عدم صحة .. )  

ثم نقول: قد ذكرنا حد اللواط في الفتوى رقم: 1869. ورجحنا فيه مذهب الجمهور من أنه يرجم، ولم نرجح حكم ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي يقول فيه: يرمى من أعلى جدار في القرية، ويتبع بالحجارة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ. وَلِهَذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِمَا جَمِيعًا؛ لَكِنْ تَنَوَّعُوا فِي صِفَةِ الْقَتْلِ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ: يُرْجَمُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يُرْمَى مِنْ أَعْلَى جِدَارٍ فِي الْقَرْيَةِ، وَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ؛ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يُحَرَّقُ بِالنَّارِ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُمَا يُرْجَمَانِ، بِكْرَيْنِ كَانَا، أَوْ ثَيِّبَيْنِ، حُرَّيْنِ كَانَا، أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّهَا بِمَمْلُوكِ، أَوْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَهُوَ كَافِرٌ، مُرْتَدٌّ. انتهى.

وقال أيضا: وَأَمَّا اللِّوَاطُ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: حَدُّهُ كَحَدِّ الزِّنَا. وَقَدْ قِيلَ: دُونَ ذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ: أَنْ يُقْتَلَ الِاثْنَانِ الْأَعْلَى، وَالْأَسْفَلُ. سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ، أَوْ غَيْرَ مُحْصَنَيْنِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَنِ رَوَوْا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ، وَالْمَفْعُولَ بِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي الْبِكْرِ يُوجَدُ عَلَى اللُّوطِيَّةِ. قَالَ: يُرْجَمُ. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَمْ تَخْتَلِفْ الصَّحَابَةُ فِي قَتْلِهِ؛ وَلَكِنْ تَنَوَّعُوا فِيهِ. فَرُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِ، وَعَنْ غَيْرِهِ قَتْلُهُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يُلْقَى عَلَيْهِ جِدَارٌ حَتَّى يَمُوتَ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَقِيلَ: يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ مَوْضِعٍ حَتَّى يَمُوتَا. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّهُ يُرْفَعُ عَلَى أَعْلَى جِدَارٍ فِي الْقَرْيَةِ، وَيُرْمَى مِنْهُ، وَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ كَمَا فَعَلَ اللَّهُ بِقَوْمِ لُوطٍ. وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى قَالَ: يُرْجَمُ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ السَّلَفِ. قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ رَجَمَ قَوْمَ لُوطٍ، وَشَرَعَ رَجْمَ الزَّانِي تَشْبِيهًا بِرَجْمِ قَوْمِ لُوطٍ، فَيُرْجَمُ الِاثْنَانِ سَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ، أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا، وَالْآخَرُ حُرًّا إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ بَالِغٍ، عُوقِبَ بِمَا دُونَ الْقَتْلِ، وَلَا يُرْجَمُ إلَّا الْبَالِغُ. انتهى.
والجمهور الذين لم يأخذوا بحكم ابن عباس هذا، لا يرون رجحانه، ولا رجحان حجته، فتكون أنت قد وافقتهم في عدم قبول هذا الحكم، وهذه الحجة، ولكن ينبغي موافقتهم بدون تشنيع على القول الآخر.
وأما نسبة حكم ابن عباس هذا، إلى علي -رضي الله عنهم- في الفتوى رقم: 1869. فسهو، سنقوم بتصحيحه إن شاء الله، وجزاك الله خيرا على تنبيهك.
وأما نسبتك هذا الخطأ لابن القيم، فغير صحيح؛ فإن ابن القيم -رحمه الله- قد ذكر في الجواب الكافي أنه من قول ابن عباس حيث قال: وقد ثبت عن خالد بن الوليد، أنه وجد في بعض نواحي العرب، رجلا يُنكح، كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة -رضي الله عنهم- فكان علي بن أبي طالب، أشدهم قولا فيه، فقال: ما فعل هذ إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها، أرى أن يحرق بالنار. فكتب أبو بكر إلى خالد، فحرقه. وقال عبد الله بن عباس: أن ينظر أعلا ما في القرية، فيرمى اللوطي منها منكسا، ثم يتبع بالحجارة. وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط، وابن عباس هو الذي روى عن النبي: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل، والمفعول به. رواه أهل السنن، وصححه ابن حبان وغيره. انتهى.
وقد ذكر ابن القيم أيضا حكم علي -رضي الله عنه- هذا، في الطرق الحكمية، وبدائع الفوائد، وروضة المحبين. وأما حكم ابن عباس، فقد ذكره في روضة المحبين أيضا.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 117180. في أن التعزير مفوض إلى رأي الإمام، على حسب ما تقتضيه الحاجة.
وبقية ما ذكرته في سؤالك، قد أجبناك عنه في الفتوى السابقة برقم: 266764. فراجعها مرة أخرى، واعمل بما فيها من نصيحة.
 والله أعلم.