عنوان الفتوى : بيان عدم مشروعية الأخذ من أثر العائن وحرقه والتبخر به

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سؤالي يتعلق بالعين: ما الحكم إذا شك الإنسان في شخص بأنه أصابه بالعين، فقام بأخذ شيء من أثره من غير علمه -مثل قطعة من الملابس-، وقام بعملها كالبخور، وتبخر بها؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا ننبه في البداية إلى أنه لا يجوز اتهام شخص بالعين دون دليل، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 140524.
وأما أخذ شيء من أثر العائن كثيابه، ثم حرقه، والتبخر به، فهذا أمر لا تُعرف منفعته من طريق الشرع، ولا من طريق العقل، وقد قال الشيخ/ صالح آل الشيخ: اعتقادات الناس في دفع العين لا حصر لها، والجامع لذلك: أن كل شيء يفعله الناس بما يعتقدونه سببا وليس هو بسبب شرعي ولا قدري، فإنه لا يجوز اتخاذه. اهـ.
وقد ذكرنا في بعض الفتاوى السابقة: أن العلاج بالتبخر يكثر وجوده عند السحرة، والمشعوذين، وأصحاب التعامل مع الجن، وهو من عوائد النصارى والصابئين، وهذا مما يوجب على المسلم الحذر والتحفظ منه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: وقد بلغني أيضا أنهم -يعني النصارى- يخرجون يوم الخميس الذي قبل ذلك أو يوم السبت أو غير ذلك إلى القبور ويبخرونها، وكذلك يبخرون بيوتهم في هذه الأوقات، وهم يعتقدون أن في البخور بركة، ودفع أذى، لا لكونه طيبا، ويعدونه من القرابين... إلى أن قال: وإنما ذكرت ما ذكرته لما رأيت كثيرا من المسلمين يفعلونه، وأصله مأخوذ عنهم، حتى إنه كان في مدة الخميس تبقى الأسواق مملوءة من أصوات هذه النواقيس الصغار، وكلام الرقايين من المنجمين، وغيرهم، بكلام أكثره باطل، وفيه ما هو محرم أو كفر، وقد ألقي إلى الجماهير العامة أو جميعهم إلا من شاء الله، وأعني بالعامة هنا: كل من لم يعلم حقيقة الإسلام، فإن كثيرا ممن ينتسب إلى فقه أو دين قد شارك في ذلك ألقي إليهم أن البخور المرقي ينفع ببركته من العين، والسحر، والأدواء، والهوام... إلى آخر كلامه رحمه الله.

وقال في موضع آخر مبينًا الانحرافات التي تحدث في تشبه المسلمين بالنصارى في أعيادهم، فذكر منها: ورقي البخور مطلقا في ذلك الوقت أو غيره أو قصد شراء البخور المرقي، فإن رقيا البخور واتخاذه قربانا هو دين النصارى والصابئين، وإنما البخور طيب يتطيب بدخانه، كما يتطيب بسائر الطيب من المسك، وغيره مما له أجزاء بخارية وإن لطفت، أو له رائحة محضة، وإنما يستحب التبخر حيث يستحب التطيب. انتهى من كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.

والمعروف في علاج العين هو: أن يغسل العائن بعض جسده كأطرافه، وداخلة إزاره، ويصب ذلك الماء على المصاب، لما في الحديث عن أبي أمامة سهل بن حنيف أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة -يعني من شدة بياضه-! فلبط -أي: صرع، وسقط على الأرض- سهل، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه. فقال: هل تتهمون له أحدًا؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. قال: فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرًا، فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟! ألا بركت، اغتسل له. فغسل عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس. رواه مالك، وأحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني.

قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع الفتاوى: أما الأخذ من فضلات العائن العائدة من بوله أو غائطه، فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره، ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه. والله أعلم.

وإذا كان الإنسان يشك في إصابته بالعين، ولم يعرف العائن أو لم يطعه العائن في الاغتسال، فينبغي اللجوء للرقية الشرعية، ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أسترقي من العين.

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ. رواه مسلم.

والله أعلم.