عنوان الفتوى : ما المنهج الذي أسلكه لكي أستوعب الفتاوى، ولا أدقق في الأحكام؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

لدي مشكلة وهي أنني لا أكاد أقيس على الفتاوى، وأدقق كثيرًا في الأحكام في داخل نفسي، وتطرأ عليّ أسئلة دقيقة، وأبالغ في المنهجية، فمثلًا قرأت فتوى عن عورة المرأة أمام محارمها، فطرأ عليّ سؤال دقيق إذا كانت فتحة الصدر تظهر جزءًا بسيطًا جدًّا من أول الصدر، وكيف إذا ظهر جزء من أول الظهر، أو القدر المحدد لضيق لباس المرأة حتى يكون حرامًا، أو القدر المعتبر في اللحية، وهو أن تمسك بالقبضة، فأتساءل هل لا بد أن تملأها أو لا؟ فلا أستطيع تقدير الأحكام إلا إذا كانت محددة تمامًا، ولا أستطيع القياس على الفتاوى العامة، فلا أكاد أستوعبها إلا إذا كانت الفتوى خاصة تتحدث عن شيء بعينه، فما المنهج الذي أسلكه لكي أستوعب الفتاوى، ولا أدقق في الأحكام؟ وهل الأشياء تؤخذ بالعرف، فمثلًا في مسألة الحسد فإنه قد يريحني مثلًا إذا عرفت أن شخصًا لديه مثل مشكلتي، لكن ذلك ليس حسدًا مني، ولا تمنيًا لزوال النعمة عنه، فلو عرض عليّ أن أختار له النعمة، أو زوالها لاخترت النعمة، ولكن ذلك الارتياح نتيجة لتهوين الأمر على نفسي عندما علمت أن غيري يعاني منه، فأشك بهذا، فهل حسدته أم لا بسبب أسلوب المنهجية الزائد عندي في اتباعي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ وشكرًا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن لديك شيئًا من الوسواس؛ لذلك ننصحك أولًا بالإعراض عنه، وعدم الاسترسال فيما يعرض لك منه، وراجع بشأنه الفتوى رقم: 51601

ثم إن المنهج الذي نوصيك به كي تستوعب ما تبتغي من أحكام شرعية هو منهج الاعتدال دون تنطع، أو تساهل، مع الوقوف عند الحد الذي حدده الشارع في كل مسألة دون فتح المجال لأسئلة ووساوس لا طائل منها، وبخصوص الفرعيات التي وردت في سؤالك، فقد سبقت الإجابة عن بعضها، حيث سبق أن بينا حدود عورة المرأة أمام محارمها مع ذكر أقوال أهل العلم في ذلك من خلال الفتوى رقم: 20445.

وقد أفتينا قبلُ في الفتوى رقم: 599، بمذهب الحنابلة القائل بأنه لا يجوز للرجل النظر إلى محارمه من النساء، إلا ما يظهر منهن غالبًا، كالأطراف.

وبخصوص القدر المحدد لضيق لباس المرأة، فقد بينا في فتاوى كثيرة أن المقصود به ما يصف جسمها، ويظهر مفاتنها، وانظر في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 248467، 161855، 246307.

أما القبضة في اللحية: فالمقصود بها قبض الشعر النابت على الذقن، ثم قص ما زاد على القبضة، وهو جائز مع أن الأولى تركه، فإذا قبض الإنسان يده على لحيته، فما بقي بعد القبضة يجوز قصه عند بعض أهل العلم، وهذا أمر واضح لا إشكال فيه إلا على من لديه وسواس، وقد سبق لنا التنبيه إلى ضرورة الإعراض عن الوسواس، وانظر الفتويين رقم: 3851، ورقم: 105798.

أما قولك في مسألة الحسد: فإنه قد يريحني مثلًا إذا عرفت أن شخصًا لديه مثل مشكلتي، لكن ذلك ليس حسدًا مني، ولا تمنيًا لزوال النعمة عنه، فلو عرض عليّ أن أختار له النعمة، أو زوالها لاخترت النعمة، ولكن ذلك الارتياح نتيجة لتهوين الأمر على نفسي عندما علمت أن غيري يعاني منه، فأشك بهذا هل حسدته أم لا.. فالجواب أن هذا ليس من الحسد، وإنما هو من باب ما يسمي بالتأسي؛ ولذلك يقال: المصيبة إذا عمت هانت، وإذا خصت هالت، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ {هود:120}.

فمن الطبيعي أن الإنسان يخفف عنه أن يكون ما يحل به من مصائب، أو مشاكل غير خاص به وحده؛ ولهذا رد بعض أهل العلم -كالمالكية- شهادة ولد الزنا فيه ـ أي في الزنا ـ وكذا شهادة من حد في قذف، أو شرب فيما حد فيه؛ لاتهامه فيها بالحرص على مشاركة غيره له فيما ابتلي به، قال خليل: أو على التأسي: كشهادة ولد الزنا فيه، أو من حد فيما حد فيه. اهـ.

والله أعلم.