عنوان الفتوى : زوجته تصر على الطلاق منه بسبب وقوعه في الفاحشة فهل يطلقها؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا شاب 31 سنه ، تزوجت من 5 أعوام ، ولي ابن 3 سنوات ، من سنتين بدأت اتعرف علي نساء غير زوجتي ؛ لأني بصراحة لم يكن لدي علاقة حميمة سوية مع زوجتي طوال أعوام الزواج ، وأنا وزوجتي معترفين بهذا ؛ لأننا كنا في توتر دائم ، بسبب معيشتنا مع أهلنا ، وعدم وجود توافق أو تناغم بيننا أيضا ، زوجتي بها كل السمات الطيبة ـ لكنها ليست حميمة معي ، لم أتوقف عن الخيانة إلا عندما تعلم بها ، وتركت لي المنزل عدة مرات سابقة لسلوكي السيء وعدم استقامتي ، تدخل أهلي وأهلها للإصلاح في كل مرة لمنعها من الطلاق الذي تطلبه ، وكانوا يلمونني بالطبع لتركي شئون أهل بيتي ، بعد آخر مرة قلت لنفسي : إني لن أفعلها مجددا ، ولكني لم أف بوعدي المتكرر، والآن هي ترفض الحديث معي ، وتطلب الطلاق مع كل حقوقها ، وبدون نقاش متكرر مثل المرات السابقة ؛ لأنها لا تصدق كلامي. اعلم أنني المخطئ ، ولا يريد أحد الآن التدخل لتكرار أخطائي ، فهل الطلاق هو الحل الآن أم أمسك بها حتى ينصلح الحال ، ولأني لا أستطيع فراق ابني أم أقول لها " أمرك بيدك " ؟ السؤال الأهم : هل سيقتص الله سبحانه وتعالى وينتقم مني في صحة ابني أو أهلي أو رزقي أو في أي شيء لو أنهيت زواجي هذا بالطلاق ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
الزنا من كبائر الذنوب التي توجب سخط علام الغيوب جل جلاله ، وهو من المتزوج أقبح منه من العازب الذي لا زوجة له ، لأن من رزقه الله تعالى الحلال ثم يصر بعد ذلك على الحرام فهذا أجدر بالعقوبة من غيره ، ولذلك كانت عقوبة الزاني المحصن (المتزوج) في الإسلام أشد من عقوبة الزاني البكر ، فالزاني المحصن يرجم بالحجارة حتى يموت ، وأما البكر فيجلد مائة جلدة ، ويراجع الحديث عن قبح جريمة الزنا في الفتوى رقم : (23485).

وأما طلب زوجتك الطلاق بسبب وقوعك في الفواحش : فهو حق لها ؛ لأن طلب المرأة الطلاق بسبب ضرر يلحقها من جهة زوجها أمر جائز ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (99870).
وقد سبق أن بينا أن الزوجة إذا تبين لها زنا زوجها ، ثم نصحته فلم ينتصح ، ووعظته فلم يتعظ : فإنها تفارقه ، إما بالطلاق ، وإما بالخلع ، فليراجع ذلك في الفتوى رقم : (171430).

واعلم أنك إن أصررت على السير في هذا الطريق المنحرف : فإنك بلا شك تتحمل إثم انهيار أسرتك ، وضياع زوجتك وولدك منك ، فإنك أنت المتسبب في هذا الأمر بسبب معصيتك .

أما انتقام الله تعالى منك بسبب ذلك فهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعال، , لكن المتقرر المعلوم أن من يواقع هذه القاذورات فهو على صدد العذاب , ويوشك أن يريه الله عاقبة أمره ، وسوء فعله ؛ وقد قال الله تعالى ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا )النساء/ 123، وقال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النور/ 63 .
قال ابن كثير في تفسيره (6 / 90) : " فَلْيَحْذَرْ وليخْشَ مَنْ خَالَفَ شَرِيعَةَ الرَّسُولِ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أَيْ: فِي قُلُوبِهِمْ ، مِنْ كُفْرٍ أَوْ نِفَاقٍ أَوْ بِدْعَةٍ ، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أَي ْ: فِي الدُّنْيَا ، بِقَتْلٍ ، أَوْ حَد ، أَوْ حَبْسٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ " انتهى.
ثانيا :
ليس الطلاق هو الحل الأمثل ، ولا أن تجعل الأمر بيدها .
ولكن الحل هو أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة ، فتترك هذا المحرم ، وتندم على فعله ، وتعزم عزما أكيدا على عدم العودة إليه ، ثم بعد ذلك تكمل توبتك بالمحافظة على الصلاة جماعة ، وكثرة قراءة القرآن والصيام والصدقة فإنك إذا فعلت ذلك فسوف يجعل الله لك فرجا من حيث لا تشعر ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق/2-3 .
فقد يرقق الله قلب زوجتك ويجعلها تتراجع عن طلبها الطلاق ، أو ييسر الله من يتوسط لك من الأقارب حتى يقنعها بتوبتك ، أو بغير ذلك مما سيقدره الله تعالى .

وأما بدون توبة صادقة فلا تنتظر الفرج ولا المخرج ، فإن الإنسان يحرم الخير بسبب ذنوبه .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " سمعت خليلي أبا القاسم يَقُولُ : ( كَمَا لَا يُجْتَنَى مِنَ الشَّوكِ الْعِنَبُ ، لَا يَنْزِلُ الْفُجَّارُ مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ، وَهُمَا طَرِيقَانِ فَأَيُّهُمَا أَخَذْتُمْ وَرَدَ بِكُمْ عَلَى أَهْلِهِ ).
أخرجه ابن منيع ، كما في "المطالب العالية" (3149) ، وغيره ، وحسنه الألباني .

ما بالُ دينِكَ تَرضى أَن تُدَنِّسَهُ وَثَوبُكَ الدَهرَ مَغسولٌ مِنَ الدَنَسِ
تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

نسأل الله أن يوفقك للتوبة وأن يصلح لك شأنك .

والله أعلم.