عنوان الفتوى : المعتبر في الحكم على الجماعات والأحزاب موافقة الشريعة ومقاصدها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما رأي الشرع في حركة النهضة التونسية؟ وهل نطيعهم حكامًا علينا؟ وهل يحرم التحالف معهم في الانتخابات المقبلة؟ وهناك امرأة زوجها من النهضة، فهل نفرق بينهما؟ وما هو مصير الأولاد؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحركات والأحزاب الإسلامية تتفاوت قربًا وبعدًا عن الحق، وكلٌّ يُؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمعتبر في هذا الحكم إنما هو موافقة الشريعة ومقاصدها، والالتزام بنصوصها وأحكامها، فيجتمع في الشخص الواحد ـ فضلًا عن الحزب والحركة ـ حق وباطل، صواب وخطأ، إساءة وإحسان .. والواجب أن يُقبل الحق ممن جاء به من قريب أو بعيد، وأن يعان ويؤازر عليه, ويرد الباطل على من جاء به من قريب أو بعيد، ولا يعان عليه, بل ينهى عنه, وهذا مقتضى النصيحة الواجبة، كما في صحيح مسلم عن تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. وفي الصحيحين عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته, ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته, هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة, وخالفهم الخوارج والمعتزلة, ومن وافقهم عليه. اهـ.
هذا من حيث العموم، وأما الحكم التفصيلي الخاص بحركة النهضة فليس هنا مجاله، فهذا الموقع يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنيًا بتقييم الأشخاص والجماعات, والحكم عليهم وعلى مناهجهم! وقد سبق لنا بيان إجمالي لما ينبغي أن يكون موقف المسلم من العاملين للإسلام، وذلك في الفتوى رقم: 103867.

وأما ما يتعلق بهذه الحركة من جانب السياسة الشرعية والتحالف والمشاركة في العملية الانتخابية فراجع فيه الفتوى رقم: 153297.

وأما ما يتعلق بطاعتهم حين وصولهم إلى سدة الحكم، فالأصل الجامع في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه. قال القرطبي في المفهم: يعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية. اهـ.
وقال السعدي في بهجة قلوب الأبرار: هذا الحديث قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف. فإن الشارع رد الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر, والصلة, والعدل, والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله ... اهـ.

وأما مسألة التفريق بين من ينتمي لهذه الحركة وبين زوجه، والسؤال عن مصير الأولاد!! فهذا لا مدخل له إلا في حال الحكم العيني بالردة على الزوج، وهذا أمر بعيد هنا، والحكم بالكفر على المعين من الخطورة بمكان، فقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان, فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفرًا أكبر مخرجًا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر, ومع ذلك فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغًا عاقلًا مختارًا غير معذور بجهل أو تأويل, وقد سبق لنا جواب سؤال بينا فيه متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا أكبر، وبيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 197487 وما أحيل عليه فيها. 

والله أعلم.