عنوان الفتوى : جواز النسيان على النبي لا يقدح في عصمته

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ فتاوى ابن باز ج:6ـ371: قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ولا سيما محمد صلى الله عليه وسلم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل، قال تعالى: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى {النجم: 1-5} فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم معصوم في كل ما يبلغ عن الله قولاً وعملاً وتقريراً، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم، انتهى ـ وقد اتفقت الأمة على ‏أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد ‏نسخ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرئه فلا ينسى إلا شيئاً ‏أراد الله أن ينسيه إياه، وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره، قال تعالى: سنقرئك فلا ‏تنسى إلا ما شاء الله {الأعلى: 6ـ7} وقال تعالى: إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع ‏قرآنه {القيامة: 17-18} فهل معنى كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي بعض آيات القرآن الكريم ثم تذكرها، أم ماذا؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس في الكلام الذي ذكرته عن الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم نسي بعض آيات القرآن الكريم وإنما فيه إجماع المسلمين قاطبة على عصمة الأنبياء، وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 6901.

ونبينا صلى الله عليه وسلم قد يعرض له النسيان المؤقت في بعض الأحيان فيما كان قد بلغه للأمة، وهو لا يتنافى مع عصمته صلى الله الله عليه وسلم، بل هو من الطبيعة البشرية، فقد جاء في الصحيحين: أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال: يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا.

وفيهما: أنه صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين ـ ركعتين ـ فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم.. الحديث.

قال النووي في شرح مسلم: فيه دليل على جواز النسيان عليه صلى الله عليه وسلم فيما قد بلغه إلى الأمة.

فهذا النسيان إذا وقع إنما يقع فيما كان قد بلغه، ولكن الله تبارك وتعالى بحفظه لوحيه وشريعته لا بد أن يقيض له صلى الله عليه وسلم ما يذكره، كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}.

وأما قوله: فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد ‏نسخ.... فمعناه أن رسل الله معصومون من نسيان شيء مما أوحي إليهم حتى يبلغوه، ومعصومون من نسيانه بعد ذلك نهائيا، فإذا عرض لهم نسيان بطبيعتهم البشرية بعد التبليغ قيض الله لهم من يذكرهم ـ كما ذكرنا ـ مصداقا لقوله تعالى: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}. ولقوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى {الأعلى:6}.  

فلا ينسون شيئا مما أمروا بتبليغه، إلا ما شاء الله أن ينسوه مما نسخه الله، كما قال تعالى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا {البقرة:106}.

جاء في تفسير الطبري وغيره: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ـ يقول تعالى ذكره: سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه.. هذا إخبار من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن، ويحفظه عليه، ونهي منه أن يعجل بقراءته كما قال جل ثناؤه: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه.. عن مجاهد: معنى الاستثناء في هذا الموضع فلا تنسى، إلا ما شاء الله ـ أن تنساه ولا تذكره، قال: ذلك هو ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته. اهـ ملخصا من تفسير الطبري

وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 29478، 138246، 15632، للمزيد من الفائدة.

والله أعلم.