عنوان الفتوى : حكم تحديد سن معين للزواج

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة أود الزواج من شابة تبلغ 16 سنة ، والمشكل أن مدونة الأسرة الجديدة التي يعتمدها بلدي المغرب قد قامت برفع سن الزواج بالنسبة للزوج والزوجة إلى 18 سنة، غير أنه يمكن دفع الرشوة إلى القاضي ليسمح بعقد الزواج في هذه الحالة ، فما حكم هذه الرشوة ؟

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق


الحمد لله
أولا :
ليس في الشريعة تحديد لسن زواج الرجل أو المرأة ، وقد أجمع أهل العلم على جواز تزويج الصغيرة إذا زوجها أبوها من كفء .
وأما البالغة ، فلا يشترط أن يزوجها أبوها ، بل يزوجها سائر الأولياء ، ويشترط إذنها ورضاها .
وبلوغ الأنثى يحصل بواحد من أربعة أمور : تمامُ خمس عشرة سَنَةً - إنباتُ العَانةِ - إنزالُ المَنيِّ بشهوةٍ يقظةً أو مناماً - الحيضُ .
وقد دل الكتاب والسنة على صحة تزويج الصغيرة [ وهي التي لم تبلغ بعد ] ، وعدم تحديد ذلك بسن معين .
قال ابن قدامة رحمه الله : " : وإذا زوج الرجل ابنته البكر , فوضعها في كفاءة , فالنكاح ثابت ... أما البكر الصغيرة , فلا خلاف فيها . قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم , أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز , إذا زوجها من كفء , ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها ، وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى : ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) فجعل لللائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر , ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من طلاق في نكاح أو فسخ , فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق , ولا إذن لها فيعتبر .
وقالت عائشة رضي الله عنهما : ( تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست , وبنى بي وأنا ابنة تسع ) متفق عليه ، ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها ، وروى الأثرم , أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست , فقيل له , فقال : ابنة الزبير إن مت ورثتني , وإن عشت كانت امرأتي ، وزوج علي ابنته أم كلثوم وهي صغيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما " انتهى من "المغني" (7/ 30).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعليقا على سن بعض الدول قانونا لتحديد سن الزواج :
" الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فقد نشرت صحيفة الرياض بعددها الصادر برقم 4974 خبرا بعنوان ( مشروع قانون الأحوال الشخصية في الإمارات ) وقد تضمن الخبر أن المشروع مستمد من الشريعة الإسلامية كما ورد فيه : ( فبالنسبة لعقود الزواج يشترط مشروع القانون ألا يقل عمر الفتى عن ثمانية عشر عاما وعمر الفتاة عن ستة عشر عاما ويفرض غرامة على كل من يخالف هذا الشرط لا تقل عن ألف درهم ولا تزيد عن خمسة آلاف ما لم تأخذ المحكمة بغير ذلك إذا رأت مبررا مثل " ستر العرض " كما لا يجوز بالنسبة لمن تجاوز الستين عاما عقد زواج إلا بإذن المحكمة خاصة عندما يكون فارق السن بين الطرفين يتجاوز نصف عمر الأكبر منهما ) .
ولما كان ذلك يخالف ما شرعه الله جل وعلا أحببت التنبيه لبيان الحق , فالسن في الزواج لم يقيد بحد معين لا في الكبر ولا في الصغر , والكتاب والسنة يدلان على ذلك .
لأن فيهما الحث على الزواج والترغيب فيه من دون تقييد بسن معينة قال الله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) النساء/124 , فأجاز نكاح اليتيمة , وهي التي لم تبلغ سن البلوغ وأعلاه خمسة عشر عاما على الأرجح ، وقد تبلغ بأقل من ذلك بغير السن , وقال صلى الله عليه وسلم : تستأذن اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو أذنها وإن أبت فلا جواز عليها , وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ولها ست أو سبع سنين ودخل بها وهي ابنة تسع , وفعله تشريع لهذه الأمة ، كما أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتزوجون في الصغر وفي الكبر دون تحديد سن معينة , فليس لأحد أن يشرع غير ما شرعه الله ورسوله ، ولا أن يغير ما شرعه الله ورسوله ؛ لأن فيه الكفاية , ومن رأى خلاف ذلك فقد ظلم نفسه وشرع للناس ما لم يأذن به الله , وقد قال عز وجل ذاما لهذا الصنف من الناس : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 , وقال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد متفق عليه ، وفي رواية مسلم : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وعلقه البخاري في الصحيح جازما به .
وإنني أذكر القائمين على هذا الأمر بقول الله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )النور/ 63 ، فما يصيب الأمة أو الأفراد من فتن أو صد عن سبيل الله أو أوبئة أو حروب أو غير ذلك من أنواع البلاء ، فأسبابه ما كسبه العباد من أنواع المخالفات لشرع الله ، كما قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )الشورى/30 ، وقد بين الله جل وعلا ما حصل لبعض الأمم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مخالفتهم لأمره ، لينتبه العاقل ويأخذ من ذلك عظة وعبرة .
ولا يكفي دعوى الأخذ من الشريعة الإسلامية إذا وجد ما يخالفها , فقد عاب الله جل وعلا ذلك على اليهود حيث قال سبحانه : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )البقرة / 85 .
كما أذكر العلماء بتقوى الله جل وعلا ، وأداء ما وجب عليهم من النصح لولاة الأمر ببيان الحق والدعوة لاتباعه والتحذير من مخالفته , قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) لقمان/33 .
وفقنا الله جميعا لقول الحق وقبوله والعمل به ، وجمع شمل المسلمين على الهدى وتحكيم شرعه المطهر في كل شيء ، إنه ولي ذلك والقادر عليه , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (4/ 125).

فتبين بهذا أن سنّ قانون يحدد سن الزواج : أمر مخالف للشرع ، فلا تلزم طاعته .
وإذا أرادت الدولة حماية الفتاة من استغلال الولي لها ، وتزويجها ممن لا ترغب ، فلتعمل بالراجح من قولي العلماء في مسألة رضا المرأة البكر ، وهو اشتراط رضاها ، وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، فلو زوجها وليها بغير رضاها كان لها حق الفسخ .
ثانيا :
بناء على ما تقدم ، لا حرج في زواجك من هذه الفتاة ، بشرط رضاها ، ورضا وليها . وإذا لم يمكن ذلك إلا بدفع مال للقاضي ، جاز .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (87688) أنه يجوز دفع الرشوة ، إذا لم يتمكن الإنسان من الوصول إلى حقه إلى بها ، وتكون حينئذ حراما على الآخذ دون المعطي .
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...