عنوان الفتوى : سبيل طالب العلم والعامي لمعرفة الحكم الشرعي

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هنالك مقولة تقول: العالِم يُستدَلّ له ولا يُستدَلّ به ـ وكما تعلمون فإن التوراة والإنجيل حرفها علماء اليهود فوصف الله من اتبعهم من النصارى بالضالين، فما خطورة اتباع العلماء بدون دليل؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد أعاذ الله علماء هذه الأمة الربانيين من أن يكونوا كأحبار أهل الكتاب الذين حرفوا الكلم عن مواضعه واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، بل علماء المسلمين ـ ولله الحمد ـ هم خيار هذه الأمة وعدولها، وهم الذين ورد فيهم الحديث: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

وهم ورثة الأنبياء والمرفوعون فوق الناس درجات كما قال الله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات {المجادلة: 11}.

وهم أهل خشية الله على الحقيقة، وهم شهداؤه تعالى على أجل مشهود عليه وهو وحدانيته: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم { آل عمران: 18}.

وفضائلهم ومناقبهم أعظم من أن تحيط بها هذه الفتوى المختصرة، فإياك وسوء الظن بالعلماء وتنقصهم فما ذلك بالمسلك الحميد، وعلماء المسلمين لا يصدرون فيما يختارونه من الأقوال ويتبنونه من المذاهب إلا عن تمحيص ودراية وبذل للجهد واستفراغ للوسع في الوصول إلى الصواب، وقد نزه الله الأئمة المشهود لهم بالعدالة والديانة أن يتعمد أحدهم مخالفة دليل صحيح صريح، وراجع كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ فإنه مفيد في بابه، فإذا علمت ما مهدنا به فاعلم أن الناس على قسمين، فقسم قادر على الاستدلال عارف بالأدلة ووجوه الترجيح بينها، فهذا يجب عليه الأخذ بما دلت عليه النصوص، وليس له أن يترك ما ظهر رجحانه بالدليل لقول أحد من الناس كائنا من كان، كما قال الشافعي عليه الرحمة: إِذا وجدْتُم فِي كتابي خلاف سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقولُوا بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودعوا مَا قلت.

وروى الشَّافِعِي حَدِيثا فَقَالَ لَهُ رجل: تَأْخُذ بِهَذَا يَا أَبَا عبد الله؟ فَقَالَ: مَتى رويت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا صَحِيحا فَلم آخذ بِهِ فأشهدكم أَن عَقْلِي قد ذهب وأشار بِيَدِهِ على رُءُوس الْجَمَاعَة.

وَقَالَ الشَّافِعِي: أجمع النَّاس على أَن من استبانت لَهُ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن لَهُ أَن يَدعهَا لقَوْل أحد.

وَقد صَحَّ عَنهُ أَنه قَالَ: لَا قَول لأحد مَعَ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ذكر هذا كله البيهقي رحمه الله. وبنحو ما قال الشافعي قال إخوانه من الأئمة.

وأما القسم الثاني: فهم العوام الذين لا معرفة لهم بالأدلة، ولا اطلاع لهم عليها، ولا قدرة لهم على الترجيح بينها فهؤلاء فرضهم تقليد من يوثق بعلمه وورعه من العلماء، ولا يكلفون اتباع الدليل، لأنهم لا يقدرون على ذلك، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ النحل: 43}.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود وحسنه الألباني.

وهذا العامي حين يتبع العالم فيما يفتيه به لا يعتقد أنه مشرع له حق التحليل والتحريم ـ عياذا بالله ـ وإنما يعتقد أنه مبلغ عن الله تعالى موقع عنه، وأنه الواسطة في تعريفه حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي عجز عن معرفته بنفسه.

والله أعلم.