عنوان الفتوى : مآل من لم تقم عليه الحجة الرسالية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عندي 19 سنة التزمت بالدين ـ والحمد لله ـ وفي بداية التزامي كانت تأتيني شكوك لماذا ديني هو الصحيح؟ بحثت والحمد لله وربنا شرح صدري للإسلام عن قناعة، وكل ما أرتاح من وسواس وربنا يرسل لي الإجابة يأتيني وسواس آخر وحاليا عندي وسواس لا أجد له إجابة الله عادل: فكيف يتساوى من ولد على دين الإسلام ومن ولد على الهندوسية، أو البوذية مثلاً؟ وإذا قلنا العقل ويجب أن يفكر فهناك كثير من المسلمين لم يفكروا في صحة دينهم، بل قدم لهم على طبق من ذهب، ونلاحظ أن عدد من يغير دينه نسبة قليلة ممن يثبتون على دين آبائهم.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله تعالى برحمته وحكمته وقيامه بالقسط أرسل الرسل وأنزل الكتب قطعا للحجة، فهو سبحانه لا يؤاخذ أحدا ولا يعذبه إلا بعد قيام الحجة عليه، ولذلك عُذر من عُذر ممن لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وهو غير مهيأ للتكليف بها، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 115179.

وبهذا تعلم السائلة أن شريعة الله السمحة القائمة بالقسط تأبى أن يُعذَّب من لم تقم عليه الحجة الرسالية، بل تعذره بجهله، قال العلامة الشيخ ابن عثيمين: الجهل بالمكفر على نوعين:

الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام، أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه، فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل، والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب، لقوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ـ وإنما قلنا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر، لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة، لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه: طريق الهجرتين ـ عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.

النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام، ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ـ وقوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ـ وقوله: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ـ وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ. وقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ـ وقوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ... إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان.

وأما السنة: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 135399.

ثم إننا ننبه السائلة إلى ضرورة دفع الوساوس وإبعادها عن نفسها، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي فأشغلي نفسك ـ حفظك الله ـ بما ينفعها، واستعيذي بالله تعالى واعتصمي به من كيد الشيطان ووسوسته، ولعل ورود الوسواس ثم حصول الإجابة عليه -كما تقول السائلة- من أساليب الشيطان في إبقائك في هذه الدائرة التي لا تنتهي من الوساوس، ونسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويقيك شر نفسك.

والله أعلم.