عنوان الفتوى : طلق امرأته مرتين بالهاتف وثالثة في طهر جامعها فيه

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

أنا شاب مسلم مقيم ببلد إسلامي ومتزوج من امراة عربية مسلمة ولدي أطفال. قبل ثلاثة أعوام تعرفت على امرأة أوروبية من أصل فلبيني متزوجة ولديها أطفال، مقيمة في بلد أوروبي ولكنها على خلاف زوجي وانفصال للبدء بإجراءات الطلاق من الزوج السابق. اتفقنا على الزواج لاحقا، وكان بيننا علاقة بالاتصال من خلال الانترنت وبعض اللقاءات، خلالها تحدثنا مطولا عن الإسلام، وأخذت تظهر رغبتها بالدخول بالإسلام وترك ديانتها الكاثوليكية، بعد ذلك قامت بالدخول بالإسلام من غير ضغط مني، ومع مرور الوقت قمنا بالزواج الشرعي بأحد المساجد في أوروبا، وبعدها تمت عملية الدخول، ولكن لعدم مقدرة أي منا على تغيير مكان الإقامة بسبب التزامها القانوني نحو أطفالها فقد التزمنا بالبقاء على اتصال غير منقطع خلال اليوم من خلال الوسائل التكنولوجية بحيث يتم حديثنا معا على مدار الساعة، خلافا لسفري المتكرر للإقامة معها كل شهر أو شهرين. مع ازدياد التملك نتيجة الزواج فقد طغى علي الجانب الإسلامي في رغبتي أن تقوم بعملية تغيير سريعة لكسب رضا الله مما أدى إلى كثرة المناوشات والمشاكل، وحتى بدأت تظهر عصبيتها وعدم رضاها عن نوعية وسرعة التغيير الذي قمت بوصفه لها للتمسك بشرع الله. وكون المسافة وطرق الاتصال عن بعد بيننا وطريقتها المتأثرة بالغرب للتعامل مع الزوج، فقد زادت أمور الخلاف واحتدت المشاكسات والآلام حيث يجمعنا حب ومودة لا توصفان، فنحن نثور بحساسية زائدة خلال النقاش. فقد بدأت تتذمر مني ولا تجيب اتصالاتي الهاتفية بها مما زادني ألما. ومع ازدياد اللوعة والآلام والخوف عليها من عدم الإسراع إلى الله، وخاصة أنها ما زالت تعيش في بلد غربي، وأنا لست على مقربة دائمة منها، فقد زادت المشاكسات و المشاكل وطلبها الطلاق ليس رغبة بالطلاق بل طريقة طفولية استفزازية لإظهار عدم الرضا من أجل أن أتفهم عدم مقدرتها على الإسراع لشرع الله، وذلك بالطريقة التي أراها أنسب من وجهة نظر إسلامية، وبعدها أصبحت ردود الأفعال هذه بشكل شبه يومي وزادت نسبة عدم التفاهم، وقد قامت في بعض الأحيان بردود فعل غير مناسبة لشخصي ظنا منها أنني أشككك في أخلاقها خلال حديثي عن الغرب من منظور الإسلام وإخبارها عن دناءة أخلاق الأوروبيين في ثقافتهم التي تنكر ولا تخاف الله. وقامت بإظهار أنها لا تريدني مما أدى في ليلة من الليالي وعبر الرسائل الهاتفية على طلب الطلاق للتهديد، وليس بداعي الطلاق مما دعاني رغم رفضي وعدم نيتي للطلاق، ولكن تحت النعاس والآلام ألنفسية وبمحاولة مني لردعها عن هذه التصرفات اللامسؤولة نحو الله والزوج، فقد قمت ومن خلال رسائل الهاتف ببعث رسالة مفادها أنني وعدم رغبتي بالطلاق وعدم رضائي لكني فعلت ذلك بسبب ضغطها وبعدها ذلك قمت بإرسال بريد الكتروني للشيخ الذي قام بكتابة عقد زواجنا أؤكد أنني ضد الطلاق، ولكن نتيجة إلحاحها فقد أقمت الطلاق. خلال هذه الحادثه كنت شديد الحرص على أن لا أتفوه بلفظ الطلاق علنيا أبدا لقناعتي ورغبتي الشديدتين بعدم التطليق. مباشرة وبعد هذه الحادثة بساعات قليلة أصررت عليها بالإرجاع وقمت بذلك بشكل سريع، بدأ يظهر لي عدم معرفتي بالطلاق الشرعي، وجهلها التام بمعناه وشروطه وجديته حيث إنها لم تغير أسلوبها المستهزئ في ردود الأفعال، واستمر ذلك رغم تحذيري الدائم لها مما دفعني لعمل خطه رادعة من خلال تطليق عبر البريد الالكتروني متبوع بمخابرة عبر الهاتف لتأكيد عملية الطلاق. ولكن بعض شيء من الحديث أخبرتها بحقيقة نواياي، وأن ذلك الطلاق رغم جديته إلا أنه كان بداعي أن أردعها حتى تتمكن من التفهم لتصبح تتعامل معي ومع زواجنا بطريقه أكثر جدية، وأن تعي تصرفاتها نحوي وقمت بعملية الإرجاع. على ما يبدو أنها لم تتفهم حقيقة جدية الطلاق بالإسلام حيث إنه عقد مع الله وليس من خلال المحاكم المدنية، فقد استمرت مغلقة التفكير حتى أن وصلت في إحدى الليالي إلى حالة هستيرية بداخلي لعدم طاعتها لي بالرد على مخابرتي الهاتفية ولفترة طويلة من إلحاحي وتهديدي لها، لكنها أصرت على التحدي وأجابت بشكل استهزائي مستفز مما دفعني إلى التطليق، ولكن حدث التطليق بعد طهر حدث به جماع. وبناء على فتوى سابقة أن حادثة الطلاق الأول لاغية لعدم وجود النية، وعدم التلفظ بالطلاق، فقد قمت بالإرجاع، ولعدم معرفتها التامة بأصول الزواج، فقد استمرت بتهديدي الشفهي خلال أي مشاجرة بيننا بأنها سوف لا تهتم لشعوري وسوف تقوم بالتزين والخروج، مع العلم أنها نقية ولا تقوم بأخطاء، ولكن تتفوه بكلام غير مسؤول لتثير أعصابي بطريقة الغرب في مواجهة الزوج مما دفعني إلى التطليق. والآن أنا أشعر بألم شديد وندم، أريد إرجاعها، ألمي الشديد لها وخوفي على مستقبلها، ولندمي نحو الله أنني طلقتها وهي بأشد الحاجه لي بحياتها الإسلامية. هل من الممكن إرجاعها حيث إن الحالة الثانية تمت بطهر تم به جماع؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد وقعت أيها السائل في جملة من الأخطاء والمخالفات الشرعية التي تستوجب منك التوبة إلى الله جل وعلا واستغفاره، ومنها:

أولا: حديثك مع هذه المرأة وعلاقتك بها قبل الزواج، وهذا منكر عظيم وباب من أبواب الفتنة والفساد على ما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 120672, 21582121866.     

ثانيا: اتفاقك معها على الزواج وهي في عصمة زوجها وهذا محرم إجماعا، بل إنه لا يجوز التصريح بخطبة المرأة ولا مواعدتها على الزواج صريحا إلا بعد طلاقها من زوجها وانتهاء عدتها. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 116180.

ثالثا: تشديدك عليها في الالتزام بأوامر الشرع جملة واحدة، وهذا لا يليق بحال من دخل حديثا في الإسلام، بل ينبغي التلطف في دعوته إلى الله وتعليمه شرائع الدين بما لا ينفره، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعائشة: ولولا أن قومك حديثو عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت وأن ألصق بابه بالأرض. متفق عليه.

 جاء في شرح النووي على مسلم: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد ابراهيم صلى الله عليه و سلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا. انتهى

 ولكن هذا لا يعني أن يخلي بينه وبين الفواحش والمنكرات، كلا بل المقصود الترفق بها في إلزامها بشرائع الدين خصوصا فيما يجري مجرى السنن والمندوبات.

رابعا: إكثارك من ذم أهل بلادها وانتقادهم وذم أخلاقهم مما أدى بها إلى الظن بأنك تتهمها في أخلاقها، وهذا خلاف الحكمة، وفيه ما فيه من التنفير وإثارة حمية الجاهلية وعصبيتها.

 أما عن رسالتك هذه التي أرسلتها إليها بما يفيد طلاقها فهذا من باب الكناية التي يرجع فيها لنية صاحبها، فإن كان يريد إيقاع الطلاق وقع، وإن كان لا يريد إيقاعه فلا يقع، وأنت قد ذكرت أنك كتبت الرسالة ولم تقصد إيقاع الطلاق فلا يقع الطلاق حينئذ. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 53648.

أما التطليقتان اللتان طلقتها فيهما عبر الهاتف فإنهما يقعان حتى وإن لم تقصد إيقاع الطلاق بهما لأن الطلاق الصريح يقع بمجرد التلفظ به.

وكذلك التطليقة الثالثة فإنها تقع، وعليه فإن هذه المرأة قد حرمت عليك، ولا يجوز لك ارتجاعها إلا بعد أن تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها.

 واعلم أن وقوع الطلاق في طهر حصل فيه جماع يجعل الطلاق بدعيا يأثم به صاحبه. قال ابن قدامة في المغني: وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" ا.هـ

 ولكن كونه بدعيا لا يمنع وقوعه على الراجح من كلام أهل العلم، قال الإمام البغوي في تفسيره: ولو طلق امرأته في حال حيض أو في طهر جامعها فيه قصداً يعصي الله تعالى، ولكن يقع الطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة. انتهى.

وقال الإمام ابن الجوزي في زاد المسير: والطلاق البدعي أن يقع في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فهو واقع وصاحبه آثم. انتهى.

والله أعلم.