عنوان الفتوى : المواظبة على الطاعات وكيفية تجنب السآمة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

منذ أن كنت صغيرة، ومع أني نشأت مع عائلتي، إلا أنني أحسست بوحدة في داخلي ونشأت أعلم نفسي بنفسي فرزقني الله بعقل ناضج منذ الصغر وكنت أميز الصحيح من الخطإ وطلبت من أبي أن يعلمني الصلاة وعمري 6سنوات فتعلمتها وكنت شديدة الحرص عليها وقتها، وكنت أحب أن يكون عقلي مكتبة للعلم، فأردت أن أتعلم كل شيء في الحياة، وعندما كبرت قدر الله لنا ظروف عيش صعبة - والحمد لله على كل حال - ولكن حلمي نمى معي إلا أنني افتقرت إلى النصح من والدي إلا أنهما انشغلا بالعمل، لكي يهيآ لنا حياة رغيدة فأصبحت أهمل صلاتي وأضيعها وأهمل أشياء أخرى من ديني وأصبحت صلاتي متقطعة، ومع أنني مررت بمرحلة لم أكن أصلي فيها، فقد كنت أشعر بذنب كبير وحسرة على صلاتي فتبت، ولكن لا أعلم من أين أبدأ؟ فأنا خائفة من أن أستعجل الأعمال الصالحة فتصعب علي مرة واحدة وأتركها، مع كثرة واجباتي ومع دراستي ولا أجد صحبة صالحة في هذا الزمان، بل أجد فساد العلم وفساد الأخلاق، علما بأنني الآن في سن المراهقة ولم أتجاوزه بعد ومع الضغوط النفسية التي أعيشها أعلم بأن تقربي إلى الله سيحل كل المشاكل، ولكن هذا يصعب علي، بل أجهل كيف أتقرب إليه؟ فقط أعلم أن توبتي منجاتي، فهل يمكن أن ترشدوني من أين أبدأ بتوبتي؟ أو مراحل التوبة بصيغة أخرى.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق أن بينا أن التوبة تتحقق بشروط خمسة وهي: الإخلاص: وهو أن يقصد بتوبته وجه الله عز وجل والإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه، وأن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت، فعليك أن تبدئي ـ أول ما تبدئين ـ بفعل الفرائض والإقلاع عن المعاصي، فبالمحافظة على الفرائض تحوزين رضوان الله، وبترك المعاصي تجنبين سخطه، ثم اعلمي أن الفرائض ـ كالصلاة وصوم رمضان وغير ذلك ـ لا يسعك تركها ولا أن تخلي بشيء منها أبداً ـ مهما كانت الظروف ـ إلا لعذر شرعي ـ كالحيض ونحوه ـ ثم بعد ذلك عليك بالمحافظة على السنن الراتبة، ثم الاستزادة بعد ذلك من المندوبات الشرعية عموماً ـ كتلاوة القرآن والصيام المندوب ـ فبهذا يحوز العبد القرب من ربه ويحظى بحبه سبحانه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فيما يرويه عن ربه جلا وعلا: إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه.

رواه البخاري.

وما تخشين منه من السآمة والملل إن أكثرت على نفسك من الطاعات، فهذا يمكن تجنبه بالتدرج في الطاعة ولكن هذا التدرج مجاله النوافل والمستحبات ولا يسوغ في الفرائض، فلا يجوز للإنسان مثلاً: أن يبدأ بصلاة فرضين ـ فقط ـ في اليوم ثم بعد ذلك ثلاثة وهكذا، ولا يجوز له أن يصوم بعض أيام من رمضان ثم يزيد بعد ذلك، عليها، كلاً، بل الواجب القيام بالفرائض كلها، كما أمر الله وشرع، والسنن يسعها التدرج، بل يحسن بالإنسان أن لا يكثر من النوافل في أول سيره إلى ربه حتى لا يمل منها فيكون هذا سبباً في عزوفه عن الخير جملة واحدة، فعن عائشة ـ رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: تمت من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: تمت مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا وكان أحب الدين إليه مادام عليه صاحبه.

جاء في فتح الباري لابن حجر: قال النووي: بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق، حتى ينمو القليل الدائم، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة.

وقال ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين:

أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه.

ثانيهما: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتاً ما، كمن لازم يوماً كاملاً ثم انقطع.

انتهى.

والله أعلم.