عنوان الفتوى : ترفض الزواج خشية تعرض أولاها للتحرش الجنسي

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

كيف لي أن أحب الأمومة والأطفال وأنا أعلم تماما أنه توجد حالات ليست بالقليلة حتى من داخل عائلتي لأمهات يتحرش بهن أطفالهن وأيضا أبناؤهن المراهقون وحتى الراشدون تحرشا جنسيا وبشكل متكرر, مما يشعرني بالقرف والحقد على أبنائي الذين لم يولدوا بعد خوفا من أن يكافئوني يوما على حسن رعايتي لهم والتضحية بالكثير الكثير لأجلهم, بأن يتحرشوا بي جنسيا, قد تقولون لي أن لا أعمم ولكني أخبركم بأن هذا لا يمكنني لأني شخصيا تعرضت للتحرش الجنسي عدة مرات من قبل جدي, وبالتأكيد لا أرغب بأن تتكرر يوما من قبل أولاد بطني الذين تعبت لأجلهم, وقد تقولون لربما لم تحسن أولئك الأمهات تربية أبنائهن لذلك حدث ما حدث, فأقول بأنكم إن فكرتم بذلك تكونون ظلمتموهن ظلما كبيرا, فلم أر أمهات بمثل أمومتهن وتربيتهن الحسنة لأولادهن, وهذا ما يزيد القرف في نفسي,إذ كيف لولد لم تقصر أمه بحقه أن يكافئها بعد أن يشتد عوده بهذه الطريقة, وقد تقولون إنني أستعجل الأمور قبل أوانها, فأقول لقد تعلمت مما حدث بالماضي أن الوقاية خير من العلاج, وإن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, بالإضافة إلى أني كنت أحسن الظن (بعد حادثة التحرش) ببقية أقاربي, ولكن للأسف اكتشفت من خلال أفواه الضحايا أن أولئك الذين لم يتحرشوا بي قد تحرشوا بغيري, وأنهم لم يكونوا يستحقون حسن الظن بهم, بل الحذر منهم, وتكرر الموضوع مع رجال آخرين ليسوا من المحارم, أي أن أكثر من كنت أكن لهم الاحترام من أباء وأقارب لصديقاتي وزميلاتي لم يكونوا يستحقون هذا الاحترام, لأنهم بدورهم اعتدوا على صديقاتي, بالنسبة لي أنا أعرف بشكل مؤكد أن التحرش بالمحارم الإناث لم يعد ظاهرة صغيرة بل امتد ليشمل العالم كله, ولكني هنا بصدد كرهي للأمومة لخوفي من أن يتحرش بي أبنائي, لأني أقسم إن حدث لي ذلك يوما فقد أقتل نفسي فورا, وذلك لأني لم أشف بالرغم من مرور سنين طويلة من حادثة التحرش الجنسي من قبل الجد الكريم, ولا أعتقد أني سأشفى يوما, وأيضا أشعر بعدم الأمان من أن أنجب أطفالا ذكورا من صلبي وأسكن معهم في نفس البيت وإذا فعلوا بي شيئا مكروها فإني بالتأكيد سألوم نفسي لأني سأشعر بأني أنا من أخرج هؤلاء إلى الحياة, ولا تقولوا لي بأن الله سيحفظني من ذلك, فهو لم يحفظني بالماضي ولم يحفظ غيري من النساء من ذلك, لذلك ليس عندي ضمان للمستقبل بطبيعة الحال, مما يشعرني بعدم الأمان تجاه الأمومة بشكل خاص وتجاه الحياة بشكل عام؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التفكير بهذه الطريقة وما تشتمل عليه من المبالغة الشديدة الخارجة عن الواقع والمنطق إنما هو ردة فعل تجاه ما حدث لك من تحرش من قبل بعض أرحامك، وإنا لنلتمس لك العذر في ذلك، ولكن النتيجة التي وصلت إليها خطأ كبير ومخالفة صريحة للحقيقة والواقع.

ونحن لا ننكر أن التحرش بالمحارم قد زاد عن ذي قبل لكننا ننكر هذا التهويل والتوصيف التي ذكرته السائلة فإنه مخالف للواقع ومجاف للحقيقة، والأمر دون ذلك بكثير.

ومما يوضح المبالغة الكبيرة في حديثك قولك إن العديد من أقاربك يتحرش بهن أطفالهن، وهذا الكلام غير صواب لأن الطفل غير مكلف ولا يعي ما يصدر منه فكيف ينسب إليه جرم شنيع كهذا، حتى ولو فعل مع أمه أو محارمه كهيئة التحرش فإنه تصرف بريء لا يصح نسبته فيه إلى السوء والشر.

ثم ما تذكرين من كونك قد أحسنت الظن بباقي أقاربك ثم ندمت على ذلك لاحقا بعد ما تبين لك أنهم قد وقع منهم هذا التصرف الأثيم في حق أرحامهم، وأنك قد علمت ذلك من أفواه الضحايا، فهذا أيضا انزلاق آخر منك في مهاوي الخطأ والبعد عن الصواب، فليس كل كلام يصدق وليس كل دعوى تقبل، وإنما البينة على المدعي، فكون بعض قريباتك أو صديقاتك قد اتهمن أرحامهن بالتحرش بهن لا يعني صدقهن، فقد يكن كاذبات في ذلك، أو مخطئات بأن ظنن هذه التصرفات من قبيل التحرش وهي في واقع الأمر ليست كذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال و أموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه. رواه مسلم.

أما تلميحك بعدم ثقتك في حفظ الله لك كما لم يحفظ غيرك فهذا الكلام قبيح جدا وفيه ما فيه من سوء الأدب مع الكبير المتعال جل جلاله وسوء الظن به، وهو الرحمن الرحيم العليم الحكيم الذي وسعت رحمته وحكمته كل شيء، وله الحمد على كل حال سواء حال الشدة والبلاء أو العافية والرخاء.

فبادري إلى التوبة إلى الله تعالى منه، واحذري من إطلاق الكلام هكذا دون تدبر في معانيه ولوازمه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه النسائي.

وما ابتليت به أنت وغيرك من هذا البلاء وغيره كل ذلك بتقدير الله، وله سبحانه فيه أعظم الحكم وأجلها، ولعل من بعضها أن تنتبهي لذلك مستقبلا فتربي أولادك على الفضيلة والعفاف، وتلزمي بناتك الحجاب وتجنبيهن السفور والاختلاط مع الأجانب، وأن تتوخي جانب الحيطة والحذر في تعاملهن حتى مع أرحامهن، إلى غير ذلك من الحكم التي لا يحصيها إلا الله جل وعلا، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

فالزمي عتبة العبودية وباب التقوى فقد قال الله جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق: 2- 3}.

ثم ننصحك بأن تجاهدي نفسك للتخلص من الآثار السيئة التي خلفتها لك هذه الحادثة السابقة، ويمكنك أن تستعيني في ذلك بطبيبة نفسية مسلمة متدينة، أو تراسلي قسم الاستشارات النفسية بموقعنا.

نسأل الله لك الهداية والتوفيق، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ووساوسه.

والله أعلم.