عنوان الفتوى : التدليس: تعريفه...وأقسامه...والرد على من اتهموا بالتدليس

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

1- علماءنا الأفاضل, سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته, لقد كُنت أقرأ كتاب ( طبقات المدلسين ) للحافظ ابن حجر العسقلاني, وقد ذكر من بين المدلسين الحافظ الدارقطني ص:16, وذكر الإمام البخاري والإمام مالك بن أنس في نفس الصفحة, والإمام مسلم في ص:17, وسفيان بن عيينة ص:22, فما هو تفسيركم لذلك؟! كما أنيّ لم أجد شرح شاف ومبسط لمعنى " المدلس " ؟!

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فالمدلس: هو من يحدث عمن سمع منه ما لم يسمع منه بصيغة توهم أنه سمعه منه، مثل ‏قوله: عن فلان، أو قال فلان.‏
قال الإمام ابن حجر: والقسم الثاني: وهو الخفي المدلس -بفتح اللام- سمي بذلك لكون ‏الراوي لم يسم من حدثه، وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به… وحكم من ثبت عنه ‏التدليس إذا كان عدلاً ألا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث على الأصح. انظر نزهة ‏النظر في توضيح نخبة الفكر لابن حجر صـ85 وللتدليس أقسام عدة تندرج تحت قسمين ‏رئيسين: ‏
‏1- تدليس الإسناد 2-تدليس الشيوخ. أما تدليس الإسناد فهو: أن يروي عمن لقيه أو ‏عاصره ما لم يسمع منه،
موهماً أنه سمعه منه ولا يقول في ذلك: ( حدثنا ولا أخبرنا) وما ‏أشبهها، بل يقول: ( قال فلان) أو ( عن فلان) ثم قد يكون بينهما واحد، وقد يكون ‏أكثر.‏
مثاله: الحديث الذي رواه أبو عوانة الوضاح عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن ‏أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فلان في النار ينادي: يا حنان يا منان " ‏فالأعمش مدلس. وقد قال أبو عوانة: قلت للأعمش: سمعت هذا من إبراهيم؟ فقال: لا، ‏حدثني به حكيم بن جبير عنه، فقد دلس الأعمش الحديث عن إبراهيم، فلما استفسر بين ‏الواسطة بينه وبينه.‏
وتدليس الشيوخ هو: أن يصف شيخه بأوصاف لا يعرف بها، ليوهم أنه آخر، فيكثر ‏بذلك شيوخه. وعرفه البعض بأن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسمي الشيخ أو يكنيه ‏أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف. يضاف إلى ما ذكرنا قسم ثالث وهو ‏تدليس التسوية، وقد جعله ابن الصلاح داخلاً ضمن تدليس الشيوخ، وجعله آخرون نوعاً ‏من أنواع تدليس الإسناد، وقالوا هو شر أنواع التدليس، وتعريفه: هو أن يروي المدلس ‏حديثاً عن ضعيف بين ثقتين لقي أحدهما الآخر، فيسقط الضعيف، ويجعل بين الثقتين ‏عبارة موهمة للاتصال، فيستوي الإسناد كله ثقات لمن لم يخبر هذا الشأن. وقد سماه ‏القدماء تجويداً. وقد مثل له البعض بقولهم: ما كان يفعله الإمام مالك عن ثور بن زيد ‏عن ابن عباس مسقطا ما بينهما وهو عكرمة لأنه عنده ليس بحجة، وثور وابن عباس لم ‏يتلاقيا أصلاً. تدريب الراوي ( 1/256) ولكن هذا ليس بصحيح كما قال ابن القطان، ‏فإن الإمام مالك لم يقع في التدليس أصلاً فقال: ( التحقيق أن يقال: متى قيل تدليس ‏التسوية، فلا بد أن يكون كل من الثقات الذين حذفت بينهم الوسائط في ذلك الإسناد، ‏قد اجتمع الشخص منهم بشيخ شيخه في ذلك الحديث، وإن قيل: تسوية بدون لفظ ‏التدليس لم يحتج إلى اجتماع أحد منهم عن فوقه، كما فعل مالك، فإنه لم يقع في التدليس ‏أصلاً، ووقع في هذا -أي التسوية-فإنه يروي عن: ثور عن ابن عباس، وثور لم يلقه، وإنما ‏روى عن عكرمة عنه، فأسقط عكرمة، لأنه غير حجة عنده، وعلى هذا يفارق المنقطع بأن ‏شروط الساقط أن يكون ضعيفاً، فهو منقطع خاص) تدريب الراوي ( 1/259).‏
وخلاصة ما تقدم أن هناك فرقاً بين تدليس التسوية، وبين التسوية، وأن إسقاط مالك ‏لعكرمة هنا ليس تدليساً ولا يضر، لأن شيخ مالك وهو ثور لم يلق ابن عباس، ‏فالانقطاع ظاهر بين ثور وابن عباس ، وإنما أسقط مالك عكرمة لأنه غير حجة عنده، أما ‏لو كان شيخ مالك وهو ثور لقي ابن عباس فيكون تدليساً.‏
أما الدار قطني فقد وصفه ابن طاهر بالتدليس قائلاً: ( كان له مذهب خفي في التدليس ‏يقول: قرىء على أبي القاسم البغوي حدثكم فلان) يريد محمد بن طاهر أن تلك العبارة ‏وهم أنه سمع منه. لكن الصحيح أن لا يوصف بالتدليس لمثل ذلك.‏
وأما البخاري، فقد وصفه ابن منده بالتدليس لأنه كان يقول: "قال فلان، وقال لنا فلان" ‏لكن لم يوافق على هذا الرأي فكان شاذاً. كما وصف الإمام مسلم بذلك أيضاً. وقد رد ‏العلماء ذلك وقالوا: هذه الروايات التي لم يصرح فيها أصحابها بالسماع منزلة منزلة ‏السماع، وذلك لمجيئها من طريق آخر مصرح فيه بالسماع، غير أنهما يؤثران الطريق التي ‏لم يصرح بالسماع لكون الأولى جاءت على شرط صاحب الكتاب دون الثانية، قال ابن ‏الصلاح: ( كل هذا محمول على ثبات السماع عندهم من جهة أخرى) كما
أنه يشفع ‏للشيخين ( البخاري ومسلم) ما جاء في المستخرجات على صحيحيهما من الطرق ‏الكثيرة، التي صرح فيها بالتحديث والسماع. كما يشفع لمسلم خاصة كثرة طرق ‏الحديث الواحد في صحيحه، فهو يأتي بالمتصلة أولاً وما صرح فيها بلفظ السماع، ثم ‏يعقبها بما ليس فيه تصريح بالسماع، وهو بهذا إذا احتج إنما يحتج بالمتصلة منها لا بغيرها.‏
وأما سفيان بن عيينة: فقد قال عنه ابن حجر: ( ثقة حافظ فقيه إمام حجة، إلا أنه تغير ‏حفظه بآخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات) وتدليسه هذا نادر، ولا يضر، لأنه لا ‏يدلس إلا عن الثقات. وإذا وقف أحال عن ابن جريح ومعمر وأمثالهما. قال ابن حبان ( ‏هذا شيء ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة ‏متقن. ولا يكاد يوجد له خبر دلس فيه، إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته). انظر ‏تقريب التهذيب لابن حجر صـ591، وأسباب رد الحديث للدكتور محمد محمود بكار ‏صـ109 وإذا أردت التوسع في ذلك فيمكنك الرجوع إلى تدريب الراوي للسيوطي، ‏وعلوم الحديث لابن الصلاح إلخ. والله أعلم.‏
وإليك أحوال المدلسين باختصار: 1- منهم من تسامح الأئمة في قبوله لكونه ثقة، ولكون ‏تدليسه نادراً 2- من احتمله الأئمة لكونه لا يدلس إلا عن ثقة مثل سفيان بن عيينة 3- ‏أئمة ثقات، لكن كثر تدليسهم عن الضعفاء والمجهولين مثل: بقية بن الوليد. فهذا لا يحتج ‏به إلا إذا صرح بأنه سمع الحديث من الراوي.‏
ضعفاء لا يحتج بهم ولو صرحوا بالسماع ممن يروون عنه لأنه ازداد ضعفهم بالتدليس.‏
وذكر ابن حجر مرتبة خامسة في طبقات المدلسين ، وهي: من ضعف بأمر آخر سوى ‏التدليس، وانضم إليه ضعف آخر كابن لهيعة.‏
والله أعلم.‏