أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : تقطع في الأنفاس وصعوبة في إخراج الكلمات عند الاجتماعات

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رمضان مبارك عليكم وعلى جميع المسلمين، أما بعد:

سيدي الدكتور مشكلتي هذه أعاني منها منذ طفولتي، وظهرت بالخصوص في مقاعد الدراسة، وهي أني لا أستطيع أن آخذ الكلمة أو أن أبدي رأيي في المناقشات المهمة دون أن يتغير صوتي، وتتقطع أنفاسي، ولا أكمل التداخل إلا بصعوبة بالغة، وألجأ في كثير من الأحيان إلى الاختصار، والطامة الكبرى هي في القراءة أو عند تلاوة نص معين - فأنا لا أستطيع بكل بساطة - فحينها يتهدج صوتي وتنقطع أنفاسي، ولا تخرج الكلمات إلا بصعوبة بالغة، ويخفق قلبي بسرعة، مشكلتي هذه دائماً كانت تسبب لي الحرج الكبير، فكنت دوماً أتجنب إلقاء العروض وتلاوة النصوص داخل الفصل، وخلال سنين الدراسة كانت هناك مرات أستطيع فيها التلاوة دون مشاكل التنفس أو تهدج الصوت ربما لهذا علاقة بمدى ارتياحي النفسي.

المهم بعد التحاقي بالوظيفة ظهرت هذه المشكلة ثانية، وذلك خلال الاجتماعات الدورية والاجتماعات مع المسؤولين الكبار، فهناك أيضاً لا أحاول التدخل إلا بجمل مقتضبة، أما الإلقاء أو قراءة موضوع ما على الملأ فأنا أتجنبه نهائياً، وأحاول تجنب الاجتماعات بجميع الوسائل المتاحة أو الأعذار الممكنة، مشكلتي هذه -سيدي الدكتور- تعذبني وتضيع عليّ فرصاً عديدة للارتقاء في الوظيفة، فأرجوك ساعدني!

كما أني أود الإشارة بأنني لا أعاني من أي رهاب اجتماعي، تصرفاتي عادية أمام الناس أو الغرباء، المشكل يظهر في الميدان المهني، وفقط حين يتوجب علي أن ألقي موضوعاً أو أتدخل بكلمة في الاجتماعات الرسمية، أما عدا ذلك فليس لديّ أي مشكل كبير في تبادل الحديث مع الغرباء أو المسؤولين خارج نطاق الاجتماعات أو اللقاءات الرسمية، ربما يكون هناك شعور بعدم الراحة فقط، أعرف أنني أعاني من عقد نفسية عديدة فأنا لا أتمتع بالثقة بنفسي، وأفكر دائماً أن طفولتي كانت دائماً يغلفها الشعور بعدم الأمان، ولم يكن لدي العديد من الصديقات فقط اثنتان أو ثلاث.
أرجو أن تفيدوني بحل للحد من هذه المعاناة وجزاكم الله كل خير عني.

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سناء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه كما ورد في رسالتك فإنني أستنبط منه وأقول لك أنك لا تعانين من رهاب اجتماعي حقيقي، ولكنك تعانين مما يعرف بالقلق الاجتماعي الظرفي، ويسميه البعض (قلق الأداء)، أي هو نوع من القلق مرتبط بظرف معين، وفي هذه الحالة حين تودين أداء مهمة معينة وهي مخاطبة الآخرين هنا يظهر لديك القلق ويظهر لديك عدم الشعور بالارتياح.

أود منك أولاً ألا تعيشي في الماضي، ولا تعتقدي أن صعوبات الطفولة هي السبب في هذه الحالة، نحن نتبع المدرسة النفسية التي تؤمن بالحاضر وتؤمن بالمستقبل، وبالطبع لا ننسى الماضي، ولكن نعتقد أن الماضي ما هو إلا مجرد تجارب، والتجارب يستفاد منها لتطوير الحاضر وتطوير المستقبل وليس أكثر من ذلك، هنالك من عاشوا طفولة تعيسة وصعبة ولكنهم - بفضل الله تعالى – أصبحوا من الناجحين في المستقبل، وهنالك من عاشوا طفولة رغدة ودون أي مشاكل – كما يعتقدون – وبعد ذلك أصبحت حياتهم الحالية صعبة وتعيسة ومفتقدة للكفاءة المطلوبة.

إذن الذي أود أن أوضحه لك هو أنك يجب أن تكوني إيجابية في تفكيرك حيال ماضيك وحاضرك ومستقبلك، والحالة - إن شاء الله تعالى – هي حالة بسيطة، وكما ذكرت لك هذا يعرف بقلق الأداء، وقلق الأداء يعالج بالمزيد من المواجهة في أوقات الأداء، فهنالك ما يعرف بالمواجهة في الخيال، والمطلوب منك في هذه الحالة هو أن تجلسي في الغرفة وتتصوري أنك تقومين بإلقاء درس أو محاضرة – أو أمر من هذا – أمام جمع ضخم من الناس فيه الكثير من المسئولين، ويا حبذا لو قمت بإلقاء فعلي لبعض الكلمات وقمت بتسجيلها ثم بعد ذلك تقومين بالاستماع إليها، وحين تستمعين إليها سوف تجدين أن أداءك أفضل مما تتصورين، كرري هذا التمرين عدة مرات وسوف تجدين فيه - إن شاء الله تعالى – فائدة كبيرة جدّاً.

هنالك أيضاً علاج نفسي وهو ما نسميه بـ (تصحيح المفاهيم)، فإن الكثير من الذين يعانون من القلق الاجتماعي – أياً كان نوعه – يتصورون أن الآخرين يرصدونهم أو يراقبونهم، واتضح من التجارب العلمية الكثيرة التي أجريت أن هنالك مبالغة كبيرة جدّاً في تقديرهم لمشاعرهم، ينظرون للأمور من منظار سلبي، فهنالك من يعتقد أنه يتلعثم وهنالك من يعتقد أنه يرتعش الآن وسوف يسقط أمام الآخرين وهنالك من يعتقد أنه يعرق... هذا الكلام ليس صحيحاً، نعم يكون هنالك شعور بالضيق وهنالك شعور بعدم الارتياح، ومن أهم الأشياء التي يعاني منها أصحاب القلق الاجتماعي هو سرعة التخلص من المهمة الاجتماعية، هذا يشكل حقيقة عائقاً للعلاج، لأننا نحتم من الناحية العلاجية أن يواجه الناس ومتى ما طالت مدة المواجهة متى ما كان ذلك أكثر إيجابية فيما يخص النتائج العلاجية.

نصيحتي لك هي عدم التجنب للمواقف الاجتماعية واقتحام هذه المواقف بقدر المستطاع، وعليك أن تتذكري ما حباك الله به تعالى من مقدرة ومن معرفة، وأنت الآن في وظيفة محترمة، ولا شك أنك أهل لهذه الوظيفة ولا ينقصك شيء عن الآخرين، فأنت ما دمت مميزة ومقتدرة فلابد أن تميزي نفسك ولابد أن تستفيدي من اقتدارك.

هذا نوع من العلاج السلوكي المعرفي الذي نطالب أو نسعى من خلاله بأن يغير الإنسان مفاهيمه السلبية حول نفسه.

توجد أيضاً تمارين استرخائية، فهنالك تمارين التنفس الاسترخائية تفيد كثيراً في مثل هذه الحالات، فخلال هذه التمارين يُطلب منك أن تستلقي في مكان هادئ وأن تفكري في لحظة سعيدة من لحظات حياتك، ثم أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلاً، ثم خذي نفساً عميقاً وبطيئاً حتى يمتلأ صدرك بالهواء وترتفع البطن قليلاً – وهذا هو الشهيق ويجب أن يكون عن طريق الأنف – ثم بعد ذلك أمسكي على الهواء في صدرك لمدة خمس إلى عشر ثوانٍ، ثم يأتي بعد ذلك إخراج الهواء بكل قوة وبطء – وهذا هو الزفير، ويجب أن يكون عن طريق الفم -.

كرري هذا التمارين بمعدل خمس إلى ست مرات بمعدل مرتين في اليوم، وعليك أيضاً بأخذ نفس معقول حين تبتدئين في أي مهمة اجتماعية، خاصة إذا كانت هذه المهمة تتطلب المواجهة وإلقاء كلمة أو خطبة – أو هكذا – .

هنالك أيضاً علاج سلوكي فكري ذهني مهم جدّاً وهو أن تتذكري دائماً أن الذين أمامك هم بشر وليسوا أكثر من ذلك، هم بشر يتكونون من لحم ودم وأعصاب وينامون – أكرمك الله - ويبولون ويتغوطون ويمرضون – وهكذا -. فأرجو أن تنزلي بهؤلاء الذين أمامك بالمقام الإنساني، وهو أنهم بشر وليسوا أكثر من ذلك ولا يتميزون عنك بأي شيء، هذا أيضاً شعور مهم جدّاً إذا استطعت أن تبنيه في داخل نفسك.

يأتي بعد ذلك بعض العلاجات السلوكية الأخرى الهامة وهي إذا استطعت أن تنضمي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن أو إلى حلقة نسائية لتلاوة القرآن، فإن هذا وجد أيضاً أنه يؤدي إلى ارتياح كبير وإلى تحسين مقدرة الإنسان على المواجهة وعلى التعبير وعلى حسن الإلقاء، فأرجو أن تبحثي نحو هذه الحلقات وسوف تجدين فيها - إن شاء الله تعالى – خيري الدنيا والآخرة.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي - وبفضل الله تعالى - توجد علاجات دوائية ممتازة وفعالة جدّاً لعلاج مثل حالتك؛ لأنه يعتقد أن القلق عامة له مكوِّن بيولوجي، توجد مواد كيميائية تعرف باسم (المرسلات العصبية) ومنها مادة معينة تعرف باسم (السيروتونين Serotonin)، فيعتقد أن هنالك عدم انتظام أو ضعف في إفراز هذه المادة؛ ولذا تعتبر الأدوية الحديثة أدوية تعويضية لتصحيح مسار هذه المادة - والحمد لله - النتائج باهرة جدّاً إذا أُعطي الإنسان الدواء الصحيح، وأنا من وجهة نظري أن العقار الذي يعرف تجارياً باسم (زيروكسات Seroxat) ويسمى تجارياً أيضاً (باكسيل Paxil) وهو يسمى في المغرب باسم (ديروكسات) واسمه العلمي (باروكستين Paroxetine) سيكون - إن شاء الله تعالى – من أفيد الأدوية بالنسبة لك، زد على ذلك أنه دواء سليم وغير إدماني وغير تعودي.

إذن بجانب الإرشاد السلوكي السابق أرجو أن تبدئي في تناول الـ (ديروكسات) بمعدل نصف حبة يومياً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفعي الجرعة إلى حبة كاملة يومياً، وتستمرين عليها لمدة ستة أشهر، وهذه تعتبر جرعة صغيرة؛ لأن الديروكسات يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، ولكن حالتك تتطلب حبة واحدة في اليوم – كما ذكرت لك – لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفّضي الجرعة إلى نصف حبة يومياً لمدة شهرين، ثم إلى نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة شهر.

هذا التدرج في العلاج يعتبر هو الطريقة العلمية الصحيحة، وكما ذكرت لك فإن الدواء فعّال وسليم وغير إدماني وغير تعودي.

ويمكنك الاطلاع على هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للرهاب: ( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 ) وقلة الثقة بالنفس: ( 265851 - 259418 - 269678 - 254892 ).

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وأسأل الله أن يتقبل طاعتكم وأن يجعلنا من عتقائه من النار ومن المقبولين.

وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
كيف أتخلص من الأرق ومجموعة أعراض باطنية؟ 887 الأحد 16-08-2020 06:13 صـ
أنا منهارة تماما، وأحتاج لدواء نفسي! 917 الأحد 16-08-2020 04:09 صـ
تشوش الأفكار والقلق ما علاجها؟ 798 الأحد 16-08-2020 01:42 صـ
أعاني من القلق ولا أدري ما سببه؟ وكيف يمكن علاجه؟ 654 الأحد 16-08-2020 02:32 صـ
أريد علاجا للقلق والتوتر لا يسبب زيادة الوزن. 1581 الثلاثاء 11-08-2020 05:25 صـ