أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : هل الزواج يحبب الدنيا للعبد ويبعده عن الله؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السلام عليكم

أنا شاب عمري 21 سنة، لن أستطيع الزواج قبل حوالي 4 سنوات، لكني حينما أفكر في الزواج -لعفتي من معاصي السر التي أقع فيها بين الحين والآخر، ولحاجتي لزوجة في حياتي- يزداد قدر الدنيا في قلبي؛ لطبيعة ميل الرجل للمرأة واستمتاعه بها.

فهل الزواج سيبعدني عن الله، ويحبب إلي الدنيا؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فاصل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل -: فإنه مما لا شك فيه أن الله الجليل جل جلاله سبحانه هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وشاء الله تبارك وتعالى أن يركب في الإنسان نوازع الخير والشر، فإن استطاع أن يقهر الشر بالخير فهو من أولياء الله الصالحين ومن عباده المقربين، وإن استسلم للشيطان ونزواته وإغوائه فإنه قطعًا سيكون من الهالكين الخاسرين، ومما ركزه الله تبارك وتعالى في الإنسان غريزة الميل إلى الجنس الآخر، فالرجل بطبيعته طالب ومطلوب، وكذلك المرأة طالبة ومطلوبة، حتى يعمر الكون ويستمر الجنس البشري إلى ما شاء الله رب العالمين، وقضية الزواج قضية تتوقف على النية والهدف والدافع.

أنت تقول: إنك عندما تفكر في الزواج لعفتك من معاصي السر التي تقع فيها، ولحاجتك إلى زوجة؛ إذًا معنى ذلك أنك أردت بالزواج الإعانة على الطاعة، وأردت بذلك وجه الله، وهذا عمل رائع ونية جادة وعزيمة موفقة، فإذا تزوج الإنسان بهذه النية فإن زواجه كله يتحول إلى عباده، وكل لحظة يقضيها مع زوجته يكون له بذلك أجر، بل إن اللقمة التي يرفعها إلى فمها يأخذ عليها أجرًا، بل إن الإنفاق الذي ينفقه على زوجته وعياله يكون أعظم أجرًا من الإنفاق في سبيل الله، وفي بناء المساجد وفي النفقة على الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أن أعظم الصدقات أجرًا الذي يُنفقه الرجل على أهل بيته أو على أهله.

ولذلك أقول: إذا كانت نيتك هذه العفة من المعاصي والإعانة على أمور الحياة فأنت على خير وإلى خير.

تقول: هل الزواج سيبعدك عن الله تعالى؟ أقول لك: لا، إذا كانت نيّتك كما ذكرت فإنه سيقربك من الله تبارك وتعالى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في بُضع أحدكم صدقة) بمعنى أنه كلما أتى الرجل أهله أخذ على ذلك أجرًا، وأخذت امرأته أيضًا على ذلك أجرًا.

فإذن هذه النية - بإذن الله تعالى - ستجعل كل شيء تقضيه لبيتك، أو كل خير تتسبب فيه سيكون لك فيه أجر عظيم - بإذن الله تبارك وتعالى جل جلاله -.

أما إذا كانت النية فقط هي: الشهوة والرغبة في أمور الدنيا، فهذا الذي يجعل الزواج شأنه شأن غيره من الأمور المباحة، ولا يكون بذلك حرامًا، ولكن يفوت الأجر، أما - كما ذكرت لك - إذا كان الدافع هو ما أشرت إليه، فأعتقد أن هذا الزواج لن يُباعدك عن الله تبارك وتعالى، ولكن سيقربك منه سبحانه وتعالى جل جلاله كما أشرت إليك من حيث: أجر الجماع، وأجر النفقة، والصبر عليها، والعشرة بالمعروف، والإعانة على الطاعة، فسيكون الأمر بالنسبة لك في صالحك إلى حد كبير بإذن الله تعالى.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك إلى كل خير، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمُنَّ عليك بزوجة صالحة طيبة تكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وكونك لن تستطيع الزواج إلا بعد انتهاء العام الدراسي: هذا حال السواد الأعظم من الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا أمر ليس خاصًا بك وحدك حفظك الله، وإنما هو حال معظم الشباب؛ لأن معظم التعليم في العالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص - مع الأسف الشديد - يجعل الإنسان متفرغًا للدراسة فقط، ولا يمارس أي عمل آخر، وبالتالي يجد نفسه عالة على أسرته فيستحي أن يطلب من والديه الزواج؛ لأنهما ما زالا يُنفقان عليه، أما في بلاد الغرب فإن الإنسان له أن يدرس وفي نفس الوقت يكون موظفًا، وهناك الأمور تختلف عمَّا نحن عليه.

ولذلك أقول: ليس عليك إلا الصبر الجميل، والاجتهاد في ترك المعاصي السرية على وجه الخصوص؛ لأن هذه المعاصي تُسقطك من عين الله تبارك وتعالى إذا استحللتها وكنت مستمرًا عليها، وفوق ذلك فهي تُضعف ذاكرتك وتوهن بدنك، وتجعلك غير قادر على التركيز على الأمور التي تحتاج منك إلى تركيز، فاترك من أجل الله سبحانه وتعالى، واعلم أن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ولن يعينك على ذلك إلا أنت شخصيًا؛ لأن المعاصي السرية لا يعلم بها إلا الله تبارك وتعالى ثم أنت، فأرِ الله من نفسك خيرًا، واعلم أن من تاب تاب الله عليه، واعلم أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، فأقلع عن المعاصي حياءً من الله وابتغاء مرضاته، واعلم أن الله تبارك وتعالى قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...