أرشيف المقالات

سلفني شكرا

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
سلفني شكرًا


يعيشُ الناس في الدنيا - برُّهم وفاجرُهم - في النِّعم يتقلَّبون، ويُصبحون في ذلك ويُمْسون، ومن ألفةِ النعم ينسى الإنسانُ أنها نعمة، ومن ثَمَّ ينسى مَن أنعم عليه وأكرمه وأعطاه من غير سؤال، ولم يخصَّ مَن يستحق بالعطاء، وإلا لكنا من المحرومين، فمَن منا يستحق، وقد منَحَنا الله من غير عِوَضٍ؟
 
ومَن منا يَملِك الثمن؟
فكم منا مَن شكر الله على نعمةِ الإسلام أجلِّ النعم؟
ومَن منا شكر على نعمة الالتزام، وقد تعسَّر على البعض وعزَّ عليه المنال؟
وذَلَّلَهُ الله للبعضِ وأدنى له القطاف، فهل منا مَن شكر؟
وكم منا قد اعترف؟
وهل شكَرنا صحة الأبدان في عصرٍ عمَّت فيه الأمراض؟
وكم خصلة من الخيرِ فطَرك الله عليها، تُواتيك سجيةً من غير عناء في الطلب أو شقاءٍ؟
فهل شكرنا الله حقَّ الشكر، أو حتى بعض الشكر، وكأننا لم نُربَّ على هذا الأدبِ؟!
أَوَقَدْ نفِد منا رصيدُ الشكر؟!
فالشكر قيدُ النِّعم، فلماذا نُضحِّي بما لدينا؟
والشكر أصلُ المزيد، فلماذا نسدُّ عنا باب الخير؟
فهل لنا أن نصيحَ: (سلِّفني شكرًا)، لو كان الشكر يباع أو يُقترض؟!
وأما الناس، فكم لهم علينا من نِعَم، أسدلنا عليها الستار، ولم نرعَ فيها خاطرًا أو اعتبارًا؟!
فكم لأبوَيْنا علينا من نعم؟
 
ومن عجبٍ أننا نجعلهما كثيرًا غرضًا لِلَوْمِنا، وهدفًا لنقدِنا، فكم يُسمع منا ومِن غيرنا: أن أبي لم يفعل لي كذا وكذا، أو أن أمي لم تساعدني في كذا أو كذا!
نكرانٌ كبير، وجحد للجميل، وبخل حتى بالثناء وبالكلام.
 
وكم لمعلِّمينا علينا من أفضال منذ نعومة الأظفار، تشبه فضل الوالدين، فهل أدَّيْنا شكر المُنعِمين، أم وقفنا في صفوف الجاحدين؟
ونرى تلك النعم أمورًا عفَا عليها الزمن، وتقادم عليها الأجَل، فسقطت بالتقادم، فليس لها شاكر أو ذاكر، فإن لم تكن من الشاكرين، فصِحْ ونادِ: (سلِّفني شكرًا)، لو كان الشكر يباع أو يقترض.
 
أما بين الزوج وزوجِه، فكم من نِعَم متداولة تصير مع الزمن حقًّا مكتسبًا، يؤخذ بلا عِوَض ولا أدنى كلمة شكر، بل قد يصل الأمر أحيانًا أن يصير الفضل بين الطرفينِ فرضًا، وقد يُطالب أحدهما بما ليس له، ويجالد عليه في ضباب التمييز بين الفضل والفرض، رغم أن الخالق عز شأنه ذكَّر الجميع في أحلكِ المواقف، وتعقُّد المشاكل، واستحالة العشرة، وقد حان وقت الطلاق، والفصال والفِراق، فقال عز مِن قائل - بعد أن أثبت الحقوق والفروض -: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، فلا تنسَوا الفضل بينكم بذلًا وعطاءً، ومن باب أولى: لا تنسَوا شكر الباذل عرفانًا وجزاءً، وقد استُدِلُّ في الحديث أن الذي لا يبالي بشكر الناس لن يشكر ربَّ الناس، فيا له مِن خُلُق! عافانا الله منه وعافى المسلمين، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشكر اللهَ مَن لا يشكر الناس))؛ (الأدب المفرد).

فما أحوجنا أن نصيح وننادي: (سلِّفني شكرًا)
لو كان الشكر يباع أو يُقترض!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢