أرشيف المقالات

الإيمان عندهم مجرد دعوى لا دليل عليها

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الإيمان عندهم مجرد دعوى لا دليل عليها
 
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 66].
 
تأولْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ﴾؛ لتعلم أنَّ الإيمان عند كثير من الناس لا يعدو كونه مجرد دعوى لا دليل عليها؛ لأن الذي قال ذلك هو الله تعالى الذي ﴿ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [الْقِصَصِ: 69]، والذي ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غَافِرٍ: 19]، تمامًا كادِّعاءِ محبتهم لله تعالى مع استنكافهم عن تحكيم شريعته، وادِّعائهم محبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم يأنفون من الاقتداء به، ويطعنون في سنته، ولا يرتضون بحكمه.
 
قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ النَّهْرُجُورِيُّ: كُلُّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُوَافِقِ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، فَدَعَوَاهُ بَاطِلَةٌ، وَكُلُّ مُحِبٍّ لَيْسَ يَخَافُ اللَّهَ، فَهُوَ مَغْرُورٌ.
 
وقال محمود الوراق:






تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ
هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ شَنِيعُ


لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ
إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ






­­­­­
أفحسب هؤلاء أن الإيمان بالتمني؟ أو أنه مجرد كلمة تلوكها الألسن؟
ألا يعلم هؤلاء أن الإيمان له لوازم وتبعات، وأن من لوازمه امتثال كل أمر، واجتناب كل نهي؟
وإلا فكيف يكون مؤمنًا مَنْ يستجيبُ لله تعالى في أمر ويخالفه في أمور؟
 
ألم يسمع هؤلاء ما قاله الله تعالى عن اليهود: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 85]؟
 
ماذا أقول له إذا وقفت بين يديه أناجيه؟
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]، تأملْ قَولَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾؛ لتعلم أن امتثال العبد أمر الله تعالى، واستجابته له، ووقوفه عند حدوده، خيرٌ له في دينه ودنياه وعاقبة أمره.
 
وأن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سببُ سَعَةِ الرزقِ، ورغدِ العيشِ في الدنيا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].
 
وهي كذلك سببُ سعادة القلب، وسكينة الروح، وطمأنينة النفس؛ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ ما نحن فيه من السرور والنعيم، إِذًا لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِأَسْيَافِهِمْ[1].
 
وهي كذلك من أعظم أسباب الثبات على الإيمان، وزيادته، فإن الطاعات يجر بعضها بعضًا، وإذا عمل العبد طاعة قالت له أخرى بجانبها: اعملني.
 
وهي كذلك سبب عصمة العبد من الزلل؛ كان أحد العباد إذا عرضت له معصية، يقول لنفسه: ماذا أقول له إذا وقفت بين يديه أناجيه؟



[1] تاريخ الإسلام (4/ 296).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢