أرشيف المقالات

جوامع المعاني - سهام علي

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
 
منذ سنين طوال كنت اقرأ تفسير قصار السور التي كنت اقرأ بها في صلواتي وكان ضمنها سورة العصر، فلما تأملتها وجدت أنها اشتملت على جميع ما يحب أن يتصف به المسلم الحق ويمارسه وذلك في الآية واحدة منها وهي الأخيرة فقد قال تعالى :
" {وَالْعَصْرِ ‎﴿١﴾‏ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ‎﴿٢﴾‏ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ‎﴿٣﴾‏ " }
الله سبحانه تعالى يُقْسم أنه لا نجاة من الخسران إلا للذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
فالإيمان وما يتبعه من عمل صالح هو شرط دخول الجنة والنجاة من النار ، وهذه القضية وردت في القرآن مرارًا وتكرارًا ،فتلازُم الإيمان والعمل الصالح قاعدة أساسية ولا يجوز انفصالهما بحال، فالإيمان وحده لا يكفي بل لابد أن يُترجَم لعمل كما أن العمل الصالح لابد أن يسبقه الإيمان بالله وبكل ما وجب الإيمان به وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره .
فالعمل كي يقبل يجب أن يتصف بالإخلاص لله ولا يكون الإخلاص لله إلا بعد الإيمان به وكذلك يجب أن يتصف العمل بالاتباع لشرع الله
أما التواصي بالحق فالتواصي يعني أن يُوصي الإنسان نفسه وأن يُوصي الآخرين ،فالتواصي في كل اتجاه ولا يُستثنى منه أحد.
ولو أن التواصي والتناصح أخذ قوة العُرف في المجتمعات فلن توجد أي فرصة للتفريط في الحق.
والحق لن يتجاوز أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ودعوة للخير
ولنا نتصور مجتمع تسوده هذه القواعد فلابد أن يكون مجتمعا مثاليًا.
أما التواصي بالصبر فلأن الحياة لا تخلو أبدًا من الكدر والابتلاءات، فالإنسان في حاجة لمن يواسيه وينصحه بالطبع سواء من داخل نفسه أو من قِبَل الآخرين .
وقد جاء التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق لأن الدعوة إلى الحق يعقبها الحاجة إلى الصبر لما يلاقيه الداعية غالبا من إعراض بل وتصدي من أهل الباطل.
وهذا يعود بنا مرة آخرى إلى أركان الإيمان التي ضمنها الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو من عند الله، وأنه يجب الصبر على الأقدار واحتساب الأجر عند الله وإدراك أن كل ما يُلاقيه المؤمن لحكمة يعملها الله وأنه لا عبثية في الأقدار فيطمئن قلبه وترتاح نفسه وتُسَلم قيادها لله بكل رضا وهذا نوع من أنواع الصبر لأن الصبر يتضمن كذلك الصبر على العبادة والصبر عن المعصية
 وهكذا نجد أن سورة العصر اشتملت على جوامع المعاني فلم تترك ثغرة واحدة يتسلل إليها نقصان في الدين وإن عجزنا عن توضيح ذلك كما يجب وقد عُرف عن الصحابة أنهم كانوا يقرؤونها عند الافتراق للتذكرة ونذكر كذلك قول الإمام الشافعي عن سورة العصر "لو تدبرها الناس لكفتهم”.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١